Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 19/04/2013 Issue 14813 14813 الجمعة 09 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

ينبغي ألا ننظر إلى حملة تصحيح وضع العمالة الوافدة على أنها هبة ريح ثم تخبو - كما يحلو لبعض الذين يساورهم القلق بشأنها أن يصورها. إذ يبدو أنها تأتي منطلقة بوعي تام إلى هدف إستراتيجي مرسوم، هو التصحيح الجذري لوضع العمالة الوافدة غير المنتجة أو غير النظامية أو السائبة، التي تتكاثر أعدادها عاماً بعد عام..

.. وتشكل وضعاً غير طبيعي استمراره يهدد التركيبة السكانية والأمن الاجتماعي والتنمية المستدامة.

فالتركيبة السكانية بدأ يعتريها التغيير منذ حدوث الطفرة الاقتصادية الأولى، حين صار استقدام العمالة ميسراً لكل من يطلبه. فالتأشيرات تمنح لاستقدام العمالة المنزلية، أو عمالة شركات الصيانة والنظافة، أو لمقاولات الإنشاء الحكومية والخاصة، وأيضا تمنح (لتحسين الوضع). وشكلت العمالة بنهاية حقبة الطفرة عام 1405هـ نسبة 20%من السكان. واستمر العدد في ازدياد على الرغم من تقلص اعتمادات المشاريع وعقود التشغيل من جراء انخفاض إيرادات النفط حتى وصلت نسبته إلى مجموع السكان -كما أظهر تعداد عام 1413هـ- (27%)، أي أربعة ملايين ونصف المليون نسمة تقريبا. وبقيت النسبة كما هي في تعداد عام 1425هـ على الرغم من زيادة عدد السكان السعوديين، لأن عدد العمالة زاد بمقدار مليون ونصف المليون تقريبا، فهي حافظت على معدل نمو بلغ 2.4%. أما في تعداد عام 1431هـ فقد وصل العدد إلى حوالي ثمانية ملايين ونصف، أي بنسبة 31% من السكان، بمعدل نمو بلغ 5.4%. وقد كنت كتبت بصحيفة الجزيرة في 2-1-1433هـ أنه لو استمر المعدل على هذا المنوال فسوف تبلغ نسبة غير السعوديين في عام 1456هـ (56%). أليس في ذلك تهديد للتركيبة السكانية؟ من ناحية الجنسية كما يتضح من النسبة، ومن ناحية الجنس تتغير نسبة الذكور إلى الإناث من النسبة الطبيعية 50.9: 49.1 لتصبح 57: 43 تقريبا - لأن أغلب الوافدين من الذكور؛ ولكن أيضا من ناحية اللغة والثقافة حين يتحدث أكثر من ثلث السكان بغير العربية وينتمون إلى غير الثقافة المحلية (إذا استثنينا الوافدين العرب).

أما من جهة الأمن الاجتماعي فمن المعروف أن تعدد الانتماءات الثقافية الناتجة عن نمو القوة العددية للوافدين تمهد لنشوء أكثر من مجتمع مواز طبقاً للخلفيات الاجتماعية التي انحدروا منها، وهي لا تتفق بالضرورة مع القيم والأخلاقيات السائدة في المجتمع المضيف (هنا أقصد المجتمع السعودي)، ولذلك يحاول البعض الالتفات عليها وتلمس نقاط الضعف في شبكة النظام السائد لتنفذ منها إلى مصادر التكسب والإثراء التي تراءى لهم أنها سهلة المنال. ومن المستحيل ألا يوجد بين عدة ملايين من البشر مجموعات فاسدة لا تشعر بدافع الالتزام بقوانين البلد المضيف وقيمه، بل ترى فرصتها في قابلية بعض ضعاف النفوس للإغواء -سواء من أبناء البلد أو من ملايين الوافدين الذين هم غالباً في مقتبل العمر وعزاب ويتكدسون في مساكن رثة ضيقة أو متراصة في أحياء مزدحمة. لذلك لا غرابة في أن توجد أوكار لترويج المخدرات أو للدعارة أو ورش للغش والتزوير أو حوادث سرقات أو قتل أو غير ذلك من الجرائم. وتزداد القابلية للإغواء عند الشعور بالغبن أو الظلم من جراء الأجور الهزيلة (مثال ذلك عمال النظافة!) أو من تأخير صرف مستحقاتهم أو من معاملة سيئة، أو الشعور باللامبالاة والاستخفاف عندما يلاحظون غفلة الرقابة عمن يسهل شراء ذممهم أو يشاركون في تهريبهم أو يتسترون عليهم أو يقومون بتسريحهم في السوق لقاء جعل معلوم. وفي السياق نفسه يندرج هروب العمالة المنزلية.

التنمية المستدامة تئن تحت وطأة العمالة الوافدة الفائضة عن الحاجة - وليس كلها فائضا عن الحاجة بالطبع. وهذا موضوع حظي باهتمام وتغطية خبراء التنمية والمحللين الاقتصاديين، وأقتطف بعض النقاط باختصار:

- مزاحمة العمالة الوافدة للمواطنين في ممارسة الأعمال الحرة وطردهم من سوق العمل يؤدي إلى انسداد فرص العمل وتفشي البطالة بينهم ليكونوا عالة على الدولة وعلى أهاليهم ويحرم الاقتصاد من طاقة وطنية منتجة. وأكبر عائق للشباب -بصفة خاصة- وطارد لهم يأتي في المقام الأول من عزوف القطاع الخاص عن توظيف السعوديين لأن الوافدين أرخص تكلفة وأقل مطالبة بالحقوق. فصاحب العمل يشترى عمل أربعة وافدين بتكلفة سعودي واحد. فالعمالة الوافدة لديها الاستعداد -كما ذكر المحلل الاقتصادي فادي العجاجي بصحيفة الرياض في 26-5-1434هـ لأن تعمل 16 ساعة يوميا مقابل (1500) ريال.

- الطغيان الكاسح للعمالة الوافدة في السوق وفي مجالات الحرف والتجارة يخلق تربة خصبة لتقديم الخدمات الرديئة والغش والتلاعب وإغراق السوق بالبضائع الرخيصة الرديئة المستوردة مما قد يرضي الرغبة الاستهلاكية لدى بعض الشرائح الفقيرة ولكنه يفضي إلى انسحاب أصحاب المحاولات الجادة في التصنيع المحلي أو ممارسة الأعمال التجارية والحرفية الجيدة لعدم قدرتهم على المنافسة.

- المؤسسات والمحلات الصغيرة التي يشغلها -بالتستر أو بتراخيص هيئة الاستثمار- وافدون لا توظف سعوديين غالبا.

- العمالة الوافدة تحول أموالها إلى الخارج (بطرق نظامية أو بغير ذلك).

لذلك يرى المختصون أن تراكم العمالة الوافدة لا يمنح اقتصادنا قيمة مضافة بل قيمة سالبة. هو إذاً خسران مبين.

مما سبق لا يملك المرء إلا أن يبارك حملة كهذه، تهدف لإقامة وضع معوج، لا تظلم أحدا ولكنها تحمي المجتمع من مستقبل مظلم. وهي بالطبع لا تكون فعالة ومثمرة إلا إذا استمرت ووضعت -خلال المهلة المعطاة- آليات وتنظيمات ومعايير تقنن عملية التصحيح للوضع الراهن وتجتث الأسباب التي قادت إلى بقاء أو تقود إلى استقدام المزيد من العمالة الفائضة عن الحاجة، أو تضطر مرافق حيوية -مثل محطة توزيع المياه في جدة كما حدث مؤخرا- إلى الاستعانة بعمالة غير نظامية. ومما يضاعف الأمل في جدية وجدوى هذه الحملة أنها تأتي ضمن باقة من التنظيمات الحكومية تهدف لإعادة التوازن إلى سوق العمل -مثل نظام النطاقات ورفع رسوم رخص العمل لغير السعوديين وبرنامج تصحيح أوضاع البرماويين بمنطقة مكة المكرمة إلى جانب البرامج الأخرى.

هذا أوان الجد فاستمرى يا حملة التصحيح!
د. عثمان عبدالعزيز الربيعة

د. عثمان عبدالعزيز الربيعة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة