Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 29/03/2013 Issue 14792 14792 الجمعة 17 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

أفاق اسلامية

المراقبة والعلم
د. عبدالله بن عبدالرحمن الشثري

رجوع

د. عبدالله بن عبدالرحمن الشثري

المراقبة هي ملاحظة الإنسان نفسه في أعمالها وأقوالها وتحركاتها وخطراتها؛ ليقيمها على الصراط السوي، وعِلْم العبد بقرب ربه منه، قال جل ذكره: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}، وهذا يستوجب على العبد دوام ذكر عِلم الله به واطلاعه على أعماله الظاهرة والباطنة، وهو القائل جل ذكره {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}، {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}، {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}.

وخُلق المراقبة والعلم صفة تنبع من أعماق القلب، وتنبثق من طوايا النفس، وترتبط بالباطن أكثر مما ترتبط بالظاهر، فهي قائمة على الشعور الحي بجلال الله وعظمته وتعظيمه وقوته وسلطانه، وهذا المعنى مستفاد من تفسير النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعنى الإحسان، حيث قال: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» أخرجه مسلم (8) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1-126): «يشير إلى أن العبد يعبد الله على هذه الصفة، وهي استحضار قربه, وأنه بين يديه كأنه يراه، وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم». ومما يقوي جانب المراقبة والعلم في قلب العبد ويثبتهما استحضار معاني أسماء الله الحسنى وصفاته العلا، ومنها اسم (الرقيب، الحفيظ، العليم، السميع، البصير)، وأن يطيل الإنسان التفكر فيها والتدبر لها، والتأثر بها، فمن عقل معاني أسماء الله وصفاته وتعبد ربه بها أثمرت في قلبه صفة المراقبة.

والمراقبة أعظم واعظ يعظ الإنسان، وقد ضرب العلماء لهذا الواعظ الأكبر والزاجر الأعظم أمثلة أكتفي بواحدٍ منها: لو علم أهل بلد أن أمير البلد يصبح عالماً بكل ما فعلوه بالليل لباتوا خائفين، وتركوا جميع المناكر خوفاً منه!! ولا شك - ولله المثل الأعلى - أن الله - جل وعلا - أعظم اطلاعاً وأوسع علماً من ذلك الأمير، ولا شك أنه أعظم نكالاً وأشد بطشاً وأفظع عذاباً، وحِماه في أرضه محارمه. ذكر ذلك الشنقيطي في رسالة الإسلام دين كامل (ص:8).

فالعلم والمراقبة تعنيان الإقبال على الله وتعظيمه، وامتلاء القلب بهذا التعظيم حتى لا يلتفت إلى سواه، ومراقبة العبد في الطاعة أن يكون مخلصاً لله فيها، ومراقبة العبد في المعصية بالتوبة منها والندم على فعلها والإقلاع عنها، ومراقبة العبد في عمله أن يتقنه ويصلحه ويحفظه، ولا يغش في تعامله، ولا يخون فيه، ومراقبة الجوارح حفظها وسلامتها من اقتراف الذنب.

فما أشد حاجة الناس إلى هذه الفضيلة؛ لأن انعدامها يجعل الإنسان شبيهاً بالحيوان، يأكل ليتمتع، ويجمع لينتفع، ويسطو على حقوق غيره، وينتهك حقوق الآخرين، ويسيء استخدام ما في يده من مال أو أمانة أو حق، وبذلك تفشو الرذائل، ويقع الظلم، وتحل البغضاء والكراهية بين الناس.

فمن حقق هذا الأصل العظيم في نفسه حصل على السعادة وانشراح الصدر وقرة العين، وأصبح حافظاً لنفسه من كل المعاصي، أميناً على الأسرار والأموال التي بين يديه، وأصبح يؤدي عمله على خير ما يكون الأداء؛ لأنه لا يرائي في عمله كبيراً أو رئيساً، بل يراقب ربه، ويتذكر أن الله مطلع على عمله. والله ولي التوفيق.

- وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة