Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 17/03/2013 Issue 14780 14780 الأحد 05 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

لم أجد كتابا تطاولته الأيدي في معرض الكتاب مثل كتاب (الوهابية بين الشرك وتصدع القبيلة) للدكتور خالد الدخيل، وكان الإقبال مثيراً، وكنت ممن أحتطب في حبال المهتمين لأنني أسمع من زمن عن هذا الكتاب الذي هو في أصله رسالة علمية ثرية بقراءات تحليلية للنصوص ومعطيات تلك المرحلة.

وأكثر ما أعجبني كقارئ هو القدرة لدى الدكتور خالد على سبر أغوار دهاليز التاريخ بجرأة تحتاجها الدراسات التاريخية لتخرج من عباءة القراءة المعلبة التي يتناقلها الخلف عن السلف.. وربما كانت محاور عنوان الرسالة (الوهابية، الشرك، القبيلة) هي مصدر الإثارة والقلق لحساسيتها فركب صعابها الدكتور خالد حتى استوت الدراسة على سوقها وأورد إبلها على طريقته التي حركت الماء الراكد، وهناك بعض القضايا المختصرة التي لمستها في ثنايا الكتاب:

1- لست بصدد الدفاع عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي أثنى على سلامتها وصفاء عقيدتها علماء عصره والذين من بعدهم، والوهابية هي الوجه الآخر للإسلام النقي من الشوائب، ولم يسمها الشيخ بهذا الاسم ولكن أطلقه الأعداء على منتسبيها نكاية وتشويها، وما كان إلا مصلحاً ولم تكن الدعوة بدعا ولا نهجا جديدا ولا مذهبا خامسا ولا حركة سياسية ولا دينا ولا طائفة، وإنما كانت امتدادا للإسلام ودعاة الإسلام وعلماء الأمة الذين يظهرون على رأس كل مائة سنة يجددون للناس دينهم ويعودون بهم إلى المنبع الصافي بعد أن كثرت فيه الشوائب والنجاسات، والله يكتب القبول والخلود لمن شاء، وإن كانت هناك أخطاء من الأتباع في التطبيق فلا يعني أنها مسؤولة عن تلك الأخطاء لأنها تنطلق في تسامحها وقبول الآخر والرحمة بالناس من منهج النبوة.

2- يركز كثيرا على أن الدولة مؤسسة اجتماعية سياسية كما في ص82، قال: “والدولة هي في أصلها وفصلها مؤسسة اجتماعية سياسية” وص85، قال: “ثم ماذا عن مسلَّمة أن الدولة في جوهرها مؤسسة اجتماعية سياسية؟” وينفي تماما أن تكون الحاجة للإسلام هي سبب نشأة الدولة ويرى أن الدولة لا تكون ذات طابع ديني، ويرى أن نشأتها الدينية تلغي الحاجة الاجتماعية والسياسية فهما عند الباحث نقيضان لا يجتمعان البتة في صورة لا تتفق مع تاريخ المسلمين والدولة الإسلامية على مر عصورها، فرسولنا الكريم حينما بدأ بالدعوة كان من خلالها يبث كل مقومات المجتمع وحاجاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ولذلك ينفي الباحث تفشي الشرك بأنواعه ودرجاته كلها عن نجد، ويبالغ في النقض ويعسف النصوص ويرى أن ذلك مبالغة تنزع الطبيعة السياسية والاجتماعية عن نشأة الدولة السعودية الأولى كما في ص86....

وهذه الرؤية لا يمكن تصورها إلا من خلال التعريف العام للعلمانية بأنها الضرورة الاجتماعية والسياسية لفصل الممارسات الحكومية أو الدستورية أو القضائية عن الدين أو عن المعتقدات الدينية، وتوظيفا لهذه الرؤية يطلق الباحث على الدعوة الوهابية الحركة اعتقادا منه أنها مشروع سياسي على خلاف الحقيقة التي تثبت من خلال النصوص أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان داعية ومصلحا لكثير من المنكرات التي انتشرت في ذلك العصر، وخير ما يؤكد رؤية الباحث قوله: “وإذا كان ما نقله ابن بشر على لسان الشيخ دقيقا فإنه يمثل أحد أقوى المؤشرات على أن دعوة الشيخ لم تكن مجرد دعوة دينية، بل مشروع سياسي يرتكز على أساس ديني...” ولو نظرنا إلى الشرط الثاني الذي تفرد به ابن بشر دون ابن غنام وهو ما يسميه الباحث الضريبة من الأهالي، وقد اتخذ هذا المصطلح غير الشرعي ليؤكد من خلاله المشروع السياسي في حين أن ما يأخذه الإمام محمد بن سعود من أهالي الدرعية كان هو الزكاة بدليل قوله: “إن لي على الدرعية قانونا (ضريبة) آخذه منهم في وقت الثمار”... والحبوب والثمار من الأصناف التي أوجب الله تعالى فيها الزكاة، ولها نصاب معلوم، وتجب عند الحصاد فلماذا يسميها الباحث ضريبة وقال عنها ص53: “فالضريبة التي كان أمراء الحواضر النجدية يفرضونها على الأهالي لا تتفق مع الشريعة ومضمون الحديث الذي دار بين الشيخ والأمير حول هذا الشرط يؤكد ذلك”؟ وقد استنبط أهل العلم من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- “تؤخذ من أغنيائهم” على أن الزكاة تدفع للإمام والذي يوزعها هو ولي الأمر.. ويجوز لصاحب المال توزيع زكاة ماله على مستحقيها لكن إذا ألزم الإمام بدفعها إليه فإنها تدفع إليه. قال الإمام أحمد أعجب إلي أن يدفعها بنفسه وإن دفعها إلى السلطان فجائز لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبعث السعاة لجلب الزكاة ومن امتنع عوقب على ذلك. وأيضاً أبو بكر -رضي الله عنه- كان يأمر بدفعها له، وللإمام أن يبعث السعاة لجلب الزكاة من مختلف الأقطار التابعة له كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل.

3- ليس عيباً أن ينتشر الشرك في جزيرة العرب نتيجة عمليات تجهيل ممنهجة وحرب ضروس من القوى السياسية المحيطة آنذاك والفراغ السياسي فيها، وحينما ينفي المؤلف في ثنايا الكتاب تفشي الشرك والبدع والخرافات في ذلك العصر في نجد فهو يفرغ الدولة السعودية من مضامينها الشرعية، التي ميزتها عن كثير من المشاريع السياسية، وينكر فضلها العظيم على الأمة في تصحيح مسارها وضبط واقعها ضبطاً يتفق مع الإسلام نصاً وروحاً، ونصوص العلماء متوافرة بين الأيدي ممن كانوا شاهدين على تلك الفترة وهم ألصق ببيئتهم من المتأخرين.. وصور ابن غنام الحالة التي وصلت إليها نجد قبل دعوة الشيخ محمد بقولة: “فقد كان في بلدان نجد من ذلك أمر عظيم وهول مقيم، كان الناس يقصدون قبر زيد بن الخطاب في الجبيلة ويدعونه لتفريج الكرب، وكشف النوب، وقضاء الحاجات، وكانوا يزعمون أن في قرية في الدرعية قبور بعض الصحابة فعكفوا على عبادتها وصار أهلها أعظم في صدورهم من الله خوفاً، ورهبة فتقربوا إليهم، وهم يعنون أنهم أسرع إلى تلبية حوائجهم من الله....”. وكانوا يأتون إلى شعيب غبيرا من المنكر ما لا يعهد مثله يزعمون أن فيه قبر ضرار بن الأزور. وفي بلدة (العفرا) ذكر النخل المعروف (بالفحال) يهذب إليه الرجال والنساء ويفعلون عنده المنكرات ما ينكره الدين، فالرجل الفقير يذهب إلى الفحال ليوسع له رزقه، والمريض يذهب إليه ليشفيه من المرض والمرأة التي لم يتقدم لها خاطب تتوسل إليه في خضوع وتقول له: يا فحل الفحول ارزقني زوجا قبل الحول وكان هناك شجر تدعى شجرة الذئب يؤمها النساء اللاتي يرزقن بمواليد ذكور ويعلقن عليها الخرق البالية لعل أولادهن يسلمون من الموت والحسد وكان في الخرج رجل يدعى (تاج) نهج الناس فيه سبيل الطواغيت فانهالت عليه النذر واعتقدوا فيه النفع والضرر وكانوا يذهرون للحج إليه أفواجا وينسجون حوله كثيراً من الأساطير والخرافات...”.

4- الأولى احترام صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعدم سبر أغوار نياتهم وعدم اتهامهم بالصراع من أجل الدنيا وزخرفها وتوظيف كل الصراعات في تلك الفترة من أجل الكرسي والسلطة، قال الباحث ص98: “في التجربة الإسلامية في صدر الإسلام هناك نموذج آخر يكشف كيف أن الطبيعة البشرية مجبولة على التنافس، وأحياناً على الصراع” وساق المؤلف عدداً من النصوص من تسيء لصحابة رسول الله وبخاصة سيدنا عثمان وعلي رضي الله عنهما، وتفسير كل النصوص -التي تحتاج إلى من يثبتها ومن يؤكد صحتها - تفسيراً لا يخلو من مبالغة وإساءة بما لا يليق، قال ص99: “هذه الصورة التي رسمها الطبري عن الطبقة الأولى من الصحابة ومواقفهم من مسألة تولي الحكم ومواقف بعضهم من بعض حيال هذه المسألة الحساسة هي صورة عن مشهد سياسي قبل أي شيء آخر... فهذا علي بن أبي طالب يبدي كل الحرص على أن تكون الخلافة من حظه بعد عمر، وهؤلاء جماعة الشورى تنافسوا حول الحكم وكثر بينهم الكلام في أول اجتماع لهم” وبعد كل ذلك أيها الباحث هل يعقل أن يضع سيدنا عمر بن الخطاب مصلحة الأمة في يد مغامرين متطلعين للسلطة؟

5- الخلط الواضح في تاريخ آباء العرب ويتمثل ذلك بعدم قدرته على التفريق بين عنزة وحنيفة، فهو يحكم على أن عنزة في ص107 هي عنزة بن أسد بن ربيعة وحنيفة هي من بكر بن وائل فهما لا يلتقيان فقال: “لكن قبيلة عنزة احتفظت مع ذلك ببداوتها وعصبيتها حتى أواخر النصف الثاني من القرن العشرين في حين أن قبيلة بني حنيفة غادرت نمط الحياة البدوية تماما”... ثم يذكر انتساب آل سعود من بني حنيفة إلى عنزة وقال: “وبما أن قبيلتي عنزة وبني حنيفة يجتمعان في وائل الذي هو فرع من فروع ربيعة” وهذا تناقض فهما لا يلتقيان على هذا التفسير، وربما خلط الباحث بين رأيين مطروحين عند مؤرخي اليوم: هل عنزة هي عنزة بن أسد بن ربيعة أو عنزة هي بقايا بني وائل؟

والله من وراء القصد..،

abnthani@hotmail.com

الدكتور (خالد الدخيل)... بين الجرأة والقراءة غير المعلبة
د. عبدالله بن ثاني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة