Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 20/04/2013 Issue 14814 14814 السبت 10 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

لا يمكنك أن تعرف حقيقةً ما يحدث في الجنادرية إلا حين ذهابك بنفسك إليها دون أن تُعلم جهة أو أحداً، وتدلف إلى هناك مثل أي مواطن يأتي بعائلته لقضاء يوم عائلي ممتع. كل هذا الصراع والتقول والأخذ والرد في مواقع التواصل الاجتماعي حول فعاليات الجنادرية يربك المتلقي؛ فلا يعرف ما الذي يحدث هناك فعلاً وما هي (الاختراقات؟) التي يقولون إنها تمس بعض الثوابت كما توحي بذلك بعض الخطابات المطروحة على الساحة، وماذا تفعل النساء فعلاً (زائرات وموظفات) في مواقع المناطق والمؤسسات والدول المشاركة في الجنادرية من تبرج ورقص وتمايل كما يُقال!؟؟

بهذه الأسئلة توجَّهت مع عائلتي عصر يوم الثلاثاء معتقدة أنه يوم دراسي؛ فلن يواجهني الاكتظاظ والزحمة المعتادة المرتبطة عادة بهذا المهرجان لكثرة مريديه، وكم كنت مخطئة؛ فالآلاف المؤلفة التي كانت تزحف معي داخلة من البوابات لم تترك لي مجالاً للشك في إقبال فئات المجتمع صغيرها وكبيرها، فقيرها وغنيها، على هذا المهرجان الذي ستجد فيه الفتيات والأطفال والأمهات والآباء والمسنين والمقعدين وذوي الاحتياجات الخاصة، عائلات برضَّعها قدمت من مناطق المملكة المختلفة للاستمتاع بأنشطته المذهلة التي تنوعت ما بين أركان مناطق المملكة مثل نجران وجيزان والمدينة المنورة والقصيم وحائل والحدود الشمالية، والدول مثل الإمارات والصين، وفعاليات مؤسسات الدولة مثل وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة ورئاسة الحرس الوطني ووزارة الثقافة، والفعاليات النسائية المغلقة إلا للنساء لتشجيع الحرف والمهن الذاتية في ساحات جميلة مرتبة، والأنشطة الثقافية مثل المحاضرات الثقافية والأوبريت الغنائي والمرسم الحر ومسرح الأطفال، وغيرها وغيرها مما لم تُحصِه عيني؛ ففي يوم واحد لن يمكنك أن تغطي حتى ربع المهرجان. وبعد حسبة بسيطة لعدد الأنشطة والفعاليات التي يرعاها هذا المهرجان الحافل خلال أيام إقامته سيحتاج المرء إلى خمسة عشر يوماً لتغطية الفعاليات تماماً إذا ما قرر أن يقضي ساعة ونصف الساعة مثلاً في كل موقع، إضافة إلى أوقات التنقل وصلاتي المغرب والعشاء وتناول الوجبات.

تمكنتُ في زيارتي للمهرجان من أن أشتري الورد المديني، وأتذوق التميس والمطبق، ورغم لذة الكبدة رفض البعض تجريبها، كما تم شرح طرق إسعاف المصابين بالنوبات القلبية أو الاختناق من قِبل رجال الحرس الوطني، واشتريت العديد من المنتوجات والحلي الجميلة من مركز الأُسر المنتجة، واستمتعنا جميعاً بـ(الحكواتية) أم عائشة وهي تقص علينا صغاراً وكباراً كيف كان تعليم الحرف، وكيف تتم حفلات الزواج في السابق، وبالقوة سحبتُ الجميع من موقع وزارة التربية والتعليم حتى نلحق بفعاليات دولة الإمارات، واستمتعنا بالمرسم الحر وبمسرح الأطفال الذي كان يموج موجاً بالأطفال وأمهاتهن وبفعاليات ممتعة ومثيرة.. تدفعك إلى أن تتساءل: ما هو الخطأ في أن يستمتع المرء بيومه مع عائلته؟

وكما عودتنا الرياض الحبيبة سقط المطر فجأة ومن دون مقدمات، وهبت العاصفة، وبدأ بحث الناس الطبيعي عن ملاذ؛ فقام الحرس الوطني مباشرة بفتح القاعة الكبرى للجمهور، والتجأ الكثيرون إلى الأجنحة المسقوفة للفعاليات المختلفة حتى انتهت العاصفة، وخرجنا لنجد المطر وقد غسل كل هذا الغبار الخانق، لكن العواصف طيَّرت بعض الخيام والطاولات، وهو أمر متوقع، وامتلأت الممرات بالسيول غير المصروفة؟

رجال الإسعاف والمتطوعون والمتطوعات من الجهات كافة كانوا خير عون لكل صغير وكبير محتاج؛ لقد بذلوا جهوداً هائلة (أمام أعداد الناس التي تفوق التصور) لتنظيم الخروج وتقليل التدافع ما أمكن، وبدأت المصاعب الحقيقية في مواقف السيارات التي دارت فيها معارك مضحكة بين سائقي المركبات للفرار من الزحمة وبأي شكل وبأي ثمن، وبغض النظر عن أي إرباك مروري يحدثونه؛ فالمهم والمهم هو الهرب فقط، ولتحترق الأشرعة من بعدهم كما يقولون، وبدا واضحاً أن الشرطة تحاول التنظيم لكن ماذا تفعل في جموع لم تُربَّ على مفهوم المسؤولية الجماعية المشتركة، وفي مواقف غير مخططة وغير منظمة، ولم توضع فيها علامات واضحة وكافية للدخول والخروج؟! كما تضاءلت نسبة رجال الشرطة العاملين فيها إلى أدنى حد مقارنة بمئات الآلاف من البشر الذين غزوا المكان ذلك اليوم، وتخيل وسط ذلك ما سلوك الناس حين تحدث أزمة ما كعاصفة أو مطر؟

ما أريد أن أؤكده هنا هو الآتي:

مئات الآلاف من البشر الذين يزورون المهرجان حتى آخر يوم فيه تؤكد - وبلا أدنى شك - القابلية الاجتماعية المرتفعة لهذا النوع من النشاطات التي تحتاج إليها المجتمعات للترفيه والتثقيف وحفظ التراث.

في أي تجمع بهذا الحجم الهائل وهذه الفعاليات الكبيرة من الوارد والطبيعي أن تحدث بعض الأخطاء لسوء الفهم أو التنسيق، أو البيروقراطية، أو اختلاف التوقعات الثقافية للمشاركين من دول أخرى، تماماً كما حصل في حادثة موقع دولة الإمارات، التي تم سحبها ومعالجتها في اللحظات نفسها.

الأصوات القليلة المعارضة للمهرجان يجب ألا تطغى على المجموع الهائل الصامت الذي يدعم هذه الفعاليات؛ بدليل الإقبال الشديد على فعالياته. وحتى كتابة هذه السطور، وكما ذكرت تقارير صحفية، تجاوز عدد الزوار العام الماضي تسعة ملايين زائر وزائرة، ومتوقع أن يبز رقم هذا العام ذلك، فهل نجحت أية فعالية أخرى في المملكة بهذا الحجم؟ (قارن بمعرض الكتاب الذي بلغ زواره ثلاثة ملايين)؟

الجنادرية وبحجم التنظيم الذي تحتاج إليه وتتطلبه، والتكاليف التي تتطلبها، يجب أن تبقى على مدار العام، مع ضرورة وجود خطة وطنية كبرى لربطها بمشاريع السياحة الداخلية التي يتم التهيئة لها الآن.. وهل هناك مكان أكثر جاهزية وقابلية من الجنادرية؟

- هناك عوائد اقتصادية مذهلة لهذا المهرجان لو تم ربطه بالاقتصاد المحلي، وتم إيجاد شركات وطنية لتنظيمه وتسويقه على غرار شركات الترفيه الكبرى في العالم، مثل ديزني لاند.

- لن نتمكن من إرضاء الجميع مهما فعلنا، وقبول الاختلاف لا يزال موضوعاً شائكاً في أذهان الكثير من الفئات التي لديها رؤى محددة حول ما يجب أن يتبعه الجميع. لكن يجب أن نعترف: لا يوجد مفهوم (الجميع) الآن، يوجد مفهوم الخصوصيات، خصوصيات تتعلق بالأجيال، وخصوصيات تتعلق بالمشارب، وأخرى تتعلق بالاختلافات الطبقية والاقتصادية والثقافية والمناطقية التي يعج بها وطننا الكبير، وكل يأتي بتوقعات مختلفة لن يتمكن القائمون على هذا المشروع الوطني الضخم من تلبيتها جميعاً.. ويكفي ما فعلوا ويفعلون من وجود هذه البقعة المحايدة على أرض الوطن، تجد فيها العائلات والأفراد والكبار والصغار ملاذاً وطنياً آمناً وممتعاً، يستحق تكرار الزيارة.. ولنرفع أيدينا داعين أن يحفظ الله هذا الوطن من كل تشرذم، وأن يهدينا جميعاً لقبول بعضنا حتى لو اختلفنا قليلاً في الهيئة أو الأسلوب أو ما نحب ونكره، طالما اجتمعنا على ملة واحدة، هي (الإسلام).

الجنادرية المشروع الوطني الضخم.. لماذا يقف البعض ضده؟
د. فوزية البكر

د. فوزية البكر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة