Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 30/03/2013 Issue 14793 14793 السبت 18 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

وجهات نظر

فلسفة السياسة
خميس رضا المحمدي

رجوع

حين تقرأ في علم الفلسفة اليونانية القديم تجد أن لديهم نظريات لا يزال الغرب يعمل بها حتى اليوم, وقد نجح الكثير من تلك النظريات حتى في مجال العلم التجريبي, فالنظرية الذرية التي لديمقريطس (470ق.م) استفاد منها فرنسيس في وضع القواعد المنطقية والتي أثرت العلم التجريبي في مجال ضخ الغاز.

لذلك كسب هؤلاء الفلاسفة ثقة شعوب الغرب واستخدمت نظرياتهم ليس في مجال العلم التجريبي فقط بل حتى في مجال علوم الاجتماع والسياسة, وحين تستقرئ الأحداث تدرك إلى أي بعد استخدمت هذه النظريات من قبل قادتهم وصناع القرار فيهم.

ومن النظريات الفلسفية القديمة نظرية الصراع لهرقليطس، ونظريات الفوضى الخلاقة وغيرها, ولعل ما يحدث في الشرق الأوسط الآن من صراع وفوضى هو لا شك أولاً بقدر الله، ولعل لاستخدام الغرب لتلك النظريات دور فيه بعد أن فشلت فكرة الصراع المباشر والمواجهة مع الشعوب العربية خصوصا والإسلامية عموما, فحين تريد إسقاط نظام الحكم في دولة أو أحكام السيطرة عليها أو بمعنى آخر إضعاف قوتها فلا داعي لاستنفار الجيش والظهور في الصورة والتعرض لعداوة الشعوب بل على العكس من ذلك تماما وبإمكانك أن تكسب ودهم وتظهر لهم بصورة الناصح الأمين لتزعزع أمنهم من الداخل من خلال دعم كل صاحب فكرة معارضة أيا كان نوعها.

ثم تستمر الإثارة والحشود حتى يهيج الشعب على الحاكم لإسقاطه ومن ثم اختيار حاكم جديد وحتما سيكون أضعف من سابقه لكونه لم يسيطر بعد ثم تثار بعض القضايا ضده ليتكرر السيناريو كل مرة وهكذا تتحقق النظرية بتحقيق الصراع وإشاعة الفوضى الخلاقة, وبذلك تفنى الشعوب تحت الصراعات المتتالية وتضعف قوتها حتى تصبح عاجزة عن حماية نفسها ومنهمكة في البحث عن فتاة الخبز.ولعل ما يحدث في مصر خير دليل على ذلك، فبالأمس القريب يهتفون لإسقاط مبارك واليوم يحتشدون لإسقاط مرسي وغدا الذي يليه وهكذا تصبح الدولة مشغولة بإسقاط حاكم وتعيين آخر, وليس لديها القدرة على تطوير الجانب العسكري والاستخباراتي إلى أن تصل إلى الدرجة العالية من الضعف أن تقبل أي مساومات على كل ما فيها ويدركون حينها معنى المثل القائل( أكلت يوم أكل الثور الأبيض).

ولو تلاحظ أن الغرب أصبح الصديق الحميم والشريك الاستراتيجي للشعوب العربية وصخر لها كل إمكانات ووسائل الاتصال للقيام بمثل هذه الثورات، في حين ان الشعوب العربية نسيت أو تناست أن طبيعتها مختلفة عن طبيعة المجتمع الغربي فهي لا تستطيع تنظيم نفسها بدون قوة تقودها وبهذا السبب أكد الدين الحنيف بنصوص عدة ومواطن كثيرة على ضرورة التمسك بالقيادة وولي الأمر.

ولكون الغرب يعرف طبيعة الشعب العربي جيدا عرف من أين تؤكل الكتف، يقول احد فلاسفة اليونان الشعوب الشرقية شعوب مستعدة للعبودية، كما أنهم فهموا هذه الشعوب عبر المستشرقين الذين درسوا طبائعهم بشكل دقيق, وهنا ندرك كمال الدين الإسلامي الذي شرعه الخالق الحكيم الذي هو أعلم بمن خلق سبحانه حيث وضع لعباده دينا كاملا قيما {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وحين أخذ به الشعب المسلم ساد العالم.

انظر إلى العرب قبل الإسلام تلك القبائل المتناحرة والصعاليك الذين يقطعون الطريق ويأتون النوادي لشرب الخمر ولا يقيم لهم الغرب وزنا سواءً الروم او الفرس، وخلال بضع سنوات من نزول الوحي وانتشار النور الإلهي انظر كيف سادوا العالم وفتحوا القدس ووطأوا الأندلس وبلاد الهند والسند وغير ذلك والموقف يشرح نفسه.

وانظر إلى بلاد الجزيرة العربية التي لم يمر بها حتى الاستعمار الذي غطى العالم في زمنه ولا يوجد بها أي شيء مغر، وكان الحجاج من إفريقيا وآسيا يتصدقون على السكان حول مكة ويوزعون عليهم لحوم الأضاحي. من ذلك الحال إلى بلد يصدر لحوم الأضاحي إلى مشارق الأرض ومغاربها ناهيك عن تصدير البترول ودفع المساعدات للدول المتضررة في كل مكان ,وذلك حين اصبحت دولةً موحدةً تقييم شرع الله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتهدم الأضرحة والقباب التي يطوف بها الناس وأصبحت محط أنظار العالم كله وأخرج الله لها كنوز الأرض، ما الذي تغير بنجد ؟! أن عصر الفوضى الخلاقة والنهب والسفك للدماء ذهب وأتى عصر الحكم والنظام، فتحولت من قبائل يسلب بعضها بعضا باسم (الغزوات) وهي والله نكبات وسقطات يستحل بها المسلم دم أخيه المسلم لدعوى الجاهلية والقبلية، - وإذا كان لدى العرب عصور مظلمة فهي والله تلك العصور - من ذلك العصر إلى عصر دولة ذات قيادة وسيادة وريادة وتحكم بشرع الله (والصورة واضحة ولا تقل وضوحا عن سابقتها).

أما الغرب فلم يتوقع هذا المستقبل الزاهر لأولئك العرب البدو الرحل بتلك الجزيرة المتصحرة والتي لو استقبل الغرب فيها من أمره ما استدبر لتركها كما هي ولم يتعامل معهم بشيء {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}، فغاظهم هذا التطور وسوف يسعون جاهدين لإشاعة الفوضى وإعادة الشعوب العربية إلى نقطة البداية نقطة الظلام التي يعتقدونها بفلسفتهم لتعود الهيولا كما كانت ويتمكنوا من إعادة تشكيلها - بحسب اعتقادهم- ولن يألوا جهدا لإعادة الصراع.

وما نجاة المسلمين إلا بتمسكهم بدينهم الذي سادوا به العالم كما قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإذا ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله), وتمسكهم بأول كلمة نزل بها الوحي {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} فبالعلم نصبح أقوياء وبالجهل نعود كما كنا عليه، ولم تقو شوكة إسرائيل إلا باتجاههم للعلم والتزامهم تعاليم زعمائهم، إسرائيل دولة قد لا تزيد حجما عن أحد المدن العربية ويقال: إن فيها 800مكتبة ونحن بدولنا المترامية الأطراف ربما لا نمتلك ثمانين مكتبة.

أوصاهم زعماؤهم بطلب العلم فلزموا الوصية ونحن أوصانا قرآننا قبل ألف وأربعمائة عام ولا نزال اليوم نتكلم عن محو الأمية.

لذلك صرف الغرب الملايين بل المليارات لإجراء الأبحاث في الدول العربية فمثلا في أحد أشهر مراكز الأبحاث بمصر التي يرعاها الغرب ويوظف فيها من أبناء الشعب المصري المحتاجين بثمن زهيد ويوسد لهم مهام إجراء أبحاث على أي قضية يريدها في أي قرية نائية وكل هذه التقارير تصب في الكونغرس الأمريكي حتى أصبح العضو في الكونغرس أعلم بطبيعة الشعب المصري من صناع القرار فيه ويعلم حاجة القرية الفلانية لمخبز وانتشار ظاهرة الطلاق في القرية الفلانية وهكذا.

تُرى هذه المبالغ التي يدفعها الغرب هل هي لحاجة الشعب المصري وسد جوعه مثلا؟! أم لنشر حريته ودعم الديمقراطية المزعومة؟! لسنا بحاجة للجواب عن مثل هذا السؤال في وجود نور الوحي وقول الحق {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}.

إن الغرب لا يمتلك قوة خارقة ولا أريد تعظيم كيدهم {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} فما علوا إلا لنزولنا وما علموا إلا لجهلنا، لكنهم امتازوا باستغلالهم لأي حدث ليكون لصالحهم، فلا يندبون وقوع الكارثة بقدر ما يفكرون في كيفية الخروج منها ليس برأس المال فقط بل بفائدة- مما يجعلنا دائما نتحدث عن قضية المؤامرة- وقد رأينا في أحداث الحادي عشر من سبتمبر حين طرب العالم الإسلامي للحدث وتباشروا به وما برحوا يحصدون كوارثه وآلامه إلى الآن، ولشدة استفادة الغرب من الحدث ظن بعضهم انه مفتعل وان الغرب خلفه والأمر ليس كذلك لكنهم استغلوا الحدث ابعد استغلال.

وفَّق الله الجميع..

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة