Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 12/04/2013 Issue 14806 14806 الجمعة 02 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الأخيــرة

خروج الأموال من أوطانها هو أمر حاصل في كثير من بلاد العالم، ويختلف ضرره ونفعه وحوافزه من بلد إلى آخر. فبلا شك أن خروج الأموال من الدول الفقيرة هو ضرر محض، وحافزه غالبا الفساد أو ضبابية القضاء والتنظيمات الاقتصادية. والأموال الأجنبية الذكية تبحث عن المجتمعات الاقتصادية الناشئة (أي الفقيرة نسبيا) على شرط أن تكون ذا نظام قضائي واقتصادي واضحين لكي تستثمر فيها. فهذه المجتمعات الناشئة ذو قابلية للنمو السريع، مما يرفع نسبة الأرباح للمستثمر الأجنبي. وبلادنا والحمد الله قد دخل إليها صافيا من أموال المستثمرين الأجانب في السنوات الأخيرة قريبا من 700 مليار ريال سعودي - أي ما يقارب الميزانية السعودية. وهذه الأموال الأجنبية صبت في ديارنا من أجل البناء والاستثمار الصناعي ونحوه. والمرجو منها هو نقل الخبرات للعقول السعودية، وإلا فالبلاد تعاني من فوائض مالية عالية في القطاع الخاص والعام وليست بحاجة للأموال الأجنبية. وهذا النوع من الاستثمار الأجنبي هو الأنفع بالجملة -للبلد التي تهاجر إليه الأموال- من الاستثمار الذي يقتصر على إيداع الأموال الوطنية لأي بلد في المصارف الأجنبية. إذن فما نفعله نحن من إيداع الأموال السعودية غير الإنتاجية في المصارف الأجنبية هو أقل نفعا عليهم مما يفعلونه هم من إرسال أموالهم الإنتاجية إلينا. فأموالنا عندهم أموال حارة سريعة التحول والانسحاب، أما أموالهم عندنا فهي أموال مرتبطة بالمشاريع الإنتاجية فيصعب انسحابها. والموضوع طويل وفيه تفاصيل واستثناءات، ولكني تطرقت لهذه المقدمة لكي أوضح بأن حركة الأموال الدولية من بلد لأخر غالبا ما يحكمها المنفعة الاقتصادية، وليس الكيد والحرب من أمة على أخرى.

وإيداع الأموال السعودية في المصارف الخارجية -في وضعنا الاقتصادي اليوم- ليس كله وباء على الوطن بل إن فيه خير. فحجم سيولة الأموال الوطنية المتوفرة أكبر من قدرة الاقتصاد السعودي على استيعابها في فترة زمنية قصيرة. فمزاحمة هذه الأموال المهاجرة للأموال الموجودة لا ينتج عنه نِتاج اقتصادي، بل تضخم محض. وهذه حكومة بلادنا -كغيرها من الدول المماثلة اقتصاديا- تودع في الخارج فوائضا ضخمة، قاربت الثلاثة تريليونات ريال، في شكل سندات حكومية تتحصل على فوائد تعوض تآكل قيمتها الشرائية بسبب التضخم .

ولهذا، فلعل إيداع تجارنا لأموالهم الفائضة في الخارج، هو أفضل اقتصاديا لبلادنا من إيداعها في بنوكنا. فبنوكنا لا تنقصها السيولة. ولو جاءتها سيولة أخرى -بعودة هذه الأموال المهاجرة- فسينتهي أمرها إلى إيداعها من قبل البنوك في مؤسسة النقد. والمؤسسة ستدفع الفوائد لهذه البنوك في عملية تعقيم للمعروض النقدي، خلاصتها أن أموال التجار ستعود -عن طريق المؤسسة- إلى إيداعها في الخارج بشكل سندات حكومية أجنبية. وما يحصله الأفراد من إيداعاتهم الأجنبية بأنفسهم، غالبا ما يكون أنفع من مما تحصله مؤسسة النقد من الفوائد الأجنبية، بسبب المرونة في تنوع الإيداعات وغيرها. والنهاية، أنه في حال عودة هذه الأموال، ستكون بنوكنا هي المستفيد الوحيد -على حساب جميع الأطراف. وبدون كلفة تُذكر، سوف تتضخم احتياطيات البنوك المدفوعة الفوائد مما يزيد في احتكاريتها وعدم مبالاتها بالتمويل الوطني الإنتاجي.

فبنوكنا احتكرت الأموال بسبب عدم دفعها للفوائد على الودائع، بينما تتحصل البنوك على فوائد هذه الودائع من مؤسسة النقد. وبهذه الاحتكارية إضافة إلى ما يُسمى بالصيرفة الإسلامية، صعُب الأمر على الفرد الوطني المنتج في الحصول على التمويلات وبفوائد معقولة.

ومن ناحية أخرى بعيدا عن السوق المالية المحلية، فإن عودة هذه الأموال المهاجرة لن تستطيع أن تعمل واقتصادنا مخنوق بشح الأراضي، وقد صدرت الفتوى بعدم جواز جباية الدولة لزكاتها مما أغلى أسعارها وسهل احتكارها (رغم إجماع السلف على وجوب جباية الدولة لزكاة الأموال الظاهرة).

إذا فالمسكوت عنه، أن هجرة هذه الأموال هو نعمة لا نقمة. ولو عادت لأغلت الأراضي، ورفعت من القدرة الاحتكارية للبنوك، وأفسدت النظام التمويلي بصرفه تماما عن التمويل الإنتاجي إلى الاستهلاكي، وخلقت فقاعة في سوق الأسهم، ورفعت من نسبة تركز الأموال في قلة أقل وذلك بأن كل ما ذُكر سيؤدي إلى أزمات مالية تعيد توزيع هذه الأموال للتركز في أيدي القلة الأذكى من مُلاكها.

hamzaalsalem@gmail.com
تويتر@hamzaalsalem

المسكوت عنه
هجرة الأموال الوطنية نعمة أم نقمة
د. حمزة بن محمد السالم

د. حمزة بن محمد السالم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة