Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 31/03/2013 Issue 14794 14794 الأحد 19 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

من أكثر من دائرة وهمية أكتب إليكم. لا يتوهمن أحد منكم أني خَلِيٌّ من أوهام لا يخلو منها أحد في هذا الزمان الأغبر. من منكم لم يعرف الوهم، ولا دخل دائرة الوهم؛ فليرمها بألف حجر.

لم أتذكر أني أعيش في دائرة وهم كبيرة، حتى تابعت قضية

مصنع الشهادات الوهمية في القصيم. ستة عشر ألف شهادة دكتوراه وماجستير جاهزة للشحن والتوزيع من مصنع واحد في منطقة واحدة..! فكم وزع المصنع قبل هذه الشحنة..؟! وكم مصنعاً في مناطق المملكة الأخرى على شاكلته؛ يبيع الوهم للموهومين، ويمنحه للمهمومين بالترزز والبروز، حتى لو كان هذا بالغش والخداع والتزوير..؟!

* تذكرت أني كنت قبل ثمان وعشرين سنة خلت؛ هدفاً لسمسار سعودي وآخر مصري. أوصلاني إلى عميد في جامعة القاهرة. رفض هذا العميد النظر في أوراقي إلا على أبواب مسجد في مصر الجديدة بعد صلاة الجمعة..! والعميد جمع أصابعه وفتحها أمامي على باب المسجد؛ في لغز وهمي لم يفسره لي إلا السمسار الذكي؛ الذي كشف أن سيادته يطلب خمسة آلاف جنيه لتسجيلي ابتداءً، وخمسات وخميسات تتلو ذلك قبل تسليم وتسلم الدكتوراه..! رفضت العرض الرخيص، وعدت في اليوم الثاني، حتى أني قاطعت مصر بعدها، فلم أدخلها طيلة ربع قرن.

* ثم استُهدِفت وهمياً مرة أخرى؛ من قبل سمسار مقيم في مدينتي لجامعة في السودان قبل ثلاث عشرة سنة، فتملصت من شباكه بحلو الكلام..!

* هذه بعض من صور الدائرة الوهمية التي أعرفها مثلما يعرفها غيري. إليكم المزيد من الصور:

* قدر الله عليّ؛ وطلبت فصل هاتف ثابت باسمي قبل ست سنوات. توهمت أن الأمر قد انتهى مع شركة الاتصالات السعودية، حتى فوجئت بعد ثلاث سنوات؛ بأن هاتفي ما زال يعمل باسمي، وأني مطالب بسداد فاتورته..! دخت السبع دوخات حتى تم فصله وتم تثبيت هذا في النظام بشكل رسمي، وبعد ثلاث سنوات أخر؛ أفاجأ بأن الهاتف المنحوس ذاته ما زال في الخدمة باسمي..! وأني مطالب بسداد فواتيره..! عند من يعمل هذا الهاتف..؟ لا أدري..! ما زلت في أخذ ورد مع الشركة التي ترفض التسوية، وتصر على بقاء الهاتف على قيد الحياة..! وأنا حقيقة ما زلت عند وهمي العبيط، أنها سوف تنهي هذه المشكلة العويصة جداً..!

* شهدت قبل ثلاثين سنة، أعمال تعبيد وتزفيت وتمديد في شوارع حينا، فتوهمت أنها سوف تكتمل بأرصفة وتشجير، ولكن شيئاً من ذلكم لم يحدث، بل حفرت الشوارع من جديد مرات عدة، وتلفت تمديدات الهاتف والماء والكهرباء، وبدلت عدة مرات، وتحولت الشوارع إلى حفر ومصائد للسيارات.

* قبل خمسة أعوام، بدأ العمل في مشروع حيوي أراقبه ويراقبه الكل بفرح واستعجال. كانت اللوحة تشير إلى أن مدته ستة وثلاثين شهراً، لكني ولكننا كنت وكنا واهمين.. لأنه مر على المشروع خمس سنوات وهو ما زال تحت التنفيذ، أما اللوحة فهي تسخر منا جميعاً، لأنها تتحدث عن تسليم الموقع في تاريخ سابق لتاريخنا بسنتين..!

* عرفت وشهدت الكثير من حيل لصوص الأراضي والعقارات، الذين يوهمون طرائدهم بوثائق موثوقة، وصكوك مصكوكة، إلى أن يتمكنوا من أموالهم وودائعهم، فيدعوهم سجناء دائرة الوهم لا غير.

* عرفت أكثر وأكثر في سنوات مضت.. عرفت وهميين ينسجون دوائرهم ببيع البيض والأسهم، ويتزينون لزبائنهم بمظاهر التقوى والاستقامة والصلاح، حتى إذا استنزفوا ما فوق المغفلين وما تحتهم، فروا منهم كما تفر الوحوش من سَبُع جائع.

* عرفت كثيراً من الوجوه التي تجيد نسج الوهم في طريق كبار المسئولين وصناع القرار، فلا يعد هذا المسئول يرى من أمامه ولا من خلفه أو من يساره ويمينه إلا نجاحاته الوهمية، ورضا الناس عنه كما يقول الموهمون، وكل شيء تمام يا فندم..!

* عرفت مسئولين كباراً، يهتمون بتخدير الناس بالوعود الكاذبة، والآمال التي لا تتحقق، حتى يصبحون في دائرة وهمية عظيمة.

* عرفت وعرفت وعرفتم.. عرفنا ونعرف كيف تنسج حولنا دوائر من أوهام يومية بل ساعية.. أوهام تنبعث من إعلانات مذاعة، وإشهارات متلفزة، والهدف كله إيهام الناس، وابتزازهم في أذواقهم وأموالهم وحرياتهم الشخصية.

* عرفت كيف يلعب بعض المؤسسات العامة والخاصة بعواطف الناس، ويستخف بعقولهم، فيمارس الكثير من عمليات التزويق والتسويق والتسويغ، من أجل أن تظهر عملياته الترشيحية والانتخابية وكأنها بريئة ونزيهة وصحيحة ولا شبهة فيها، بينما هي في حقيقة الأمر؛ مسرحية مدبلجة، وتمثيلية مفبركة، وهذه حفرة وهمية كبرى، يقع فيها بسطاء الناس، ممن يؤخذ بالدعاية الإعلامية في كثير من الأحيان.

* توهيم الناس في زمننا هذا؛ يأخذ مسارات كثيرة في اتجاهات متعددة. المواد الاستهلاكية من غذاء وكساء ودواء وخلافه، هي مرتع خصب لممارسة التوهيم وخداع المستهلك لابتزازه بأي ثمن. ما أكثر الذي نأكل ونشرب ونلبس ونتداوى به، وهو مزور مغشوش، لا صحة لما يقدم له من وصف وعرض، وما أكثر ما نتضرر من هذا المطب الوهمي الذي لا مفر منه أبداً.

* أصبح الوهم صناعة من لا صناعة له. شهادات وهمية.. مشاريع وهمية.. صناعات وهمية.. وظائف وهمية.. وعود وهمية.. قرارات وهمية.. ثم في آخر المطاف: حياة وهمية..!

H.salmi@al-jazirah.com.sa
alsalmih@ymail.com

دوائر (وَهْمِيَّة)..؟!!
حمّاد بن حامد السالمي

حمّاد بن حامد السالمي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة