Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 28/03/2013 Issue 14791 14791 الخميس 16 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

كثير مِن شعر الدكتور غازي لم يَتَعمّْده كيفما اتفق؛ لِيُصْدِرَ أكثرَ من ديوان؛ وإنما الغضَب أو الطرب يُفَجِّران موهبته، فلا يستطيع حَبْس أنفاسه.. واستثنيتُ (الثوريَّ )؛ لأن مِن معانيها الثائرَ على مجتمعه ودولته، الكارهَ هُوِيَّة أُمَّته المغلوبة.. وما كان غازي كذلك؛

فولاؤه لدولته وأمته هو في نفسه احترام الولد لأبيه، وبرُّه بوالدته، وحبه وشغفه على ولده معاً، وشُكْرٌ لمربِّيه.. وهذه المعاني الكريمة عصرت وجدانه بقسوة، ولم تلن تلك القسوة لصراحته ووعيه بهموم أمته معاً؛ فإن كان لا بدَّ من التعبير بكلمة ( شاعر ثوري ) فهو ثائر لأمته لا عليها، وهو صاحب علم وفكر ووعي تاريخي، وليس هو صاحب سيف؛ فهو ثائر لأمته ودولته بهمومها وألمها وطموحها وغضبها.. تذكرتُ هذه المعاني وأنا أتصفح همزيَّته الموجزة لفظاً المليئة عِبرةً عندما حَرَّكت أشجانَه بُنَيَّةٌ فلسطينية عمرها ثمانية عشر عاماً اسمها (آيات الأخرس)، وهي مِن مُـخَيَّمِ اللاجئين الفلسطينيين المعروف بمخيَّم الدهيشة قُرب بيت لحم، فقد نفَّذت عملية انتحارية في أحد أسواق القدس الغربية.. وقبل أن أَمُرَّ على الجوانب المضيئة، فلا يفوتني ابتداءً استدراكُ أشياء اندمجتْ على الرغم منه في وَهَج حماسه؛ فمن ذلك تمجيد العمليات الانتحارية بإطلاق؛ وإنما هي استثناء عندما يكون للجهاد راية ودولة وحاكم مُطاع؛ فلا على المسلم إذا التحم الصف أن يبيع نفسه لربه بأي وسيلة ينال بها من العدوِّ فوق ما يتمنَّى، وليس هذا من الإلقاء بالأيدي إلى التهلكة الذي حَرَّمه الله؛ فما أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصحابي الجليل الذي لفظ بقية التمرة ورمى بنفسه في صفوف العدو وهو موقنٌ بالشهادة؛ وإنما أراد أن ينال من العدو إثخاناً كثيراً قبل أن يستشهد؛ ولهذا كان الفِرارُ من الزَّحف من الكبائر السبع، كما كان الزحف موسماً لقبول الدعاء.. وبيَّن أحبار الأمة من الصحابة رضوان الله عليهم أن (التَّهْلُكَةَ) المنهيَّ عنها إنما هي القعودُ عن الحرب، وتَرْكُ الإنفاق في سبيل الله.. وأما الانتحار من غير راية ولا جماعة ولا قوة مهما كان أثره فهو ذهاب ريح الأمة؛ لأن العدوَّ بِقُوَّته وبالدعم العالمي سيكيل الصاع ألف صاع، والمعادلة بين القُدرات الواقعية حصيلة شرعية علمية فكرية؛ فلا يكون الانتحار إلا تأليباً على الأمة من جهة، وهو في حَقِّ المنتحر بَرَمٌ بالحياة، ومعاندة للقدر الكوني؛ فيوصف بعناد طفل.. وقد استباح بعض المنتسبين إلى الجهاد الإسلامي الانتحارَ؛ فدمروا منشآت أمتهم، واستباحوا دماءهم، وخفروا عهد الله وميثاقه تجاه المستأْمَن، وبقي العدو في عافية من بلائهم، وتقاضى منهم عدوهم الكيل أضعافاً مضاعفة بلا انتحار، بل ربما تقاضى بطائرة بلا طيار؛ أو جل الواجهة عملاء من أبناء جلدتنا.. وهكذا الحكم بالشهادة من حق الله لا من حقنا، وهي لا تكون إلا باسم الجهاد في سبيل الله لا باسم وطنية مُجَرَّدَة، ولا باسم أيديولجية مزروعة.. والعظمة في قصيدة غازي الموجزة أنه أخذ أضداد المعاني ليوقظ في أمته وحدة الكلمة سياسةً ومواجهةً، وليحرِّك روح الفداء بالجهاد حتى يتحقق مثلُ قوله:

مُتُّم كي تعزَّ كلْمة ربي

في ربوع أعزها الإسراءُ

ولن نجد هذه العزَّ في طنينِ بهائيٍّ أو ماركسي أو مِلِّي يعضُّ علينا الأنامل غيظاً، ولا من قومي بغير الشرط الإسلامي.. وفي مجال الخطاب الأدبي ماذا أفدنا من أمثال جورج حبش وسميح القاسم ومحمود درويش؟!.. نعم استفدنا هذه الآية العظمى في قصيدة (سجل أنا عربي).. إلخ آخر معانيها التي تهزأُ بنا.. ومن استعمال الأضداد وتوظيفها قوله :

انتحرتم؟!.. نحن الذين انتحرنا

بحياة أمواتها أحياءُ

وصدق الدكتور فالعربي في جاهليته وهو مُتَلَفِّع بشملته يأكل الجراد والبَرْوَق والضب الهلامي أمنع في أرضه من هذا القطيع الذي أدركه قبل الحريق العربي الوَهَنُ (وهو حُبُّ الدنيا، وكراهية الموت)، ولا حياة لمن تنادي بعد التعدُّديات المُسْتَحْيات تاريخياً والمزروعة حديثاً.. وإن في مثل ليبيا ومصر لعبرة؛ إذن لا حياة لمن تنادي؛ فكانت حياةً لا قيمةَ لها في أداء الواجب.. وأمَّا رِثاؤنا أيام الوهن فربما رثانا خُلفاءُ شارون من أمثال نتنياهو، فقال: (كانت هذه البقعة يوماً ما لأبناء عمنا العرب من بني سام.. وارحمتاه لقد قسونا على غزلان الصحراء؛ فسامح شعبك المختار يارب!).

واستمرَّ الدكتور غازي في توظيف الأضداد توظيفاً مُوَفَّقاً خلال سبعة أبيات آخرها قوله:

أيها القوم نحن متنا ولكن

أَنَفِتْ أن تضمنا الغبراءُ

قال أبو عبدالرحمن: أغلب الذين ماتوا موتاً حقيقياً كانوا ضحايا مظلومين، والله حرَّم الظلم على نفسه، وجعله على عِباده مُحَرَّماً، ولكن ليس كل ضحية مظلوم يكون شهيداً حتى تكون دعايته لدين ربه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أراد قومُه أن يتوجوه ملكاً، ورأى ما هو بلغة العصر فساداً اجتماعياً واقتصادياً وشتاتاً عربياً؛ فما قبل غير اتباع الإسلام، وبه تذهب تلك الأعباء، وهجر بلده وهي أحبُّ البقاع إليه، وانتقل مع مَن خفَّ من أبناء عمه الأدنين من المهاجرين رضي الله عنهم، آوياً إلى أبناء عمه الأنصار القحطانيين رضي الله عنهم،، وقد خاطب ربنا الفريقين بقوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (سورة الحج 78)، وكانت يهود بدسائسها تشيع بينهم أنهم عِرقٌ آخر بأكذوبة (يقطين) التي تبناها كَذَبَةُ النَّسَّابين.. وبعد الفتح الأكبر عاد عليه الصلاة والسلام من بلده مكة المكرمة إلى المدينة المنورة التي انطلق منها الجهاد.. والذين ماتوا اعتباراً فلم تقبلهم الغبراء هم مالئو البِقاع ومُغْلو الأسعار.. ولكن الدكتور لم يُسْلِمْنا إلى اليأس، فلامَس الجرح من جهتين: أولاهما: ذُحُول وتحالف ذوي العباءات السوداء الذين التحموا في أكبر حلف صهيوني.. وظنَّ هذا الهمَّ من (آيات) اسم الفتاة واسم العباءات السود، وذكر فاطمة الزهراء رضي الله عنها؛ لأنها تمقت (آيات العباءات).. قال:

قل (لآيات): يا عروس العوالي

كل حُسنٍ لمقلتيك الفداءُ

حين يُخصى الفحول..صفوة قومي

تتصدَّى للمجرم الحسناءُ

تلثم الموت وهي تضحك بشراً

ومن الموت يهرب الزعماءُ

فتحت بابها الجنان.. وحيَّت

وتلقَّـتك فاطمُ الزَّهراءُ

وأكثر من أَنِفتْ منهم الغبراء حركيون ضرُّوا ولم ينفعوا؛ لأنهم يتنفسون من آباط ذوي العباءات السوداء.

وثانيهما: التبشير بالجهاد، أنه حاصل لا محالة:

حين يدعو الجهاد لا استفتاء

الفتاوى يوم الجهاد الدماءُ

قال أبو عبدالرحمن: ليست هذه أمنية حالم، بل هي بوارق ذات إشعاع وسُحُبٍ داجِنة، وآية ذلك أن سوريا وحدها - على ضعف مواردها، وتقليم شعبها أكثر من نصف قرن - صامدة لأقوى تحالف عالمي، وهي وحيدة في الميدان، ولا خيار لها إلا الشهادة أو النصر، وملحمتهم معجزة كبرى وإن طال الأمد.. والخيِّرون من الشعوب والقادة علموا حَقَّ العلم عدوهم من صديقهم، وعلموا العدوَّ المُباطِن، والحركيَّ الذي لا يسير على هدى؛ فمن جهة القادة، فقد دخلوا في أعنف معركة سياسية بالحوار السلمي والمنطق العاقل لرفع الإكراه العالمي عن عباد الله، والتحذير من تخصيص أمة الإسلام بالظلم وهم رابضون في أفيائها يستعمرون إستراتيجياتها، وينعمون بمواردها التي هي قوام حضارتهم، ويستردُّون قيمتها بغبن فاحش أضعافاً مضاعفة بتسويقهم صادراتهم بما لا يبعد عن الجبرية والإكراه، ويشترون ذِمَم من أنفت منهم الغبراء، ويُدَلِّلون كلَّ عدوٍّ مُباطِن، وكلَّ عميل مأجور.. وهؤلاء القادة الأخيار على وعيٍ بما يُدْلُون به من حوار ونصح وتحذير؛ فإذا تمادى الظلم، وظلَّ لسياسة

القوم أدبيات مخادِعة، وممارسات مجرمة لا يقرها دين أهل الكتاب الأكثرين على ما فيه من دَخل: فإن التجمُّع الجهادي (في كل بقعة من بلاد العرب والمسلمين، وعلى كل منفذ، وحول كل مورد للأغيار) سيكون حتمية تلقائية لا خيار فيها؛ لأن الحياة والموت متساويان، بل الاستشهاد في سبيل الله هو الخيار الأول؛ وحينئذ يلتحمون بعدوهم الذي يكره الموت، فلا يصهرهم غُبار ذرِّي، ولا طائرة بلا طَيَّار.. وليس على الله بعزيز أن يجعل ثِقَل القارتين الآسيوية والأفريقية النموذج الأكبر لهذه العظمة في القطر العربي السوري.. ومن جهة الشعوب فقد بدأ تلاحم الوعيِ بين الجماعات، وهو وعيٌ بجمعِ الكلمة أوَّلاً، والاتحاد على عبودية لله تمنع التفرق.. وهو وعي بأعباء الأمة منذ عهد السلطان عبدالحميد، وما أُريق فيها من دماء بين الأمة نفسها، ولو توحَّدت الدماء المُراقة في صَدِّ ظلم العدو لما وصلوا إلى هذا الذل الذي يعيشونه.. وهو وعي بالأيديولوجيات الماكرة التي مزَّقت الأمة عن أدنى وِحْدة ولو كانت هشَّة، ووعي بالأعمال الطفولية لدى الحركيين والانتحاريين.. ووسائل المعلومات الحديثة أزالت الغُبار عن كل الوقائع؛ فَعُرِفتْ مصادرُ كل انتماء.. وأرجح الظن أن هذا الحريق العربي الذي أُرغمتْ عليه أمتنا، ولم يَتَّحدْ منفِّذو وِصايته على دعوة العبودية لله : سيكون هو الفأل الذي ينطلق منه الجهاد المقدس؛ لأنه أعاد للمسلم رجولته، وتحمُّلَه الفداء وشظف العيش، وثقته بربِّ رحيم بالمؤمنين شديد البأس على الظالمين إذا بدأ عباده الموحدون المسيرة؛ لأنه وعدهم بتتميمها.

قال أبو عبدالرحمن: إن أردتم الشعر الثوريَّ حقيقةً الذي يسْتجيش غضبَ الأمَّة بسبب غياب مفاخرِها فستجدونه عند شاعر ( بطاقة هُوِيَّة ).. قال:

(سجل!.

أنا عربي.

أنا اسمٌ بلا لَقَبِ.

صَبُورٌ في بلادٍ كُلِّ ما فيها.

يعيش بفَوْرةِ الغضبِ.

جُذوري..

قبل ميلاد الزمان رستْ.

وقبل تَفتُّح الحقبِ.

وقبل السرو والزيتونْ.

.. وقبل ترعرع العُشبِ.

أبي.. من أُسرة المِحراث.

لا من سادةٍ نُجُبِ.

وجدي.. كان فلاحاً.

بلا حسبٍ.. ولا نسبِ!.

يُعَلمني شموخ الشمس قبل قراءة الكُتبِ.

وبيتي كوخ ناطورٍ.

من الأعواد والقصبِ.

فهل تُرضيك منزلتي ؟.

أنا اسمٌ بلا لقبِ!.

سَجل.

أنا عربي.

سلبتَ كروم أجدادي.

وأرضاً كُنت أفلحها.

أنا وجميعُ أولادي.

ولم تترك لنا.. ولكل أحفادي.

سوى هذي الصخور..

فهل ستأخذُها.

حُكومتكم.. كما قيلا ؟!.

إذن!.

سَجل... برأس الصفحة الأولى.

أنا لا أكره الناسَ.

ولا أسطو على أحد.

ولكني.. إذا ما جُعتُ.

آكلُ لحم مُغتصبي.

حذارِ.. حذارِ.. من جوعي.

ومن غضبي!!).

قال أبو عبدالرحمن: أجل هذا هو الغضب القاهر، والفخر الغامر؛ فنحن فوق المستحيل وُجِدْنا قبل الزمان والحِقَب، ولا قبل فوق الزمان إلا وجود ربنا بلا بداية جل جلاله؛ فلا مُحْصيَ للزمان غيره!!.. ونحن بلا تاريخ، و لسنا من سادة نجب، بل نحن أسماء بلا لقب!!.. وتاريخنا الصامِت يُعَلِّمنا (شموخ الشمس)، ونحن في كوخ ناطور؟!.. ونحن لا نغضب حتى نجوع فنأكل لحم المغتصب؛ فإن شبعنا فَلْيَهْنأْ المغتصب بما ملكت يداه!!.. ومات درويش وشارون، ثم نتنياهو ومَن بعدهما يقولون: (أرضكم وكرومكم أخذتها حكومتنا، ولا تزال لحومُنا في نموٍّ وعافية، ولم نُبقِ لحفدتكم شيئاً.. ونشكر لدرويش أنه لا يكره الناس.. كل الناس!!.. ولكي لا تجوع حَفدتك فيغضبوا، ثم يَعُضُّونا: فليذهبوا إلى إخوانهم في (شيكاغو)؛ فإنهم سيفرحون بهم، وسيجدون عندهم عَلَفاً طيِّباً يشبعهم من الحبوب الداجنة الصمَّاء)، والله غالب على أمر عباده، وهو المستعان، وإلى لقاء عاجل إن شاء الله.

- عفا الله عنه -

القصيبي ليس ثَوْرِيّْاً، ولكنه مَحْمُومٌ بهمومِ أُمَّتِه
أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري

أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة