Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 14/04/2013 Issue 14808 14808 الأحد 04 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

قبل أن تبدأ الجلسات العملية الأولى لـ (مؤتمر الحوار الوطني اليمني) في الثلاثين من شهر مارس الماضي، كما هو مقرر لها.. كان بعض المُغَرَّر بهم من قِبل (حراك الجنوب) تثير شغباً في أحد ميادين (عدن) تحت مسمى (اعتصام)، لكن الاعتصام.. تحوَّل إلى قطع لأحد الطرق الرئيسة، مما استوجب تدخل قوات الأمن لإعادة فتحه..

فكانت فرصة هؤلاء المُغرر بهم، والمحرضين من قِبل (البيض) و(العيدروس) من فيينا.. التي ينتظرونها لتحويل محاولة قوات الأمن إعادة فتح الطريق.. إلى مواجهة مسلحة معها، هدفها الأول والأهم.. سقوط قتيل أو قتيلين - من جانبهم - أو أكثر.. حتى تكتمل عناصر اتهامهم لقوات الأمن بارتكابهم جريمة قتل المتظاهرين أو المعتصمين (المسالمين)!! وهو ما حدث.. عندما سقط أحدهم قتيلاً - تماماً.. وكما كانوا يتمنون أو يخططون - ليبدأ مناصروهم - وربما قادتهم!! - من ممثلي (الحراك) من داخل قاعة (المؤتمر) في صنعاء، وعلى الفور.. في إعلان احتجاجاتهم على قتل المعتصمين (المسالمين!!) في عدن، مع طلب إحضار وزيري الدفاع والداخلية.. لـ (الكشف) عن حقيقة ما حدث، وإحالة المتهمين في قتل المعتصمين إلى النيابة، وتقديم الاعتذار منهما.. مع التهديد بـ (تعليق) مشاركة (الحراك) في (المؤتمر).. إذا لم يتم ذلك..؟! تماماً.. كما تنبأ بذلك الرئيس عبد ربه منصور هادي.. قبل يوم واحد من وقوع هذه الحادثة المفتعلة أو المبرمج لها.. عندما التقى بممثلي الأحزاب السياسية الكبرى ومنظمات المجتمع المدني.. وقال لهم: (إن الحوار هو الوسيلة الوحيدة لتجنب “حرب أهلية” في اليمن)، وأضاف.. ما هو أهم عندما قال بـ (أن هناك من لا يريد الحوار، وهناك من يعمل ضده، وهناك من يحاول خلق المشكلات والعوائق تجاه استمراره)..!! كهذه الحادثة تماماً! لكن أمانة الحوار وإدارته، استطاعتا بذكاء من يعرف طبيعة انقسامات اليمنيين بصفة عامة، والقلة من هَتّافي (الحراك) ودعوته الانفصالية بصفة خاصة.. ممن يؤثرون طعام (معاوية) والحرب بسيفه.. بأن تقطع عليهم الطريق، وتفسد مخططهم.. بإصدارها بياناً تدين فيه (الاعتداءات السافرة من قِبل قوات الأمن وقمعها للمتظاهرين السلميين في عدن)!! وهي تعلم بأن ذلك لم يكن صحيحاً.. ولكنها أرادت مسايرة (الحراك) لتقطع عليه تعللاته التي يريد أن يأخذ منها ذريعة.. لـ (تعليق) مشاركته في أعمال (المؤتمر)!! وقد نجحت في ذلك.. ليلتئم عقد الجلسة العملية الأولى - بعد الجلسة الافتتاحية الطويلة - لمؤتمر الحوار.. في موعدها من يوم (السبت).. الثلاثين من شهر مارس وسط حسرات أعدائه، والمتربصين به والساعين إلى إيقافه.. بل وتفكيكه إن أمكنهم ذلك!! وهو ما يستوجب على أمانة المؤتمر، ورئيسه عبد ربه هادي الذي وصفت رئاسته لـ (المؤتمر) بأنها كمن (يجلس على رؤوس الثعابين).. بذل مزيد منلحذر والحيطة وضبط النفس قولاً وعملاً حتى يتم تفويت الفرصة على أمثال هذه الحوادث الافتعالية أو (التمثيلية) على وجه الدقة.

***

وقد بدأت الجلسة.. بالانخراط في تقسيم أعضاء المؤتمر الـ(565 عضواً) من الرجال والنساء.. إلى تسعة فرق بأعداد متفاوتة: من عشرين عضواً في الأدنى إلى ثمانين عضواً في الأعلى.. لـ (مناقشة) وبحث قضايا المؤتمر الرئيسة (الهامة والمفصلية).. والتي تم حصرها في تلك البنود التسعة: (قضية الجنوب، قضية صعدة، ماهية الدولة، استقلالية السلطات، الحقوق والحريات، الجيش والأمن، التنمية المستدامة، العدالة الانتقالية، والدستور اليمني الجديد)، ثم بـ (تسمية) رؤساء هذه الفرق.. التي بدأت عملها فور الإعلان عن أعضائها.. ولمدة شهرين - كما قررت أمانة المؤتمر - للوصول عبر حوارات أعضائها وتبادل الرؤى والأفكار والتجارب وتقليب الخيارات بينها إلى (مخرجات) الحوار ونتائجه، التي ستنبني عليها بعد تصويت (هيئة المؤتمر) مجتمعة (صورة) الدولة المدنية الحديثة في اليمن.. دولة العدل والحرية والديمقراطية والمساواة والحكم الرشيد.. التي تشكل إجماعاً بين اليمنيين، لم يَخْلُ من أصوات قليلة معارضة خافتة.. تدعو إلى قيام (دولة دينية)، تكاد تكون متعذرة وسط النتائج المؤسفة التي انتهت إليهما ثورتا (ربيع الحرية) العربي الأهم في كل من تونس ومصر.. من قيام دولتين فيهما أشبه ما تكونان بـ (الدولة الدينية)، وإن كانتا تحت مسميات حزبية.. ترتديان فيهما (بنطال) وقبعة السياسة المعاصرة: (النهضة) في تونس، و(الحرية والعدالة) في مصر.. بينما يقبع في داخلما فكر وممارسة (الإخوان) في كل منهما!!، وهو ما كشفت عنه لحظة تحديد أعضاء الفرق وتسمية رئاساتها، الذي كان وكأنه رسالة من القدر تذكر اليمنيين مجدداً بمخاطر قيام (دولة دينية).. على مستوى (اليمن).. كما حدث عند اختيار رئيس الفريق المكون من ستين عضواً من الرجال والنساء، والذي سيتولى بحث.. (قضية صعدة): ثاني أهم قضايا الحوار الوطني الشامل، حيث تم التوافق على اختيار: الناشطة السياسية اليمنية (السيدة نبيلة الزبير).. لـ (رئاستها)!؟ إلا أن أصواتاً إسلامية قليلة بين أعضاء الفريق اعترضت على هذا التوافق بالحجج المعروفة التي تجاوزها العصر، وتجاوزها واقع المرأة اليمنية الفعلي: علماً ومعرفة وإدراكاً لأبعاد المسؤولية الوطنية، ليتم (التصويت) على هذا التوافق، فيحسمه عقلاء الفريق وشبابهم ونساؤهم لصالح السيدة الزبير.. لتفوز بـ (رئاسة) الفريق بأكثرية لم يتوقعها بعض (المشايخ) الغاضبين من هذا التوافق قبل التصويت عليه،هو ما يعكس طبيعة الخلاف أو الصراع بين الجيلين في هذا (الفريق) وفي الفرق الثمانية الأخرى: جيل الحاضر.. ونظرته المستقبلية، وجيل الماضي.. ونظرته الرجعية..!!

وإذا كان لما يظهر بعد - على السطح - أي خلاف بين الأربعين عضواً - من الرجال والنساء.. أيضاً - الذين وقع عليهم اختيار أمانة المؤتمر لبحث (قضية الجنوب) وهي القضية الأكبر والأهم على أجندة (المؤتمر).. أمام دعاوى (حراكه) لـ (الانفصال) بحجة ظاهرها: (المظالم) التي ارتكبتها (الوحدة الاندماجية) في سنواتها الأولى، وباطنها: الخلاف الذي نشب بين زعيمي الحزبين اللذين قامت عليهما (الوحدة) عام 1990م: (حزب المؤتمر) في الشمال.. و(الحزب الاشتراكي) في الجنوب، الذي أعلن الانفصال من جانبه عام 94.. مضحياً بـ (الوحدة)، ليشن عليه (حزب المؤتمر) ورئيسه رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح (الحرب) بعد أن استبدله بـ (الإصلاح).. حفاظاً على (الوحدة)، ولكن ولأن ذلك أصبح ماضياً.. مرت عليه سنوات وسنوات.. نمت خلالها (الوحدة) فوق تلك الجراح، وتجذرت في حياة اليمنيين (شماليين وجنوبيين): سهولة ويسراً، وآمالاً يمكن أن تعقد على المستقبل حتى لم يعد هناك من يتجاوب مع دعاوى (الانفصال) في الجنوب نفسه.. قبل الشمال، فقد أدار (حراك الجنوب) بوصلته بـ (براجماتية) مدهشة لا تليق به ولا بقادته ولا بتاريخه السياسي.. إلى (حق تقرير المصير)، ليكون جسراً لمطلبهم الأساسي في الانفصال، وكسباً لمساندة (الحوثيين) ودعمهم، الذين رفعوا - قبل انعقاد مؤتمر الحوار الوطني - بسذاجة بالغة ذات مطلب (تقرير المصير) - الذي تحدثت عن نشوئه سياسياً في المقال السابق - ليكون لافتة - ولافتاً - لتمردهم والذي يبعد في أساسه وجوهره.. بعد السماء عن الأرض في قضية كقضية صعدة والحوثيين، إلا إذا آمن الناس بحق مدينة كـ (سوهاج) المصرية أو (طرابلس) اللبنانية مثلاً.. في حق تقرير مصيرهما..!! ومع ذلك شدوا خلفهم (حراك الجنوب).. الذي كان يتعالى منظروه من أمثال (النوبة) على الجلوس إلى جانب الحوثيين على مائدة حوار واحدة فضلاً عن يرفعوا ذات مطلب الحوثيين المضحك (حق تقرير المصير) عندما بدأت الدعوة إلى تطبيق المرحلة الثانية من المبادرة الخليجية بـ (مؤتمر الحوار الوطني) هذا، وهو ما يدل على فراغ أجندة الطرفين (الحراك والحوثيين) من أية مضامين سياسية تستحقان التفكير والبحث.. عن حلول لهما، أما مطالبهما الإدارية - والجنوب منهما.. خاصة - في رفع المظالم، واسترداد الحقوق، والمشاركة في قيادة حاضر الوطن ومستقبله: تمثيلاً واستوزاراً بمعيار الكفاءة.. وليس بالمعايير الجهوية أو القبليةلمرفوضة، فذلك وغيره.. هو ما ستتولاه فرق الحوار الوطني الشامل.. التسعة، لتصيغه في (الدستور) الثاني ليمن الوحدة.. الجديد.

***

من هنا تأتي الأهمية القصوى للقضية المحورية الثالثة الأخطر على أجندة مؤتمر الحوار: قضية (ماهية الدولة)..؟ والفريق.. الذي سيتولى بحثها ومراجعتها وتقليب الرأي بشأنها بين الخيارات المعاصرة حول شكلها وآلية عملها.. بعد تجربة (الوحدة الاندماجية) التي أعضلها عدم مراجعة قوانينها وأنظمتها بعد مرور عقد على قيامها: سواء في شهر مايو من عام 2000م أو شهر مايو من عام 2004م.. بما يُعدِّل أو حتى يخفف من مركزية وهيمنة عاصمتها السياسية (صنعاء) على مقدرات حياة اليمن واليمنيين جميعاً، أو يوازن بين دورها.. ودور عاصمة اليمن الشتوية (عدن) التي كانت اسماً على غير مسمى!!

فهل تكون (ماهية الدولة) كماهية الفيدرالية الأمريكية..؟ أم فيدرالية ألمانيا الاتحادية، التي تقوم على عشر مقاطعات ومجلسين (أعلى وأدنى) ورئيس وزراء واحد منتخب هو (المستشار)، ورئيس جمهورية فيدرالي.. هو رئيس الدولة الدستوري المنتخب؟ أم (الوحدة التركية) التي تقوم على سبع مقاطعات ومجلسين: (الجمعية الوطنية) و(مجلس الشيوخ)، ورئيس للوزراء تنتخبه الجمعية الوطنية الكبرى التي تضم (المجلسين).. إلى جانب (محكمة دستورية) فيهما، مع النص والالتزام بـ (استقلالية) القضاء استقلالاً ناماً عن كل السلطات وفي مقدمتها سلطتا رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.

إن هذه هي القضية الأكبر والأهم في دستور دولة الوحدة اليمنية الجديدة، وليس حديث خرافة (تقرير المصير) الحوثي.. المسلي دون شك، أو الحديث عن (الانفصال) الحراكي.. وورقته الباهتة التي يلفظها (التاريخ) و(الجغرافيا) وترفضها عناصر الموارد الطبيعية للتنمية اليمنية المستدامة، ويقاومها عقلاء اليمن وشبابه ومثقفوه وفنانونه، ويسخر منها كتّابه وأدباؤه.. كما سخر منها من قبل الكاتب اليمني المعروف الأستاذ (حسن عبدالوارث).. عندما قال إن المستحيلات أصبحت عند اليمنيين ثلاثاً: (عودة التشطير، وإعادة الإمامة، واستعادة حنيش)..!!

ولذلك فإن المهمة التي سيتولاها فريق (ماهية الدولة) وأعضاؤه.. ستكون بالغة الدقة والحساسية، وهي بحاجة إلى خبرات الأمم المتحدة ومستشاريها السياسيين والدستوريين، ومن قبل.. إلى هندسة الدبلوماسي العربي الماهر الأستاذ (جمال بن عمر) في المساعدة على رسم تلك الصورة الوحدوية المنصفة العادلة للدستور اليمني الجديد، التي على اليمنيين وعلينا انتظارها في ختام الشهر السادس من شهور الحوار..!!

dar.almarsaa@hotmail.com
جدة

الحوار الوطني اليمني .. وشهور الختام الحاسمة..؟ 2-2
د.عبدالله مناع

د.عبدالله مناع

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة