Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 22/03/2013 Issue 14785 14785 الجمعة 10 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

ما ذكرناه سابقاً فهو نبذة ممّا حصل من هواتف الجنّ، حرصاً منهم في الدعوة للإسلام بعدما سمعوا واستجابوا، أمّا ما جاء في السُنة المطهّرة، والقرآن الكريم، فإن الله جلَّ وعلا في صرفهم إلى نبيّه الكريم لأوّل مرة، فجاء الخبر في سورة الأحقاف، لأنّ الرسول الكريم، بعد ما ردّه أهل الطائف، وسلّطوا عليه سفهاءهم،

وأدموا عقبيه الشريفتين نزل على قدميه يمشي إلى مكة، وفي وادي نخلة كبّر يصلّي، في هدأة الليل: “وفيهم قال سبحانه: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ، قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ} الآيات 29-32. وقد توسّع ابن كثير في تفسيره نجتزئ منه: لقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب وما ذاك إلا لأمر.. فضربوا المشارق والمغارب وقالوا انظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السّماء، فانطلقوا يضربون في الأرض يبتغون هذا الذي حال بينهم، فانصرف نفر منهم إلى تهامة، وفيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يصلّي ويتلو القرآن، فلما سمعوه قالوا: هذا والله، هذا والله الذي حال بينكم، فرجعوا إلى قومهم ليخبروهم فقالوا يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به.

وفي رواية نشكو الأمر إلى إبليس، فقال ما هذا إلا من أمر حدث، وكان عددهم تسعة، أحدهم اسمه زوبعة، فتجّمعوا يستمعون القرآن والرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يشعر بهم، فولّوا إلى قومهم منذرين، وفي مجيئهم أول مرة لم يشعر بهم، بل كان شعورهم في المرات التّالية، ويقول ابن مسعود إنّ الشجرة هي آذنت الرسول بهم في المرّة التالية، إذْ كان عبدالله بن مسعود هو الذي يذهب مع رسول الله، وهو يقرأ عليهم القرآن.

وفي رواية لابن مسعود لما سُئِل: هل صحب أحد منكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة الجنّ؟ قال فقدناه ذات ليلة، وخشينا أن يكون اغتيل، فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم، فلما جاء السّحر إذا به يجيء من جهة حِرَاء فذكروا له الحالة التي هم فيها من خوفهم عليه، قال: جاءني الجنّ فأتيتهم فقرأت عليهم، فانطلق وأرانا آثارهم وآثار نيرانهم.

قال الشّعبيّ سألوه الزّاد، فقال: كل عظم ذكر اسم الله عليه، يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا تستنجوا بهما، فإنّها طعام إخوانكم.

وفي رواية أخرى يقول ابن مسعود: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل الهجرة وهو بمكة يقول: “بت اللّيلة أقرأ على الجنّ واقفاً بالحجون”، طريق آخر أنّه معه ليلة الجنّ، وكان يقول لأصحابه: من أحب منكم لقاء الجن فليفعل، فلم يحضر أحد غير عبدالله بن مسعود الذي وصف ما كان في تلك الليلة (تفسير ابن كثير ج4 ص 162- 166، وقد توسع في أخبارهم كما توسع السيوطي في تفسيره أيضاً).

كما أورد المفسرون أخبارهم في تفسير سورة الجن وحدّدوا جهاتهم، فمرة جن نينوى ومرة جن الجزيرة، ومرة جن نصيبين، وذكروا حرصهم على التفقه في العلم والدّين.

أما ابن الجوزي في تفسيره فقال: في سبب صرفهم إلى النبي ثلاثة أقوال: الأول أنهم صرفوا إليه بسبب ما حدث من رجمهم بالشهب، رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس قال: انطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طائفة من أصحابه إلى سوق عكاظ بالطائف، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعوا فقالوا مالكم؟ قالوا حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب، وما ذاك إلاّ من شيء حدث، فاضْرِبُوا مشارق الأرض ومغاربها، فمرّ الذين توجهوا نحو تهامة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن قالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فرجعوا إلى قومهم فقالوا: إنا سمعنا قرآنا عجباً يهدي إلى الرشد (سورة الجن 1-2).

الثاني: أنهم صُرِفوا إليه لينذرهم وأُمِرَ أن يقرأ عليهم القرآن، ولذا قال: “أُمِرْتُ أنْ يُقْرأَ عليهم القرآن”.

الثالث: أن الجن مرّوا وهو يقرأ، فسمعوا القرآن، وذلك بعد ما أيس من المشركين فخرج إلى الطائف ففي بطن نخلة، قرأ على الجنّ القرآن، فقالوا يا رسول زرنا، وقد نهى أمته أن يستنجوا بعظم، أو روث البهائم، لأنهما.. طعام لهم ولأنعامهم.

وقد ذكروا حديثاً متّصلاً سنده لعبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-: فهاجت ريح فارتفع عجاجها من الأرض، وتخلّف الصحابي صفوان بن المعطّل، فإذا هو بحيّة بيضاء مقتولة، فصب عليها من ماء مطهرته، ولفّها في خِرْقة ودفنها، ففي الليل جاءت نسوة وقُلْنَ: أيكم دفن عمرو بن جابر، فقالوا: لا نعرف عمرو بن جابر فقال صفوان: أبصرت جاناً أبيض، فلففته بخرقة ودفنته، قُلْنَ ذاك والله عمرو بن جابر بقيّة من استمع إلى رسول الله قراءة القرآن من الجنّ.

الْتَقَى زحفان من الجنّ: زحف من المسلمين وزحف من الكفّار، كلّهم من الجنّ فاستشهد رحمه الله. قال صفوان: فلما انقشع الغبار، رأيت حيّات كثيرة مقتولة وفي واحدة منها رائحة المسك، وهذا يدل على أن المسلمين منهم يقاتلون الكفار منهم.

وجاء تفسير ابن كثير على أول سورة الجن يقول الله تعالى: آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم أنْ يخبر قومه أن الجنّ استمعوا القرآن، فآمنوا به وصدّقوه، وانقادوا له، فقال تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} (الجن 1-2)، أي السداد والنجاح. {فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} وهذا المقام شبيه بقوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} الأحقاف29.

ثم قال على قوله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً} (الجن 11). أي طرائق متعددة مختلفة، وآراء متفرقة.

قال ابن عباس ومجاهد: “كنّا طرائق قدداً” أي منّا المؤمن ومنا الكافر، وأورد عن أحمد بن سليمان النجاّد في آماليه بالسّند إلى الأعمش يقول: تروّح إلينا جنّي فقلت له: ما أحبّ الطّعام إليكم؟ قال الأرز. قال: فأتيناهم به، فجعلت أرى اللّقم ولا أرىَ أحداً وهي ترفع، فقلت فيكم من هذه الأهواء التي فينا؟ قال: نعم فقلت فما الرافضة فيكم قال شرّنا، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أمر بالتّسمية في كل أمر، وجاء غلام للطعام وأخذ لقمة ليرفعها لفمه فأمسكها، وقال سمّ الله وكلْ بيمينك وجاء في الحديث أنّ الإنسان إذا دخل منزله، قال له: العفريت (أدركتم المبيت، وإذا لم يسمّ بالله قال: أدركتم المبيت والعشاء) متّفق عليه. وأورد عن الدّمشقي أنّه سمع بعض الجنّ وهو في منزل بالليل ينشد:

قلوب براها الحبّ حتى تعلّقتْ

مذاهبها في كل غَرْبٍ وشارِقِ

تهيم بحبّ الله والله ربّها

معلّقة بالله دون الخلائق

(تفسير القرآن الكريم ص 268)

وهم عالم مثل عالمنا، فيهم البَرّ والفاجر، ولا يردّ ضرر الفسقة منهم إلا ذكر الله على الأنفس وعلى الأطفال واسم الله في كلّ حال.

وجاء عند السيوطي في تفسيره رواية عن سهل بن عبدالله قال: كنتُ في ناحية عَاٍد إذْ رأيْتُ مدينةً من حجر منقورة في وسطها قصر تأوي إليه الجنَّ، فدخلت فإذا شيخ كبير يصلي نحو الكعبة، وعليه جبّة صوف، فيها طراوة فلم أعجب من عِظم خلقته، كعجبي من طراوة الجبّة، فسلّمْتُ عليه فردّ علي السّلام، وقال يا سهل إنّ الأبدان لا تُخْلِقْ الثياب وإنّما يُخلِقُها روائح الذنوب، ومطاعم السّحْتْ، وإنّ هذه الجبّة علي منذ 600 ستّمائة سنة لقيت فيها عيسى ومحمداً عليهما السلام، فآمْنتُ بهما، وقلت له: من أنت؟ قال من الذين قال فيهم: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} السورة بكاملها. (سورة الجن).

وجاء في تفسير ابن كثير: أن عبدالعزيز بن عمر قال: أما الجن الذين أتوا رسول الله بنخلة فجن نينوى، وأما الذين لقوه بمكة فجن نصيبين وجن حرّان، وأنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جعل سبعة من جنّ نصيبين رسلاً إلى قومهم (تفسير ابن كثير مطابع الحلبي ص4: 167).

فدل هذا أنّ وافدهم، جاء أكثر من مرة، للرسول الكريم، بعدما سمعوا القرآن منه ليتعلموا أمور دينهم.

وفي مكة المكرمة مسجد قرب الحجون ومقبرة المعلات، موقع أصبح مسجداً باسم مسجد الجن، على اعتبار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأتيهم في الليل وَيْتلُو عليهم ويعلّمهم أمور دينهم، لأنّه مرسل للجن والإنس، وفي هذا توطين للرسول بعدما كُذّبَ.

وكان عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-، يأتي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيجعله في ناحية من المكان ويحذره من عدم تجاوزه، فكان يسمع نقاشهم وتعليمهم وأسئلتهم، وجاء في تاريخ الزبير بن بكار أن الكعبة لم يعرف خلوها من الطائفين لا ليلاً ولا نهاراً إلا مرتين: الأولى في فتنة الخوارج في القرن الثالث حوالي عام 225 عندما منعوا الحج ورموا الجن في ساحات الحرم وفي بئر زمزم، وأخذوا الحجر الأسود، ووضعوه في كعبتهم، وبقي عندهم قرابة 23 سنة حتى أعيد لمكة.. أما الحالة الثانية ففي عهد عبدالله بن الزبير، وحصار مكة على يد الحجاج بن يوسف.

وروى المؤرخون في هذه الفترة أنه كان يطوف سحلي من السحالي فإذا انتهوا من الطواف خرج ومعه بعض السحالي جهة أسفل مكة، وتعرض بعض السفهاء فقتلوا هذا السحلى فثارت غبرة وكأنها أعلنت الحرب التي قتل فيها مجموعة من الناس، وتفتّتَتْ حيلة رجل، ودعا الشباب والرّجال بِقَتْل ما وجدوا في شعاب مكة من هذه الزّواحف، وبعد أيام سَمِعَ الناس كما قال الأزرقيّ في تاريخه منادياً يهتف من جبل أبي قبيس يطلب الكفّ عن القتل وإعلان الهدنة.

واللواء محمود شيت خطاب كتب لأنه عراقي في صحيفة التربية الإسلامية التي تصدر في بغداد، أن بيتاً في الموصل للبيع كل من دخله هرب منه، فقرر صاحبه بيعه بأبخس الأثمان، فقال -رحمه الله- إن شيخاً قرر شراءه وبعد ما دخله ليسكنه، وجد ديكاً أسود يرهبه بتصرفات غريبة وأصوات مزعجة فجلس في مكان قريب منه وقرأ آية الكرسي ثلاث مرات، وفي الثالثة عندما وصل الشيخ إلى قوله تعالى: (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ )، اضطرب الديك وهو يقل بل يؤده بل يعوده والشيخ يكررها حتى سقط الديك ميتاً لأنه من عفاريت الجن الذي كان ساكناً هذا البيت، وبعد ذلك لم يحدث شيء، نسأل الله أن يعيننا على أنفسنا بالذكر والأوراد للحماية من مردتهم، أما المسلمون منهم فلا يؤذون أحداً.

mshuwaier@hotmail.com

الجنّ يدعون للإسلام 2-2
د.محمد بن سعد الشويعر

د.محمد  بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة