Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 25/03/2013 Issue 14788 14788 الأثنين 13 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

اشتهرت بعض الحركات الإنسانية في التاريخ بظهورها كعقيدة للمظلومين، رأسها مقاومة الظالم، بعد أن فرضت الأحداث عليها أن تقاوم من أجل حريتها، وقد دأب مفكروها عبر التاريخ على الحفر في عقول أبنائها كيف ينتصرون يوماً ضد الظالم، لكن تبين لي من خلال خبرتي القصيرة في الحياة أن ذلك ليس بالضرورة حفراً حقيقياً، ولكنها مواقف تتلاعب بها الأهواء حسب المصالح، وأعترف أنني تفاءلت كثيراً عندما وصل الرئيس الأمريكي ذو الأصول الأفريقية إلى منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن بعد مرور فترته الرئاسية الأولى، ودخوله الثانية ظهر لي أن الرئيس أوباما ربما رجل من أحفاد الذاكرة السوداء للولايات المتحدة الأمريكية، ولكنه أثبت أنه يتمتع بذهنية بيضاء خالية من السواد، فالوعود التي قطعها لإسرائيل في زيارته الأخيرة ليس لها علاقة بتاريخ أجداده، بل كانت متوافقة بشكل حرفي مع الوعد التوراتي الذي وهب أرض فلسطين لليهود، ثم أعطاهم حق الإبادة والتهجير للعرب كأمة من الأغيار تماما مثلما حمل الإنسان الأبيض الأجداد ضد إرادتهم على ظهور البواخر مكبلين بالسلاسل إلى الأرض الموعودة.

ثبت لي بلا مواربة أن ما تعرض له الأفارقة الأمريكان من ظلم وطغيان تحت سلطة الإنسان الأبيض تعرض للإبادة كشرط لوصول الرئيس الأسود للبيت الأبيض، وأن سيادة الرئيس، وإن بدى من أول وهلة كرجل من تلك الذاكرة، إلا أن الأيام أثبتت أنه قديس من الكنيسة الأنجليكانية البيضاء، وأن مالكوم أكس الزعيم الأمريكي لم يعد له مكان في مخيلته البيضاء، وربما تم تصنيفه في ذاكرته الجديده إرهابياً وداعية للعنف ضد الإنسان الأبيض المتحضر، وأن مارتن لوثر كينج لم يعد أيضاً في أي حال من الأحوال رمزاً للمقاومة ضد الفكر المسيحي الأبيض الذي مارسه الأباء المؤسسون في الولايات المتحده ضد أجداده، ولكن عقلاً ومدبراً للإرهاب الأفريقي ضد الحضاره الغربية، أكاد أجزم أيضاً أنه لم يعد يستمع للمغني الجمايكي الشهير بوب مارلي، وأن أغانيه ضد الظلم الأبيض لجنود البافالو لم تعد من أغانيه المفضلة، وأن أغنيته للوقوف ومقاومة الظلم أصبحت شعاراً إجرامياً ضد القانون الدولي.

كذلك أثبت لي آخرون أن فكر مقاومة الظلم ليس إلا شعاراً لحظياً تفرضه الأحداث والمصالح، وأن المظلوم قد يصبح ظالماً في زمن آخر، فقد كان اليهود ضحية للنازية وقد عانوا الأمرين بسبب العنصرية وسحق حقوقهم الإنسانية في ألمانيا هتلر، وقد أسسوا بعد تلك الأحداث عقيدة جديدة عمادها الإيمان بحرق النازيين لليهود في الأفران، ومن ينكرها يصبح معرضاً للمطاردة والعقاب، لكنهم بعدما حقق لهم الإنجليز الوعد التوراتي في فلسطين، نسوا عقيدة الظلم، وصاروا يؤدون نفس الدور النازي ضد العرب، وقد حذرهم المفكر والعالم اليهودي الشهير أينشتين في رسالة شهيرة لوايزمان، بأن لا ينجروا خلف الوعود الإنجليزية، إن فعلوا سيلاقون يوماً ما نفس مصيرهم السابق، ومن يعلم فقد يلقون مصيراً مشابهاً في مستقبل الأيام .

في العقدين الآخرين حاول حسن نصر الله أن يبني تاريخاً جديدا للشيعة في مقاومة الظلم، و الجدير بالذكر أن العقيدة الشيعية تقوم على ردع الظلم والإنتقام من الظالم، وذلك انتصاراً لمقتل الحسين بن علي في كربلاء من قبل الأمويين، وقد بنى حسن نصر الله له مجداً في تحريره للأرض في جنوب لبنان، وفي مقاومة المحتل الإسرائيلي، لكنه سقط في فخ الإنقلاب اللحظي، عندما تحول من نصير للمظلوم إلى مؤيد للظالم الدمشقي الجديد على الساحة السورية، حين شارك النظام السوري في حربه ضد ثورة الشعب السوري، وكأن عقيدة مقاومة الظلم لم تكن إلا خيار زمني مؤقت، ولم تكن على الإطلاق فرض أبدي تحكمه الأخلاق والمبادئ، فكان التناقض أكبر، وكانت النتيجة ذاكرة جديدة، وتكوين عقيدة جيدة قوامها الضرب بقوة في كل من يهدد مصالح الحزب، وإن كان العدو ضحية عانت الأمرين من حكم الاستبداد.

بين الكلمات
في عقائد المظلومين
عبدالعزيز السماري

عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة