Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 13/04/2013 Issue 14807 14807 السبت 03 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

كمفهوم عام يُمكن أن تكون كتابات أرسطو عن دور المواطن في المجتمع السياسي، والعلاقة بين المواطن والدولة هي الأساس لمفهوم الفضاء العام.. وقد فرَّق أرسطو بين الخاص والعام، وهذا ما جعل هذا التفكير منطلقاً لمفهوم الفضاء العام الذي عبَّر عنه بمفهوم.....

«المنتدى العام» الذي يفصل بين الخاص والعام.. والمنتدى العام لأرسطو هو المكان الذي يجتمع فيه المواطنون للنقاش والجدال لبلورة رأي عام مشترك فيما بينهم وصياغة اتجاهاتهم نحو الدولة.. لكن هيبرماس الفيلسوف الألماني المعاصر هو الذي وضع مصطلح الفضاء العام public sphere، وكان قد قرأ التاريخ الأوروبي خلال القرن الثامن عشر وما بعده، حيث لاحظ أن أوربا الوسطى في العهد الإقطاعي لم يكن بها مفهوم أو تطبيق لمفهوم الفضاء العام، ولكن مع التحول نحو المجتمع البرجوازي فإن بذور ونشأة هذا المفهوم قد ولدت لتعزيز قيم أساسية في المجتمع البرجوازي الرأسمالي.

ويُعرِّف هيبرماس الفضاء العام على أنه مكان في الحياة الاجتماعية، يلتقي فيه الأفراد بحرية كاملة لمناقشة موضوعات ومشاكل عامة في المجتمع، ومن خلال هذه المناقشات يتولَّد رأيٌ عام يؤثر على القرار والفعل الاجتماعي.. كما يُمكن أن يُشكّل الفضاء العام في المجتمعات الحديثة مسرحاً مفتوحاً يعمل على تفعيل المشاركة السياسية من خلال النقاش والحديث بين المواطنين.

وتحديداً كشف هيبرماس أن القوى الاجتماعية التي أوجدت الفضاء العام في القرن الثامن عشر في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وهي قوى ديموقراطية ليبرالية هي التي نسفت مفهوم وتطبيقات الفضاء العام وبخاصة في الولايات المتحدة في القرن العشرين.. فالنزعة الاستهلاكية التي زرعها النظام الرأسمالي في المجتمعات الغربية جعلت المواطن يلهث وراء قوته ولقمة عيشه، وبدل أن ينشغل بالقضايا العامة وشئون المجتمع بدأ يتجه إلى قضايا استهلاكية بحتة أعاقته وأعاقت المجتمع عن ممارسة دور ووظائف الفضاء العام.. فعندما تحوّلت المجتمعات الغربية إلى مجتمعات صناعية، وتحوَّلت وسائل الإعلام إلى أدوات للآلة الصناعية الغربية، تم توظيف وسائل الإعلام الجماهيري لخدمة المصالح السياسية والاقتصادية التي شوّهت وحرّفت من الدور النموذجي لمفهوم الفضاء العام.. وهذا ما عبَّر عنه هيبرماس بثقافة المؤسسات corporate culture التي عملت على تضليل الرأي العام بجهود خاصة من ماكينة العلاقات العامة والإعلان وصنعت فضاءً عاماً هامشياً في القضايا والاهتمامات.

وذكر الدكتور محمد قيراط أن المناخ الذي كان موجوداً في أوروبا في عصر التنوير - حسب مقولات هيبرماس - قد انتهى وولَّى، حيث إن وسائل الإعلام الحديثة قد قضت عليه وحوَّلت الفضاء العام إلى حلبة من التلاعب السياسي والأيديولوجي والسيطرة على عقول الحشود والجماهير والقضاء بذلك على كل نقاشات جادة من شأنها أن تضع حداً لسيطرة أباطرة السياسة والمال على شؤون الحياة العامة.

ويضيف قيراط أن الفضاء العام يشترط توفر حرية التعبير وحرية الاجتماع وحرية الصحافة وحرية المشاركة في النقاشات وفي صناعة القرارات.. والوظيفة الإستراتيجية للفضاء العام هي المساهمة في تكوين رأي عام قوي وفعَّال لتحقيق أكبر قدر من الوفاق لتشكيل السياسات الوطنية والخارجية.. وتُساهم وسائل الإعلام في عملية التلاعب بالحشود والجماهير وجعلهم مجرد مستهلكين ومستقبلين سلبيين في عالم معولم تسيطر عليها الشركات المتعددة الجنسية التي أصبحت تسيطر على الصناعات الإعلامية والثقافية والإعلانية.. وهذه الشركات - كما يقول قيراط - قد اغتصبت الفضاء العام وحوّلته من فضاء رشيد إلى فضاء التلاعب من أجل الاستهلاك والجمهور السلبي الذي لا يفكر ولا يحاول أن يناقش قضاياه اليومية ولا قضايا الشأن العام.. وبهذا تحوّل الرأي العام من الوفاق الوطني المبني على النقاشات والحوارات المستنيرة إلى رأي عام مفبرك من قبل استطلاعات الرأي وخبراء الإعلام والمتلاعبين بالعقول.

وفي إطار مناقشته لنظرية الفضاء العام وتطبيقاتها على المجتمعات العالمية، أشار السيد ياسين إلى أن ممارسة الفضاء العام تختلف حسب طبيعة النظم السياسية في العالم, والمتمثلة في ثلاثة أنماط رئيسة, وهي النظم الشمولية والنظم السلطوية والنظم الليبرالية.. والنظام الشمولي بحكم طبيعته لا يسمح إطلاقاً بوجود «فضاء عام» فعَّال تتم فيه مناقشة توجيهات النظام الأساسية وسياسات الحكومة.. وذلك لأنه غالباً يقوم على أساس هيمنة حزب سياسي أوحد, ربما كان مثاله البارز الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي السابق.. وفي هذا النظام الشمولي ليس هناك مجتمع مدني مستقل عن السلطة على وجه الإطلاق, ولا يمكن أن يعلو صوت على صوت الحزب الشيوعي الذي ينفرد بالساحة السياسية, ويصدر توجيهاته للتنفيذ، وهي توجيهات غير قابلة للمناقشة.. بعبارة مختصرة هذا النظام يقوم أساساً على استخدام أجهزة الدولة الإيديولوجية بتعبير الفيلسوف الفرنسي لويس التوسير لكي تهيمن ليس فقط على حركة الجماهير السياسية ولكن على وعيها الاجتماعي أيضاً, وهو نموذج التفكير الأحادي الذي يُؤدي على المدى الطويل إلى العقم الفكري, والانهيار الاجتماعي التدريجي, كما حدث فعلاً بالنسبة للاتحاد السوفيتي.

ويضيف السيد ياسين أن النمط السياسي الثاني هو السلطوية.. والنظام السلطوي يفرض قبضته الحاكمة على المجتمع, وإن كان يسمح بحرية نسبية لبعض المؤسسات.. وبفضاء عام محدود للغاية وتحت الرقابة, تُدار فيه المناقشات التي تخص المجتمع.. وربما كان المجتمع المصري في العهد الناصري نموذجاً لهذا النظام السلطوي الذي ما زالت بصماته واضحة حتى الآن.. والنمط السياسي الأخير هو النظام السياسي الليبرالي, والذي يتمتع لكونه ديموقراطياً بفضاء عام حي وفعَّال, تدور فيه المناقشات نظرياً بحرية مطلقة وبغير قيود أو حدود.. وربما كان المجتمع الأمريكي المعاصر نموذجاً بارزاً لهذه النظم السياسية الليبرالية.. ولكن السيد ياسين أردف موضحاً أن الفضاء العام لا يُمكن له أن يتواجد في رحاب المجتمع الشمولي, ويُمكن أن يُمارس حياته في دائرة بالغة الضيق في ظل المجتمع السلطوي, فمن المفروض أن يُمارس حياته كاملة في ظل النظام الليبرالي، غير أن القراءة النقدية لتحولات المجتمع الأمريكي المعاصر منذ الخمسينيات حتى الآن تكشف عن أن هناك فجوة كبرى بين النظرية والتطبيق أدت إلى انحدار فكرة الفضاء العام بتعريفه التقليدي، لأن أجهزة العلاقات العامة وصناعات الإعلان قد غذّت وسائل الإعلام بمحتويات تجارية تصب في خدمة الشركات الكبرى والشركات متعددة الجنسيات.

* (المقال مقتطفات من الورقة التي تمَّ عرضها في البرنامج الثقافي للجنادرية الأسبوع الماضي).

alkarni@ksu.edu.sa
- رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال - رئيس قسم الإعلام بجامعة الملك خالد

انحدار مفهوم «الفضاء العام» في المجتمعات الغربية
د.علي بن شويل القرني

د.علي بن شويل القرني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة