Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 09/03/2013 Issue 14772 14772 السبت 27 ربيع الثاني 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

قال بعد أن أطلق العنان لدخان سيجارته وهو يشاهد أحد القنوات الغنائية، لن يصلح حال هذه الأمة إلا بما أصلح به أولها، وأن ابتعاد الناس عن الدين الحنيف وعدم تطبيق الشريعة الإسلامية حرفياً هو سبب مصائبنا الحالية، وأن الناس الطيبين والدعاة والمجاهدين سيعيدون للأمة ما أفسده بغاتها، لأن الشريعة الإسلامية جاءت بجميع الحلول لأزماتنا الحالية، وأن الإسلام هو الحل، وأن تيار التغريب ودعاة القانون والتحديث هدفهم إفساد الأمة وتغريبها. ولم ينه كلامه المتشنج إلا بعد أن أطبقت شفتيه مرة أخرى على سيجارته، ثم أخذ نفساً عميقاً، وبعد أن أطلق دخانها في الهواء مرة أخرى، أكمل حديثه عن مساوئ الديمقراطية، وأنها ستأتي بأعداء الدين إلى كراسي السلطة.

يكاد يختزل هذا المشهد طريقة تفكير البعض في المجتمع، بعد أن قررت منذ زمن بعيد أن تؤجر جزءاً من عقولها إلى خطاب التطرف، وأن ترفع شعارات لم يكن لها في تاريخنا علاقة بالواقع، وأن تستعمل الباقي منه في إشباع رغباتها الحسية، وأن تتصرف في سلوك أبعد ما يكون عن التعليمات الحرفية للمفهوم الديني التقليدي، وهذا لم يأت كخيار، ولكن كتبعات لقرون من التعليم التلقيني الذي يحفر في عقول هؤلاء عبارات وشعارات يرددونها من أجل أن يشعروا بالرضا من السلطة الدينية، وبالسكينة داخل أنفسهم لتبرير من يمارسونه خارج المنهج، ولأن الخيار الثاني في إطلاق ملكة التفكير وإعادة النظر في كثير من المسلمات يدخلهم لدائرة غير محمودة، ويدفعهم لكثير من التساؤلات التي ستؤرق حتماً صفوة سكونهم وطريقة تعاملهم للمتغيرات في الحياة الدنيا، وربما تجعل منهم عرضة للتشكيك في نواياهم وطريقة تفكيرهم.

خطاب الشعارات والعبارات المطلقة مثل الإسلام هو الحل، وأن المجاهدين سيأتون يوماً يحملون راياتهم من أجل إعادة الأمة لمجدها الأول تسيطر على عقول البشر، وتجعل منه إما قنبلة موقوتة أو بوقاً يردد تلك الشعارات كلما زادت سحب الدخان حوله في استراحته الصغيرة، بينما يرفض كل الدعوات التي تطالبه بالتفكير في حقيقة تلك الشعارات، وهل جاء الإسلام في حقيقة الأمر بمختلف الحلول لكل المشكلات، أم أنه منهج رباني لتصحيح العقائد والعبادات، وأتى بمقاصد عظيمة تفتح الأبواب على مصراعيها للتفكير والتطوير، وتحويل الثقافة الشفوية إلى مراجع قانونية ومناهج مدنية لا تحكمها كهنوتية أو مؤسسات دينية، وأن الشيخ المفتي العارف ببواطن الأمور وظواهرها يخالف فطرة الدين الحنيف، لأن لا كهنوت في الدين، وأنه لا يمكن لإنسان أن يملك القدرة أو المعرفة، أو أن يفتي لنا الحلول لأزماتنا الإدارية والاقتصادية والعلمية والسياسية، لأن الناس كما قال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أدرى بشئون دنياهم.

ما يحدث هو إفرازات لمرحلة سادها الخطاب الديني بدرجه غير مسبوقة، وقد وصل الحال إلى أن يطلب المواطن الفتوى في كل شيء، وقد تعرضت كل الأجهزة والأنظمة الجديدة لفتاوى إما تحرمها أو تحذر منها، وقد تم استخدامه سياسياً من أجل إحكام السيطرة، لكن مع مرور الوقت، ودخول المجتمع إلى مراحل مختلفة ظهرت هوة كبيرة بين الخطاب والواقع، وهو ما يفسر ما يحدث من ضوضاء غير مطمئنة، والسبب أن عقل الإنسان في هذه البلاد لا يزال منقاداً لعقل مركزي يحكم العقول، وهو ما يجعل من سيادة هذا الخطاب الفوقي والمتطرف في غاية الخطورة على مستقبل هذه البلاد، وأن الانتقال إلى مراحل أكثر مدنية وشفافية، تحميها قوانين الحقوق والواجبات بغض النظر عن أي اعتبارات مذهبية أو فئوية أصبح مطلباً ملحاً، وأن يتم استبدال الخطاب الفوقي بخطاب واقعي يضع الأمور في نصابها، ويهب العقول حريتها من أجل مستقبل أكثر استقراراً وأقل استبداداً.

بين الكلمات
عقول منقادة للتطرف
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة