Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناWednesday 27/02/2013 Issue 14762 14762 الاربعاء 17 ربيع الثاني 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

قرار خادم الحرمين الشريفين- حفظه الله- بتعيين ثلاثين امرأة من خيرة النساء في مجلس الشورى هو قرار تاريخي لا يكفى أن ننظر إليه بإعجاب وترحيب، بل علينا أن نحلل أبعاده العميقة وآثاره الإيجابية.

فأولاً: يذكر اختيار هؤلاء النساء الكريمات باختيار أعضاء مجلس الشورى في دورته الأولى التي بدأت عام 1416هـ. فقد اختار ولي الأمر في ذلك الوقت مجموعة من صفوة أصحاب الفكر والرأي في المجتمع لعضوية المجلس. وهذا كان ما يجب أن يكون، لأنه مجلس للشورى لا بد أن يتمتع أعضاؤه بالمقدرة على تقديم الرأي النافذ والمشورة الناضجة الحكيمة التي تتبلور في قراراته وتوصياته. وجاء تعيين عضوات مجلس الشورى مطابقا لهذا المبدأ. فهن من صفوة المجتمع رأيا وعلما وخلقا ومكانة.

وثانياً: في الصور التي التقطت لعضوات المجلس في أثناء جلسة أداء القسم ظهرن كلهن بالحجاب الشرعي، لكن البعض منهن كن كاشفات للوجه وبعضهن الآخر منقبات. وهذا المشهد نموذج لما يجب أن يكون عليه المجتمع المسلم المتسامح الذي يتقبل اختلاف الرؤى والمواقف مع الإجماع على التمسك بالعقيدة وثوابت الشريعة. وفي هذا السياق أتذكر حوارا أجري مع المفكر الإسلامي المعروف الشيخ سلمان العودة في إحدى القنوات الفضائية (لا أتذكر أيها ولا متى كان ذلك) أجاب فيه على تساؤل بشأن كشف الوجه بأن هذا محل خلاف بين العلماء ، فهناك من يرى جوازه ولكنه شخصيا لا يأخذ بهذا الرأي.

وثالثاً: أن تعيين هذا العدد الكبير من النساء (الذي يشكل 20% من أعضاء المجلس) يعكس شجاعة ولي الأمر وقناعته بأهمية مشاركة المرأة في الشأن العام وأيضا يجعل لوجودهن وزنا كبيرا مؤثرا يؤكد الدور الذي ينتظر منهن أن يقمن به لإيصال صوت المرأة بنغمة عالية إلى آذان أهل الحل والعقد (سواء داخل المجلس أو خارجه). فلو اقتصر التعيين على عشر نساء - مثلا - لضاع صوتهن في ضجيج أصوات الرجال.

ورابعاً: أن دخول المرأة إلى مجلس الشورى بهذا الوزن المؤثر هو إيذان بزوال ثقافة الوصاية الاجتماعية على المرأة النابعة من العادات والتقاليد والمتجاوزة لحدود قوامة الرجل الشرعية. ومظهر ذلك ما نشاهده من أشكال الوصاية التي لا تقتصر على المجتمع فقط بل ينعكس بعضها على إجراءات حكومية وقضائية مثل قضايا المماطلة في الإقرار بحقوقها في النفقة وحضانة الأطفال وقضايا تعليق الطلاق أو اشتراط علم (ولي أمرها) بسفرها حتى لو كانت امرأة ناضجة ولها جواز سفرها الخاص وهويتها المدنية، ثم هناك تضييق الفرص أمام المرأة لكسب الرزق الحلال وضرب سبل العيش الكريم - خاصة لذوات الحاجة. ومن ذلك أيضا التلكؤ في تحسين ظروف نقل المعلمات الذي أودى بحياة كثير منهن، أو ظروف النقل من وإلى مكان العمل داخل المدن.

وخامساً: أن أحوال المجتمعات تتغير بفعل ما يطرأ على البشر من تغير في سبل العيش والسكنى والتعليم والعمل والتنقل والتملك ومن تأثير التكاثر والصراعات وغيرها. فالمجتمع الإسلامي في عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام- لم يبق كما هو في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- فقد كثر عدد الموالي وعدد الأغنياء واتسعت رقعة الدولة الإسلامية مما أدى إلى الاختلاط بثقافات مختلفة. والمجتمع الإسلامي لم يبق على الحال نفسه في العصر الأموي ثم في العصر العباسي ثم في عهد الخلافة العثمانية. وتغير ظروف الحياة الاجتماعية يتطلب فهم النصوص الدينية الخاصة بالمعاملات والشؤون الدنيوية- التي هي بطبيعتها متغيره - في ضوء راهنية السياق الزمني والمكاني ما دام المعنى المقصود في النص يتحقق بذلك. أما تحجير الواسع بالفهم التقليدي لحرفية النص فإنه يلجئ إلى الالتفاف والتحايل أو إلى مخالفة النص عنوة. إن القابلية للتطور هي وقود حياة المجتمعات. ونحن في عصر تطورت فيه المرأة حتى بلغت من الوعي والتعلم مستوى تساوت فيه مع الرجل من حيث عدد الطلاب والطالبات وعدد المعلمين والمعلمات - كما يتبين من إحصاءات التعليم. وذلك أمر يجعل المرأة تتساءل: لماذا لا نستشار - نحن النساء - أيضا في الشؤون العامة؟ وكان قرار الملك بتعيين 30 امرأة في مجلس الشورى أبلغ استجابة لهذا التساؤل. وهو قرار وضع الأمور في نصابها أو في سياقها الطبيعي. وقد سبقته قرارات فتحت الطريق أمام المرأة ليمتد دورها إلى الفضاء الاجتماعي الواسع. ومن العجيب أن المبادرات الرسمية للدولة تسبق مبادرات المجتمع ذاته ، أو هي تأتى عندما يفشل المجتمع في معالجة القضايا المتعلقة بالمرأة. وربما يعود هذا الفشل إلى تغلب تيارات معارضة للنهوض بمقام المرأة ومكانتها الاجتماعية وأخذ جميع حقوقها. وأتذكر أن مشروعا بإنشاء لجنة عليا لشؤون المرأة كان مطروحا قبل عدة سنوات أمام الجهات العليا، لكنه لم يرَ النور، ورأى أصحاب الحلول الوسط أن يكتفى بفكرة إنشاء مجلس أعلى للأسرة؛ وهي فكرة جديرة بتمييع الشخصية الاجتماعية للمرأة وإذابتها في شؤون الأسرة المتعددة الجوانب.

إن المأمول من أخواتنا عضوات مجلس الشورى أن يرفعن صوت المرأة عاليا ليعوضن غياب هذا الصوت في المجتمع المدني - ليس فقط في قضايا المرأة، بل في جميع شؤون الوطن؛ ومن زملائهن الرجال الذين يشكلون 80% من أعضاء المجلس نأمل أن يكونوا خير سند لهن، فإن (النساء شقائق الرجال).

المرأة في مجلس الشورى: وضع الأمور في نصابها!
د. عثمان عبدالعزيز الربيعة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة