Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناWednesday 17/04/2013 Issue 14811 14811 الاربعاء 07 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

محليــات

لو تأملنا في الخارطة العربية المشتعلة بلهيب الثورات؛ لوجدنا أن النار أحرقت كراسي العسكر في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا؛ والنظام الأخير وإن لم يكن حاكمه عسكريا؛ فإنه يدار بإرث نظام عسكري دكتاتوري لا صلة له بمدنية رئيسه الذي تلقى معارفه وعلومه في ديار منبت الديموقراطية إنجلترا، حيث درس وتعلم طب العيون وعشق تقنية الكمبيوتر ووسائط التواصل الحديثة؛ ولكنه على النقيض مما تعلم وعشق؛ فقد أتلف قبل العيون القلوب؛ فيتم وقتل وأعاق وأمرض ودمر وخرب وفرق وشتت ومكن أدواء الطائفية المشؤومة وذبح بسكينها من لا يتفق معه، واستعان بأشياعه من طائفته في لبنان والعراق وإيران، فلم يخرج من رداء أبيه العسكري وتجربته الدموية في حماة؛ بل أبدع ألف حماة جديدة، ولم يكسب من مقامه في الغرب إلا ربطة العنق الأنيقة والتظاهر بالتمدن الكاذب والتعلق بوسائط الاتصال التي حرم شعبه من نعمتها بتدمير البنية التحتية لكل ما هو حضاري وجميل وزاهٍ!

هذه سوريا العسكرية التي لازالت تنطحن تحت وطأة صواريخ سكود وقاذفات البراميل المتفجرة وعبوات الغازات السامة ومقاطع التمثيل الطائفي المرعب بجثث المعارضين ونحر الأطفال في سن الرضاعة وتعذيب الأطفال وهم لم يبلغوا الحلم بعد!

هذا هو الربيع الموهوم الذي خطط له الغرب ودعم الإخوان المسلمين ليتولوا كبر تأجيج هذا الربيع الدموي الملتهب؛ فانخدع ملايين المقهورين والمظلومين التواقين إلى الحرية والعدالة والانعتاق من نير وكوابيس الحكم العسكري وجبروته ومخابراته وتخلفه في كل البلدان التي انتفضت، وأدارت المخابرات الغربية بالتواطؤ مع الإخوان دفة الشوارع العربية الهائجة وسال المال في أيدي الكبار من مخططي الثورات لقلب الأوضاع في ديار العسكر واشتغلت السفارات الأجنبية على تبني من يؤمل فيه قدرة على تحريك الشوارع؛ لتبدأ في عالمنا العربي مرحلة جديدة تتفق مع مخطط الغرب الرامي لتكييف الخارطة العربية لمصلحة الغرب نفسه وأمن إسرائيل وإيران، ولن يتم ذلك إلا بالقضاء على النفس الديني الحقيقي والقومي الصحيح وتبني أنظمة جديدة تلقي أكفها ممدودة من غير سوء إلى أمريكا وإسرائيل وإيران؛ كما هي جماعة الإخوان المسلمين التي مكنتها المخابرات الغربية من مصر وتونس، وتسعى إلى تمكينها في ليبيا واليمن وسوريا.

لقد تلمست المخابرات الغربية وعلى رأسها أمريكا توق الشعوب العربية التي كانت تخضع لأنظمة عسكرية مستبدة، وتعاني من أوضاع معيشية بائسة، ومن تخلف مريع في التنمية، ومن تفشي الفساد والمظالم والطائفية في دول تلك الأنظمة العسكرية، ورأت أن الوقت مناسب جدا للإفادة من مشاعر الشعوب العربية الغاضبة والناقمة على تلك الأنظمة؛ فوظفتها بطريقة ماكرة لإحلال أنظمة بديلة على هواها، ليست أقل سوءا من بلطجية العسكر وجبروتهم ودمويتهم وفسادهم؛ وهكذا تصاعد مد الشوارع العربية التي حرضتها الخلايا الإخوانية المستقطبة من المخابرات الغربية؛ فأصيب الشارع العربي بخيبة أمل كبرى حين رأى أن الثمرة الحلوة تقطفها الجماعة؛ بينما عاد هو مرة أخرى إلى الشوارع ليطالب بالتخلص من وطأة نظام جماعة جديدة متحالفة مع أعداء الأمة وتحقق أجندتها الخاصة ومفهومها المؤدلج للأمة وللوطن وللحياة.

هكذا وجد الغرب ضالتهم في شعوب هائجة متوترة محتقنة فما أسرع ماتهاوت تلك الأنظمة وتداعت نظاما بعد الآخر بعد مسيرة أو مسيرتين، وبعد صيحة أو صيحتين، وشاع الرعب في ديار العرب كلها من عدوى فيروس الثورات وضجيج الشعوب المتهيجة المحاصرة بالطغيان والفقر والتخلف؛ ونال دول الخليج ما نالها من المحاولات البائسة الفاشلة التي خابت واندحرت، وأثبتت هذه الدول أنها الأقوى والأكثر رسوخا وعمق صلات روحية وعائلية وعشائرية مع شعوبها، وأنها الأعمق في فهم طبيعة وتقاليد ورغبات وطموحات شعوب دول الخليج العربي؛ فانتظر المنتظرون من الحزبيين ممن يدينون بالولاء للجماعة ولغير الجماعة من موالي الفرس أن تنتفض الشوارع الخليجية على حكامها وتعلن التمرد والعصيان، وحددت ساعات صفر ومواعيد انطلاق وفتحت أكاديميات لتدريس التجربة الإخوانية المصرية في قيادة الشارع المصري الذي هاج وماج على نظام حسني مبارك العسكري، واستجلب ودعي لإلقاء المحاضرات في «أكاديمية التغيير» من دعي من مصر والأردن والإمارات وقطر وحتى من بلادنا لولا أن قطع عليهم الطريق بمنعهم من السفر، وأشاع أحدهم مصطلح «حجر الزاوية» ليكون منطلق التغيير الموعود بذكاء إعلامي لم يدركه من انخدع به أو أراد استقطابه وتهجينه، كانوا يريدون أن يعلموا أبناءنا كيف يدمرون بلدهم وكيف يخربون وكيف يدخلون مدننا في الفوضى؛ لكن ذلك كله باء بالفشل الذريع، وانتظر المنتظرون المتربصون الحالمون منهم بيننا والواهمون في لندن أن تنطلق ساعة صفر آثمة؛ ولكنها لم ولن تنطلق ولن يسمع لها طنين ولا أنين ولن تجد من ينفخ فيها نصف نفخة؛ فليس من العقل ولا من الحكمة ولا من المنطق أن تهدر شعوب الخليج ما حققته من إنجازات حضارية مذهلة ومن استقرار وبناء وإعمار ورخاء، ولا يمكن أن يفكر العقلاء في دول هذه المنطقة بأن الثورات الشعبية واحتراب الطوائف وإشعال الفتن المذهبية وتأجيج القبلية والمناطقية وإيقاد نار الخلافات الدينية بين الجماعات المتنازعة حتى في الفروع يمكن أن تقود هذه الشعوب إلى عالم جديد من التحضر والمدنية والرخاء!

لقد استوعبت هذه الشعوب أن قدرها الجميل يكمن في التلاقي مع حكامها، ونبذ التدخلات الخارجية، وتناسي الخلافات الصغيرة، والتعالي على الأخطاء التي لابد أن تقع في أي جهاز تنفيذي أو تجربة نهضوية، والتطلع إلى الإصلاح من الداخل؛ بتطوير أدوات الحكم، وتوسيع فضاء النقد، وإجراء عمليات جراحات مؤلمة لابد منها للتخلص من أخطاء مزمنة، وللانطلاق نحو المستقبل، وتجنب تكرار الاستسلام للعواطف التي سمحت - مع الأسف - للجماعات المؤدلجة المسيسة بالنمو والعمل السري والمعلن حتى أو شكت أن تشعل وقود الفتنة والثورات والفوضى لولا عناية الله ثم وعي الشعوب وحكمة القيادات.

لازال الخطر كامنا؛ ويتمثل في مؤامرة (سايكس - بيكو2) القاضية بتفتيت دول المنطقة لتهيمن عليها إيران وإسرائيل.

والأهم أن ندرك كيف تلعب إيران بتوظيف مواليها من الأتباع، وكيف تندس الجماعة بيننا لتثير الفتن وتؤجج التوتر الشعبي، وكيف توظف المخابرات الأجنبية عملاءها لإثارة مشاعر النقمة والسخط والتذمر لتقبل دعوات التغيير المشبوهة .

والله وحده حامينا وحامي بلادنا وقيادتنا، ولم يبق من ديار العرب الآمنة سوى هذه البقعة الخليجية الراغدة المطمئنة . فاللهم أدم عليها الأمن والأمان.

moh.alowain@gmail.com
mALowein@

كلمات
نحن الناجون من دمار وخراب ودماء وهم الربيع العربي الكاذب!
د. محمد عبدالله العوين

د. محمد عبدالله العوين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة