Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 11/03/2013 Issue 14774 14774 الأثنين 29 ربيع الثاني 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

ما حدث من ثورات شعبية في بعض دول الربيع العربي، دليل أن التطرف السياسي إذا زاد عن حده يواجهه تطرف شعبي سياسي أكثر قسوة وإرادة، فالسلطات الحاكمة في بعض البلاد العربية كانت تضرب بيد بحديد في وجه من يعترض بكلمة طريقة حكمها القاسية، لكن ذلك لم يولد بعد سنوات من الاستبداد بالأمر إلا الانفجار الذي يكاد يعصف بكل النعم الذي كان تعتقد السلطة الحاكمة أنها ستدوم مادامت قوة السلاح والأمن في قبضتها، لكن ذلك لم يكن صحيحاً، فقد وصل الشعب السوري إلى درجة الغليان بعد عقود من القهر، وعندما قرر الخروج لم ترتعد أطرافه خوفاً، بل واجه الرصاص بصدور عارية، وقرر المضي في طريقه إلى النصر مهما كلف الأمر من دماء وأرواح، وقد عبر عن تلك الإرادة الشاعر العربي أبي القاسم الشابي في قصيدة أصبحت في زمن الربيع العربي على كل لسان.

وقصيدة الشابي تتحدث عن الإرادة، والتي لها تاريخ طويل في فلسفة الحياة عند الشعوب، ولعل الأبرز في هذا الاتجاه كان فيلسوف القوة نيتشه، والذي ربط مفهوم الإرادة مع بعد آخر جديد، هو مفهوم القوة، لكن إرادة القوة لا تكتمل عادة إلا في علاقتها الجدلية بإرادة قوة أخرى مضادة، وبالنسبة لنيتشه لا يمكن أن تمارس القوة فعلياً، إلا على أساس قوة مختلفة مضادة، باعتبار أن مفهوم إرادة القوة، كما استعمله نيتشه يتضمن نقيضه المضاد، بمعنى قوة مهيمنة على قوة أخرى، لكنها خاضعة ومطيعة لحد كبير، لذلك لا يمكن أن تُمارس الإرادة باعتبارها قوة مهيمنة، إلا على أساس قوة أخرى مختلفة ومهيمن عليها.

وما يريد الفيلسوف المثير الجدل أن يصل إليه أن القوة المضادة تخفي بين ضلوعها إرادة ضمنية، هي إرادة العبيد أو الفقراء أو الشعوب في تاريخ الأمم، يعني أن القوة الفعلية للإرادة المضادة هي رهينة بوعي الشعوب المسحوقة، ومرتبطة بسلاح تحريرهم من الطغيان المكبل لقوة إرادتهم من هيمنة قوة الإرادة الحاكمة والمستبدة، وهو الأمر الذي تعيه جيدا هذه الأخيرة، فتجدها تحاول بكل الوسائل أن تكبل أي حراك يخرج بين تلك الشعوب المقهورة بقوة التسلط، فتقوم بالتحكم في التعليم والعلم والقيم الدينية والأخلاقية، باعتبار أن إرادة القوة المكبوتة هي في حقيقة الأمر إرادة للحياة ولابد من تقييدها بالسلاسل، وكما يقول نيتشه لا حياة لمن لا يريد الانفلات من قيود الضعف بالفكر، أو لا إرادة إلا بالخروج والتمرد على قيم الهيمنة والاستعباد.

هذا ما حدث في بعض الدول العربية، والذي لا يخرج كثيراً عن تلك المعادلة، فقد كان المحرك الأول لهذه القوى الكامنة هو الخوف الذي كان يعتري السلطات الحاكمة عندما ترصد حراكا شعبيا على الهامش، والذي يدفعها للخروج عن النص، فتضرب بقوة أكبر بكثير مما كانت تتوقعه القوة الضعيفة المضادة، تماماً مثلما حدث في مدينة حماة وفي كثير من الميادين العربية، وتماما مثلما غصت السجون السياسية في ليبيا وتونس ومصر بالسجناء، وكان توالي مثل تلك الأحداث بمثابة ضربات الصحوة للعقول المستضعفة، وبمثابة إعلان النفير في عقول القوى المهزومة، وعندما قررت أن تتحرك ضد الطغيان حدث ما لم يتوقعه أحد، فخرجت بصدور عارية أمام دبابات السلطة، وانتصرت الثورات الشعبية.

لهذا السبب ولأسباب أخرى، تخسر دائما الدول التي تحكم بقوة الإرادة، وتنتصر في التاريخ الدول التي تحكم من خلال سلطة العدل واستقلال السلطات والحرية، لذلك إذا قررت السلطة.. أيا كانت، أن تحكم من خلال قوة الإرادة، فعليها أن تدرك أنها بفعلها هذا قررت أن تشعل فتيلاً صغيراً في إرادة مضادة في الاتجاه المعاكس، قد يكون خفياً في بداياته، لكنه مع مزيد من التعسف يتحول إلى حريق هائل.

بين الكلمات
الإرادة والإرادة المضادة
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة