Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 22/02/2013 Issue 14757 14757 الجمعة 12 ربيع الثاني 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

تثبت التجارب في الدول المتقدمة والصاعدة تنموياً أن التفكير الاستراتيجي المحكم ركيزة محورية في نجاح البرامج التنموية وتحقيق معدلات مرتفعة من النمو والرفاهية والتحضر والاستقرار والأمن والسيادة والوحدة. هذه قضية باتت من المسلّمات، وقد أضحى من الحقائق أيضاً صحة

مقولة “خطط مستقبلك قبل أن يخططه لك الآخرون”، كما يقول المفكر الاستراتيجي إبراهيم العيسوي.

وجلي لنا حداثة “الفعل التخطيطي” في المملكة، حيث إن الخطط التنموية ابتدأت في عام 1390هـ (1970م)، ومع ذلك فقد كان لهذه الخطط دور جيد إبان مرحلة يمكن نعتها بـ”التصحر التخطيطي”، حيث كان يندر وجود خطط استراتيجية لدى القطاعات والجهات الحكومية.

من جهة ثانية، أحسب أن الفعل التخطيطي الوطني بحاجة إلى إعادة نظر من وجوه عدة. وفي مستهل هذا المقال أؤكد على أهمية دعم الوزير الجديد (معالي الدكتور محمد الجاسر) لكي يخرج من نسق العمل الحكومي وإطاره الروتيني التقليدي المكبّل في بعض الجوانب، حيث إن الخروج من هذا النسق شرط رئيس لتقديم فعل تخطيطي يوجّه التفكير والقرار بصورة سليمة، وبما يحقق تطلعاتنا واحتياجاتنا الحاضرة والمستقبلية. ويتطلب هذا دعماً سياسياً وقانونياً ومالياً وتنظيمياً، خاصة أن نسق العمل الحكومي يتعلق بأمور تخرج عن نطاق الوزير، مما يستلزم مثل هذا الدعم، بغية تحقيق الهدف المتوخى الذي يتمثل بإحداث نقلة نوعية في الفعل التخطيطي الوطني. هذه قضية أساسية، وهي أحد أسرار النجاح في هذا الاتجاه. وتتأكد المطالبة بإحداث تطوير جوهري في الفعل التخطيطي في هذا الزمن الصعب الذي يزداد صعوبة وتحدياً، ولا سيما أن ثمة تحديات كبيرة تتخلق وتتراكم ككرة الثلج المتدحرجة، ومن ذلك ما يتعلق بالمصدر الرئيس لإيراداتنا وهو النفط، وذلك من زوايا عديدة، فبعض الدول تشهد اكتشافات ضخمة جداً بجانب التطور المذهل في مجال الطاقات المتجددة، أخذاً في الاعتبار أننا لم نفلح بعدُ في تنويع قاعدة الاقتصاد الوطني، فالنفط يشكل 92% من الميزانية الأخيرة (2012)، مع أننا قد وضعنا هذا الهدف في أولى خططنا التنموية. التحديات ضخام، ونحن علينا مسؤوليات كبيرة تجاه أنفسنا وأبنائنا والأجيال القادمة.

من جهة أخرى أشير إلى أن هنالك جوانب ضعف عديدة في الفعل التخطيطي الوطني بصورته الحالية، وأنا طبعاً لا أحمّل الوزير الحالي، فهو جديد في منصبه، بل لا أحمّل أحداً بعينه، بقدر ما أشير إلى بعض جوانب الضعف التي تؤكد حتمية التطوير الجوهري، في مجال التخطيط، بعد هذه الفترة التي تقترب من خمسة عقود. وما سأكتبه هنا هو ملخص صغير نتيجة رصدي للفعل التخطيطي الوطني منذ فترة ومن ذلك مشاركتي ضمن أعمال إعداد خطة التنمية العاشرة (1436 - 1441 هـ الموافق 2015 - 2019م) التي تجري أعمالها في وزارة الاقتصاد والتخطيط، وقد قرأت الأدلة والوثائق التي أعدت لهذا الغرض، كما أنني حضرت ورشة عمل قدمتها الوزارة للجهات الحكومية المشاركة (الجامعات على وجه التحديد). ويمكنني إبراز بعض - أقول بعض - جوانب الضعف في الفعل التخطيطي عبر النقاط التالية:

1 - كانت ورشة العمل التي عقدتها الوزارة ضعيفة مهنياً، حيث ركزت بطريقة مملة على استعراض الإجراءات التي جاءت في “دليل إعداد خطة التنمية العاشرة”، وغاب العرض الاحترافي لجوانب العمل في إطاره المنهجي وبعده الفني المتخصص. وأحسب أن الجهات الحكومية لديها القدرة على استيعاب مثل هذه الإجراءات، ومن ثم فكان يمكن التركيز على مناقشة جوانب مهمة في الموضوع. ومن أهم تلك الموضوعات ما يتعلق بـ “المواءمة بين الخطط الاستراتيجية للقطاعات والجهات الحكومية والخطط التنموية” و”مؤشرات الأداء”.

2 - بخصوص آلية المواءمة التي أومأت إليها، يمكنني القول انها آلية ضعيفة، وهي غير مكتملة وغير واضحة أيضاً، فمثلاً الجامعات لديها خططها الاستراتيجية التي تخصها وثمة خطة استراتيجية للتعليم العالي السعودي على مستوى الوزارة، وانعكاس هذه الخطط غير واضح على الخطة التنموية، بطريقة تحفظ للقطاعات وللجهات التابعة لها توجهاتها الاستراتيجية في إطار تكاملي. ونظراً لطبيعة العمل الحكومي، فلم يستطع مقدمو الورشة الإجابة عن الأسئلة الفنية بشكل منهجي دقيق. ومن الواضح أن ضعف آلية المواءمة سيترتب عليه أمور عديدة، ومنها عدم قدرتنا على تحقيق التكامل الأفقي والرأسي في مختلف المجالات، فضلاً عن انخفاض مستويات حماسة القطاعات والجهات الحكومية للمشاركة الحقيقية الفاعلة في الفعل التخطيطي الوطني، سواء في إطار الإعداد أو التنفيذ، وهذا مشاهد ولا يمكن إنكاره.

3 - هنالك أخطاء علمية كبيرة في بعض الأجزاء المتعلقة بالمواد التحضيرية لخطة التنمية العاشرة. فمثلاً جاء في الوثيقة المعنونة بـ”الأهداف العامة لخطة التنمية العاشرة”، وتحت عنوان فرعي : “سياسات وآليات تنفيذ الأهداف العامة لخطة التنمية العاشرة”، وتحديداً في البند رقم (3) الذي نصه: “التحول نحو الاقتصاد القائم على المعرفة ومجتمع المعرفة، وذلك من خلال”، وتم ذكر مجموعة من النقاط الفرعية في هذا البند. وبعض هذه النقاط غير دقيق على الإطلاق ولم يصغ بطريقة علمية، وإنما شابه الصياغة الإنشائية الركيكة. ومن ذلك مثلاً: تم وضع آليات تخص “توليد المعرفة”، وذُكر منها: “تشجيع الدراسات والبحوث التطبيقية التي تسهم في التحول إلى مجتمع المعرفة والاقتصاد القائم على المعرفة”. ومن المعلوم أن مجتمع المعرفة والاقتصاد المعرفي فيما يتعلق بتوليد المعرفة الجديدة إنما يتأسس على البحوث الأساسية Basic Research التي يقتحم فيها الباحثون مجالات غير مسبوقة ويصلون إلى نتائج وأفكار مبتكرة وأنساق تفكير جديدة New Paradigm، وليس البحوث التطبيقية Applied Research التي تُستخدم لتشخيص المشكلات القائمة وبلورة حلول مناسبة لها بما في ذلك أعمال التطوير والتحسين في المجالات المستهدفة من هذه البحوث التطبيقية. ومن هنا فلا يمكن أن نتوقع أنه سيترتب على هذا النوع من التخطيط نتائج جيدة، لأنه تخطيط لا يتسم بالضبط العلمي الذي يمكّننا من تحديد الأمور بدقة بما في ذلك المحددات والمقومات وعوامل النجاح الحرجة في هذا المجال أو غيره. وهذا مجرد مثال على مثل تلك الأخطاء العلمية، التي هي نتاج العمل الحكومي التقليدي، وأنا لا استغربها البتة.

4 - هنالك ضعف بيّن في عملية تقييم فاعلية الفعل التخطيطي الوطني في التوجيه والدعم الاحترافي للقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي. ومن ذلك على سبيل المثال، عدم قدرتنا على تنويع قاعدة الاقتصاد الوطني. صحيح أن ذلك الإخفاق لا يعود إلى التخطيط فقط وإنما يعود إلى القرار والتنفيذ، لكني أحسب أن الفعل التخطيطي إن تحسن في الصياغة والإعداد فسيكون له مردود إيجابي على القرار والتنفيذ. ومثل هذا الأمر يحتاج إلى دراسات تقويمية نقدية صارمة للفعل التخطيطي السابق، من أجل تحديد الثغرات وجوانب الضعف والنقص، ومن ثم تعزيز قدراتنا على إنضاج الخطط الاستراتيجية وما يتعلق بها من خطط تنفيذية، بما في ذلك تحديد عوامل النجاح الحرجة، وخلق الآليات والكيانات والتشريعات اللازمة لنجاح أعمال التنفيذ.

5 - الفعل التخطيطي الوطني السابق كان ضعيفاً جداً فيما يخص تطبيق مؤشرات الأداء KPIs، حيث كانت غائبة في أغلب المراحل، ثم حضرت في مراحل تالية، ولكن مع عدم تلبسها بالدقة الكافية، سواء من حيث منهجية إعدادها وإشراك الجهات المعنية، أو أدوات قياس تحقيقها.

أكتفي بهذا القدر. وآمل أن يحظى هذا الطرح بالاهتمام الكافي من لدن الوزير وفريقه العامل معه، مع إعادة التأكيد على ضرورة تمكين الوزارة من الاستعانة بمنظومة متكاملة للتطوير الجوهري في الفعل التخطيطي الوطني، بما يتطلبه من تجاوز الأطر التقليدية في العمل الحكومي. وسيكون لي مقال قادم، أضع فيه بعض المقترحات التطويرية.

beraidi2@yahoo.com

نظرات في «الفعل التخطيطي الوطني»
د. عبدالله البريدي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة