Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 24/02/2013 Issue 14759 14759 الأحد 14 ربيع الثاني 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

محليــات

كنت في جلسة الضحى بين الشمس والظل بجوار طاولة الكتب في عزلتي الاختيارية أقرأ وأتأمل، أُقلب بعض المراجع، وما علمت إلا بخبر حرَّك المواجع، لقد تسلل عبر الهاتف صوتٌ ينعى بتأثر بالغ وأسى وحسرة وفاة الصديق القديم، بل الصهر والنسيب (أبو خالد عثمان العبد الله العثمان) الذي مضى إلى ربه بعد حياة كريمة شريفة ومعاناة مع الآلام والليالي غير المريحة.. تجمدت الكلامات وتوقف التعبير وتعطلت لغة الكلام.. ثم أفقت من صدمة النبأ وقلت لابني تركي: أُعزي نفسي (لا حول ولا قوة إلا بالله). كاد الهاتف أن يسقط من يدي التي كانت ترتعش وتهتز - رحم الله - الفقيد الماضي وأدخله مدخلاً كريماً.

استدارت بي الذكريات إلى ما قبل ستين عاماً مضت كنت يومها في سني اليفاعة بالطائف أعي من قابلت وأذكر من صافحت.. كنا في بدايات عهد الملك سعود - رحمه الله - كان والد الفقيد معالي الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العثمان يشغل منصب رئيس الديوان في ذلك الزمان. كان عمي عبد العزيز بن فهد بن معمر أميراً للطائف بتعبير تلك الأيام يوم كان الطائف وجهةً للمصطافين وقِبلة للمتنزهين قبل أن يتحول عنه الناس إلى الخارج. كان الشيخ عبد الله شخصاً لا تُخطئه العين وسيم الطلعة أنيق المظهر حسن التقاسيم يُوحي لك بالثقة والاطمئنان والارتياح والإعجاب. كان عمي عبد العزيز يقيم كل صائفة مأدبة لكل طائفة من كبار الشخصيات التي تحضر الطائف بحكم عمله ومعرفته. كنت أشاهد كبار الشخصيات أسمع وأرى أختزن في ذاكرتي صوراً لكل واحد وبعد سنين أقرأ عنه فأستدعي الموقف والمشهد، وهذا ما حصل، فقد فرحت علم الله بموسوعة الدكتور عبد العزيز الخويطر (وسم على أديم الزمن) صرت أرجع إليها في أكثر المعلومات عن بعض الشخصيات وخصوصاً التي عرفتها عن قرب أو صاحبتها بالجنب، فمن شاء التوسع والمزيد عن والد الفقيد فليراجع السفر المفيد (وسم على أديم الزمن).

أعود إلى أبي خالد الذي عرفته من تلك الأيام، جايلته وجالسته بعدها تفرقت بنا دروب الدنيا وسبل الحياة ثم استدارت السنون والأعوام وقدَّر الله وربطته بأسرة آل معمر صلة نسب ومصاهرة كما كان والده من قبل ربطته بالشيخ إبراهيم بن معمر رئيس الديوان الملكي في عهد الملك عبد العزيز صلة نسب، وحتى لا أطيل فحديث الذكريات ليس مجاله مقالات التأبين أو تعبيرات المعزين.

بعد عودته من إقامته ودراسته في أمريكا شغلَ أبو خالد فترة طويلة من حياته الإدارية والعملية وظائف ومسؤوليات في جهات محافظة ينبع بالهيئة الملكية للجبيل وينبع. كان في بعض الإجازات يتجه صوب الطائف بصحبة العائلة والأبناء كنا نسعد بهم ونسر بلقائهم. كنت أجلس معه أسأله عن مشاريع الهيئة ومستقبلها ومتى يحس الناس بها، لأن الإعلام لا يعطيها حقها ويسلط الأضواء حولها والوعي الاقتصادي ليس كما هو الآن حرصاً ومتابعة ودقة وملاحظة. كان يُراهن على المستقبل ولا يتعجل لكن الناس كعادتهم في كل زمان لا يصبرون ولا يعذرون بل يتسرعون ويلومون، وهكذا صرت أسعد بلقياه حيناً بعد حين، لكن بعد أن تقاعد عن العمل تدير الرياض واستقر بها وألقى عصا التسيار فيها وبقيت بين الطائف وجدة، لكن قربي منه لم ينقطع وسؤالي عنه لم يفتر كنت أسأل عنه إذا مرض أزوره إذا تعافى. أتواصل معه إذا بعُد وأعتذر إذا قصرت وما كنت أدري أن فراقه لأحبابه قريب ومصابه عليهم نحيب. كان كالناس يمرض ويطيب وكالبشر يسافر ويغيب، لكن أخباره تأتيني عبر ابني تركي أُسر حيناً وأقلق أحياناً أتفاءلُ ولا أتشاءمُ لا أحب أن أسأل كثيراً خشية أن أسمع ما لا يسر أخيراً. كنت حذراً في هذه الموضوع أدع الأمور هكذا تجري وما دريت أن دموع المحبين عليه يوماً ستجري:

ما زلت تدفع كل أمرٍ فادحٍ

حتى أتى الأمر الذي لا يدفع

ما زلت تفجع في الأحبة بعدهم

وذهاب نفسك لا أبالك أفجع

عفا الله عن الفقيد الماضي وخلفه بخير وأدخله مدخلاً كريماً، ولتظل قبره سماء الرحمة ولتمطره سحائب الغفران.

كلام قليل في رثاء الخليل
عبد الرحمن المعمر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة