Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 09/04/2013 Issue 14803 14803 الثلاثاء 28 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

كل من لاقيت عائداً من (دبي) رأيته يَضْرب كفًّا بكف، ويتحسر على المسافة الشاسعة بيننا وبين تلك المدينة المتخمة بكل مثير.

نحن الخليجيون كافة، نقف على حافة الترف. والترف مُذَمَّمٌ بكل لسان،

حتى لقد تكرر جِذْره في القرآن الكريم أحد عشر مرة، كلها جاءت في سياق الذم. فالترف إذاً عَتَباتُ المساوئ. ولكن البعض مِنَّا يضبط إيقاعه، ويحسن استثماره، ويتقي عواقبه الوخيمة.

وفُضُولِيٌّ مثلي، يتساءل: كيف أثارت (دبي) إعجاب العائدين بانضباطها، والتزام الكافة بأنظمتها: عاملين، وسائقين، ومتسوقين، وتجاراً، وسائحين؟

من حقنا التعرف على محققات الانضباط كي نوازن، ولا نتحرج من ذكر محاسن الغير، لنأخذ بأحسنها، وفي الوقت نفسه لا نظلم أنفسنا، فنجهل ما لنا من تجليات، وما لرجال أمننا من منجزات.

(دبي) مدينة منضبطة، تهفو إليها أفئدة السياح والتجار على حد سواء، وهي تلهث وراء تحقيق كل الرغبات، وَدَرْءٍ كل المفاسد، لكي تظل مدينة جَذْب. قد لا تكون أسطورة، كما يحلو للمبالغين، ولكنها ملفتة للنظر، شِئْنا أم أبينا. وقد لا تكون كما يقال، ولكنها على أية حال متميزة، لو تَحَقَّقَ لها بعض ما يقال.

أمنُها، نظامُها، نظافتُها، انضباطُها، كلُّ ذلك يبعث على التساؤل والإعجاب. والأسئلة الأكثر تحدياً.

- هل تنفق دولة الإمارات أكثر مما ننفق على سائر المرافق؟

- وهل أهلها مُحِبُّون لها أكثر من حبنا لأرضنا؟

- وهل سُكَّانُها خلق آخر؟

لا شيء من هذا، ولا ذاك تمتاز به، ولكنَّ السَّرَّ يكمن في تفعيل النظام، واحترام التعليمات، وشعور القادم أنه متابع حين يتحايل، مُحْتَرمٌ حين يَنْضبط.

يذهب أحدنا بكل ما يستبطنه من الفوضى، و(اللامبالاة)، فإذا دخل أرضها كان منضبطاً، واعياً، مراعياً لكل شيء. حتى إذا لفظته حدودها، عادت إليه فوضويته و(اللامبالاته). متهوراً في القيادة، مخالفاً للأنظمة، متحايلاً على المراقبة.

- فأين يكمن الخلل؟

لدينا من الأنظمة، والتعليمات، والضوابط فوق ما لديهم. ولدينا من أفراد الأمن والمرور والرقابة أكثر مما لديهم، ولدينا من الإنفاق أضعاف ما ينفقون.

ويعود السؤال:- أين يكمن الخلل؟

إنه في إيقاف التنفيذ، تعليمات صارمة، ولكن بعضها حبر على ورق. وأنظمة دقيقه، ولكنها رهينة الأدراج.

سلوا الخليجيين عن انضباط العمالة لديهم، والتزامها بما عليها، واسألوا أنفسكم عن فوضوية العمالة عندنا، وتهاونها، وتسيبها، واستبدادها، وثرائها غير المشروع، واشتغالها في غير ما استُقْدمت من أجله.

المفارقة العجيبة أن الصحف الفضائحية تلوك سُمْعتنا، وتمتعض من سوء تعاملنا، وتشتكي بين الحين والآخر لمنظمات حقوق الإنسان من سوء تصرفنا، ومتاجرتنا بالبشر.

يُقْتَلُ أطفالنا الأبرياء، ولا تتمعر الوجوه الباسرة، ويُقْتص من المجرمين، ونوصف بأقذع الأوصاف، ويُسْتَعْدى علينا البَرُّ والفاجر، وفي ذلك تَدَخُّلٌ سافر في سيادة الدولة.

- فهل بعد هروب عشرين ألف عاملة من فوضى؟

- وهل بعد تسلل الآلاف، وتَصَدِّيهم لرجالنا بالسلاح من دليل؟

تلك حقائق صارخة، وشواهد دامغة.

- فماذا عملت جهات الاختصاص إزاء هذه الفوضى المستحكمة؟

- وهل حولتها إلى ظاهرة مقلقة، أم أنها لَمَّا تزل تراها واقعة، تمر دون اكتراث؟ ثم:-

- هل عُوِّض المتضرر مِنَّا، وحفظت حقوقه؟

أكاد أتميز من الغيظ، حين تذهب العاملة الهاربة إلى أقرب مركز شرطة، لتُسَلِّم نفسها، بكل رباطة جأش، بعد ثلاث سنوات، أو أربع، وقد بشمت من الكسب، لتطلب الترحيل، أو حين تصل العاملة، ثم لا يناسبها الوضع، فتعود أدراجها، دون اكتراث، والخاسر الوحيد المواطن.

كل الذي يعمله المركز مع الهاربة، هو الاتصال على الكفيل المسكين، ليقوم بتولي استكمال أوراقها، وترحيلها على حسابه، ولم يكلف المركز الموقر نفسه بمحاسبة الهاربة، أو التعرف على الأسرة التي آوتْها ثلاث سنوات، أو أكثر، بل لم يكلف المركز نفسه بالتواصل مع قنصلية الهاربة، لتسجيل موقف على الأقل، ووضعه أمام واقع رعايا دولتها. وإن أمكن فالمطالبة بتعويض الكفيل الذي خسر أكثر من عشرين ألف ريال، وانتظر أكثر من ستة أشهر.

هنا مكْمن الخلل، المواطن هو آخر من يُفَكَّر بمصلحته، بل لا يَحْلُم بأن جِهَةً ما ستتولى متابعة حقوقه، وحفظها. إن للمواطن حقوقاً مهدورة، وللعامل حقوقاً مهدورة. وحين يتخلى المسؤول عن الطرفين، يمارس كل من العامل والكفيل لعبته الذكية، وفي كل يوم تُضَاعف الأنظمة، وتُغلَّظ العقوبات، ولكن مع وقف التنفيذ، أو العجز عن التنفيذ.

عمال، وعاملات، متسللون وهاربون، ومهربون للمخدرات، والأسلحة المضادة للطائرات، والدبابات، ومواطِنُون مواطِئُون يُهَرِّبون أولئك لأنحاء البلاد، بثمن بخس. وكل أولئك يمارسون أقبح الأفعال من سرقات، وغش، وتزييف: وثائق، وعملات، ومصانع خمور. فإذا ضُبِطوا بالجُرْم المشهود، لم يَزِدْ العقابُ على الترحيل، وجعل الكفيل طرفًا في العملية.

في (دبي) -كما يقال والتبعة على الراوي- لا أحد يستطيع أن يلعب بهذا الحجم، وبتلك الفظاعة، كل الحقوق محفوظة، العامل مطمئن على حقوقه، ولكنه مع هذا خائف يترقب من صرامة الأنظمة. والمواطن مطمئن على حقوقه، وهو أخوف من العامل. وكل من سَوَّلَتْ له نفسه التهاون، كانت (الكاميرات) له بالمرصاد، فكلا الطرفين كراكب الأسد، يخيف الناس، وهو منه أخوف. وهذا ما كنا نبغي: صرامة في الأخذ، وحِدَّة في العطاء، ودقة في المراقبة، ومبادرة في العقاب: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (النور:2) .

إننا نريد مسؤولاً نُوقظه للمشاكل، فيتتبع أقصى دائها، ويمكننا من أن ننام نوم قرير العين هانيها. إننا بحاجة إلى إعلان حالة الطوارئ، وتفتيش البيوت، والأسواق، والمصانع، وسائر المواقع، لقطع دابر الفوضى المستحكمة، وما نسمعه الآن بادرة خير، عسى ألا يخبو الحماس، وتعود الفوضى جذعة، إذ لسنا بحاجة إلى الاهتياجات، وسحائب الصيف، نريد عملاً مؤسَّسِيًّا دائما، وإن قَلَّ، على حَدِّ: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلَّ) .

لقد استمرأنا اللعب، وأصبح ظاهرة مألوفة. والذكي من يمرر لعبته على الجميع، إننا مطالبون بمواجهة أنفسنا: مواطنين، ومسؤولين، كلنا مستخفون، ومتهاونون، ومتحايلون. إن لدينا على الأقل عشرين ألف أسرة خائنة لأمانتها، فكل عاملة هاربة، لا يُؤْوِيها إلا خائن لأمانته.

- فمن رَوَّضَ هؤلاء على خِيانة الأمانة؟

إنه النظام المعطل، أو المسؤول العاجز، أو المتهاون، أو المواطئ، سَمَّهِ ما شئت. يتبع...

إنفاق بِتَبْذِير .. وأَداءٌ بِتَقْصِير..! 1/2
د. حسن بن فهد الهويمل

د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة