Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 13/04/2013 Issue 14807 14807 السبت 03 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

من هن البويات؟ وماهي علاقتهن بمصطلح الاسترجال وما هي ملامحهن.. وماهي حقيقة وجودهن وخصائص هذا الوجود؟ وهل هناك ولو نسب تقريبية لمدى انتشارهن؟ وكيف يتصادم نموذج البويات مع النموذج الأنثوي للمرأة السعودية الذي تحاول المؤسسات الاجتماعية المختلفة، عائلية وتعليمية ودينية الترويج له؟

ما زلنا ننهل من كتاب إميلي لورنار (الباحثة الفرنسية) التي اشتغلت على الفضاءات العامة والداخلية للمرأة السعودية لثماني سنوات في سبيل حصولها على درجة الدكتوراه بعد أن أمضت ما يماثلها في محاولة إتقان اللغة العربية!

وبدرجة العمق التي تحاول الباحثة المذكورة من خلال دراستها المتعمقة للمرأة السعودية بما فيها دراسة ظاهرة البويات وتحليلها سوسيولجيا في ضوء توقعات وممنوعات الفضاءات النسائية المتاحة للمرأة بقدر ما تبدو الكتابات المحلية عن هذه الظاهرة سريعة وغير محددة وهي في إطار التنديد بالظاهرة دون محاولة تحليليها وفهمها.

ويمكن البدء بتعريف المصطلح الخاص بهذه الظاهرة والمأخوذ من كلمة (بوي) باللغة الإنجليزية التي تم تركيبها بشكل جديد لتصبح (بويات). والمصطلح يشير إلى فتيات يقدمن نموذجا يتعارض مع نموذج الأنثى الذي تؤكد عليه الثقافة المحلية والمؤسسات الدينية على وجه الخصوص: فصورة الأنثى عادة توسم بأنها: رقيقة ورومانسية وتشع بالأنوثة وهي عاطفية ويكتنز جسدها وفمها بمظاهر الأنوثة مع ما يستلزمه ذلك من إظهار لهذه السمات قدر الإمكان من خلال اللباس والصوت والشعر.. إلخ.

يأتي نموذج (البويات) ليعارض هذا النموذج الأنثوي عن طريق إخفائها بلبس ملابس فضفاضة وقمصان ذكورية بل وقد يضعن أحيانا عصابة لإخفاء معالم الصدر (أي إخفاء ما يعتبر سمات جسدية خلقها الله للأنوثة) وبعضهن يضعن عطورا رجالية وقد ينادين بأسماء رجال.

وترى الباحثة من خلال العديد من الأحاديث والمقابلات التي أجرتها معهن أن إرادة الاحتجاج على النموذج المهيمن للأنوثة عبر تقديم الذات بهذا الشكل هو أمر واضح لدى (البويات) دون أن يعني ذلك أنه اختيار أو إستراتيجية يعملن بموجبها. تذكر بعضهن أنهن يعتقدن بحملهن جينات ذكورية منذ الطفولة بينما تعيش أخريات هذه الطريقة بداية من التعليم الثانوي أو الجامعي قبل أن يرجعن إلى مظهر (أنثوي). وبررت بعض المستجوبات تقديم أنفسهن على صورة بويات لأنهن وددن لو كن رجالا، لتكون لديهم القدرة على حرية التنقل ولأنهن تعبن من إعلام أهلهن عند ذهابهن وإيابهن وطلب الإذن بالخروج، وذكرت أخريات أنهن كن يشعرن في صغرهن أن آبائهن كانوا يحبون إخوانهن من الذكور أكثر منهن، وذكرت إحداهن أنها كانت منزعجة من اقتناع النساء السعوديات بضعفهن الجسدي وبحاجتهن إلى مساعدة رجال عائلاتهن، وأكدت بعضهن أنهن لا يترددن في الدخول في عراكات.

واقعيا وكما ترى الباحثة ورغم أن نموذج البويات ينقض النموذج المهيمن على الأنوثة إلا أنه في الوقت نفسه يعبر عن (ستايل) إذ تذكر بعض المستجوبات من غير البويات أن البعض يتبعنه باعتباره موضة خاصة وأن هذا النموذج يتماشى مع معايير الاستهلاك السائدة في الفضاءات النسائية ذلك أن الاستايل الخاص بهؤلاء البويات يمر عبر شراء اكسسورات تتبع الموضة من ماركات تجارية أجنبية والذهاب كل أسبوع لصالونات الحلاقة لقص شعورهن وصبغها ولذلك فإن هذه الصرعات الدائرة قصد إعادة تعريف أو تحد مفهوم الأنوثة تمر أيضا عبر الأشياء التي تشترى من المراكز التجارية لاستمرار الدورة الاستهلاكية!

ويظهر نموذج البويات درجات من الاسترجال أو طريقة لتقديم الذات في الفضاءات الأنثوية تعزى لجنس الذكور بدءاً من تسريحة الشعر القصير الواسعة الانتشار وصولا إلى اعتماد تقنيات الجسد (المشية والحركات) التي تعتبر ذكورية بدليل أن المستجوبات (من غير البويات) كن يملكن مستويات متعددة في النظر إلى الظاهرة أي بين البويات (الأصليات) أي اللاتي كانت لديهن رغبة في اللبس والتصرف مثل الرجال منذ طفولتهن وتنبع رغبتهن من الداخل وبين اللاتي يعتمدن تسريحات قصيرة ومظاهر ملتبسة لأنها فقط تتبع (الموضة) أو (للفت الانتباه) أو ربما للتعامل بطريقة مقبولة من العين الأنثوية الرقيبة داخل هذه الفضاءات النسائية مثل (إخفاء الوزن الزائد بلبس ملابس فضفاضة ورجالية).

ولا يتم التعبير عن الاختلالات في الجنس عبر النعت با (بوية) فقط بل كذلك عن المفردة المستخدمة لوصف الشريكة التي تمشي معها وهي تنعت با (الكيوتة أو النعومة) أو (البنوتة) لتعني تضخيما للنموذج الأنثوي واللعب على لعبة الأنوثة مع مسحة من المبالغة في التصرفات!

ما مدى انتشار الظاهرة؟ وما مدى قبولها بين الفتيات؟ تذكر الباحثة ص 419 أن هذه الظاهرة كانت أكثر انتشاراً في العام 2008 حينما كانت تقوم ببحثها لكن لاحظت تراجعها لاحقا في بعض الفضاءات التعليمية في حين بدأن في الانتشار في بعض المؤسسات التعليمية التي ظهرت حديثا وهي تعزو عدم وضوحها كما السابق إلى القبول (الاجتماعي) بستايل (الشعر القصير) (والملابس الرياضية) في مكان العمل وغيره من المظاهر التي طورتها النساء المدينيات في أماكن العمل في السنوات الأخيرة والتي كانت مرتبطة (بالاسترجال) سابقا غير أن تقريراً نشرته جريدة سبق نشر عام 1431هـ ذكر أن وجود البويات أصبح واضحا على شبكة الإنترنت بحيث أن تجمعا يسمى بويات وليديات استقطب أكثر من 1200 مشتركة في الرياض وحدها آنذاك!

الموقف الاجتماعي والرسمي من الظاهرة (رغم عدم وضوح أين تقف الخطوط فعلا بين من هن (بويات) وهن قليلات وبين من يلحقن بها كموضة أو لمعالجة مشكلات) هو اعتبارها محرمة والنص الشرعي عن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أن المتشبهات بالرجال أو المتشبيهن بالنساء يطردون من رحمة الله ولذا فمعظم المؤسسات التي زارتها الباحثة تضع عقوبات كثيرة على (مظاهر) البوية وتجتهد العاملات في ملاحقتهن بل وقد تحذف بعض من درجاتهن في حال استمرارهن.

بقي أن نسأل عن القوة الدافعة لهؤلاء الفتيات للمضي قدما في تبني هذا النوذج المضطرب رغم وضوح الممانعة الاجتماعية والدينية والأخلاقية حيث ينظر إليهن على أنهن مختلفات وغريبات الأطوار ورغم جهد الداعيات والمؤسسات المشابهة للتأكيد على (نمط أنوثة) مبالغ فيه ويظهر في أسماء الحملات والإعلانات واللوحات التي تملأ هذه الفضاءات؟ فلماذا تتبنى الفتيات هذا النموذج؟ وما الحل لمعالجة هذا الوضع الذي لا ينسجم مع القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية؟

البويات: اضطراب في نموذج الأنوثة المهيمن
د. فوزية البكر

د. فوزية البكر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة