Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 08/03/2013 Issue 14771 14771 الجمعة 26 ربيع الثاني 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الأخيــرة

في ردود فعل عاطفية أو سياسية، يستنكر الناس في أنحاء العالم تعاظم ثروات الأغنياء واستئثار ملكيتهم لغالب ثروات بلادهم على ضآلة نسبة عددهم في مجتمعهم، التي قد لا تتجاوز 1% في بعض الدول. فهل لهذا الاستنكار أرضية اقتصادية علمية صحيحة. الجواب على هذا السؤال يختلف باختلاف المجتمع الاقتصادي الذي هو محل النظر. فالمُستنكر الممقوت شرعا واقتصاد هو وجود طبقة الأغنياء التي تعطل استغلال الموارد باحتكارها دون تشغيلها في الاقتصاد. وأما مجرد التفاوت الكبير في امتلاك الثروات فليس فيه دلالة. فقد يكون دليلا على صحة الاقتصاد وعدالته وتطور نظامه، وقد يكون دليلا على فساده وفشله. وقد كان في الصحابة رضوان الله عليهم تفاوت عظيم في الثراء فمنهم من هو شديد الثراء كعثمان -رضي الله عنه -الذي كان يتصدق بجزء من ماله كقافلة تجارية كاملة وقادر على تجهيز جيشا في عسرة من الزمن بينما كان أهل الصفة -رضي الله عنهم- في حال من الفقر يلتصق بعضهم ببعض لتغطية عوراتهم لا يجدون قطعة من قماش أو جلد يسترونها به. وكان عليه الصلاة والسلام يهب المئة من الأبل والوادي من الغنم لأثرياء القوم وساداتهم دون فقرائهم وضعفائهم. لذا لا يصلح الانجراف وراء العواطف التي تغذيها الغيرة أحيانا والسياسيون أو المصالح أحيانا أخرى عند النظر في التوزيع العادل للثروات، بل يجب النظر إلى الأسباب الاقتصادية والتنظيمية التي أوجدت هذا التفاوت الواسع وما هي نتائجه على المجتمع سلبا أو إيجابا.

التفاوت في الثروات بحيث يمتلك النسبة الأقل من الناس للنسبة الأعظم من الثروات هو أمر جوهري لنمو لاقتصاد صناعي متطور. كما أنه أمر ضروري لرخاء المجتمع كله في ظل نظام ضريبي تصاعدي (أي تزداد الضريبة مع زيادة الثراء). فالأغنياء في المجتمع الصناعي المتطور هم في الواقع مجرد مدير مطور لإنتاجية المجتمع. فالغني يعمل جاهدا لزيادة الإنتاج وتحسينه من أجل زيادة أرباحه، التي سيعيد استثمارها في الإنتاج فيزيد الانتاج ويطوره فيزيد من توظيف الناس وتزداد رفاهية الناس باستطاعة العمل والتعلم والاستهلاك للمنتجات المتكاثرة المتطورة. والأغنياء في هذا المجتمع -إذا كان ديمقراطيا- محدودو التصرف بأموالهم بمحدودية إنسانيتهم الفردية في المأكل والمشرب والمسكن. فهو مهما بذخ في الحاجيات الإنسانية فيظل إنفاقه تافها بالنسبة لممتلكاته ودوره الذي يقوم في به في بناء الاقتصاد. كما أنه قد يكون بذخا استهلاكيا لمنتجات صناعية تشغيلية للاقتصاد، أو بذخا إسرافيا لموارد غير ضرورية للمجتمع. ولكن أغنياء هذا المجتمع لا يستطيعون البذخ الاحتكاري الذي يعطل به الموارد الاقتصادية، كأن يمتلك عشرات المنازل أو المزارع أو الأراضي شاسعة لمجرد التنعم بالملكية دون استغلالها الشخصي - وهو محدود بإنسانيته- أو دون استغلالها الإنتاجي. فالضرائب التصاعدية التي قد تصل إلى 70% على الدخل والممتلكات الزائدة عن الحاجة والمترفة تردعه عن ذلك. والأغنياء في هذه المجتمعات هم غالب مصدر دخل الدولة الذي تنفقه على المجتمع. فالضرائب تصل عليهم إلى 70% (من الفدرالي والولاية والمدينة) فبالإضافة إلى زيادتها مع زيادة الدخل، فهي تزداد كلما زادت استفادته من المجتمع وموارده، كالممثلين والمشاهير وكشركات التنقيب والمعادن والنفط أو من يتحصل على ثروة دون جهد منه كالفائز بالقمار أو ميراث أو العاثر على كنز ونحوه.

واليوم في مثل هذا المجتمع الصناعي الديمقراطي، يزداد الأثرياء ثراء دون بقية أفراد المجتمع. وهذا حتمي أيضا. فالأثرياء -كما أوضحت- محدودو التصرف في أموالهم فهم يستثمرونها في زيادة الإنتاج، بينما لا يجد بقية المجتمع فائضا للاستثمار رغم تضاعف قوتهم الشرائية ثلاثة أضعاف في العقود المنصرمة في غالب الدول المتطورة. وذلك بسبب زيادة مستوى الرفاهية المعيشي الذي أصبحوا يعيشونه وزيادة انفاقهم لامتلاك المنتجات التي لم تكن متوفرة من قبل، والتي ما كان لها أن تتوفر لولا ثروات الأغنياء الإنتاجية.

وأما التفاوت في الثروات في مجتمع اقتصادي ريعي وخاصة الزراعي والرعوي والعقاري فهو توزيع غير عادل لثروات المجتمع. فالاقتصاد الريعي هو الاقتصاد غير القابل للنمو أو غير قابل للتطوير بسبب محدودية إمكانية الاستثمار فيه إلا لمرة واحدة هي الأولى ثم يتوقف عندها. ولذا فإن قابلية الاحتكار في هذه المجتمعات الاقتصادية عالية لاعتمادها الشديد على محدودية الأرض ومواردها، ولذا تكون الإقطاعية هي الصفة الحتمية للنظام الاقتصادي فيها. والإقطاعية مرتبة تلي مرتبة العبودية، ولذا يغلب على هذه المجتمعات الاقتصادية تسلط السياسات الديكتاتورية عليها وينتشر فيها الظلم والفساد.

فأين نقف نحن من بين هذين المجتمعين الاقتصاديين؟ وكيف تعاملت نصوص الشريعة باستنباطاتها الصحيحة مع كلا الواقعين؟ وما هي الشواهد من الواقع المشاهد ومن التاريخ المشهور؟ كل هذا يأتي في مقالات لاحقة إذا سهل الله سبحانه ذلك.

hamzaalsalem@gmail.com
تويتر@hamzaalsalem

المسكوت عنه
التوزيع العادل للثروة
د. حمزة بن محمد السالم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة