أما التسمية فالخرج هو الوادي الذي لا منفذ له، ومن التسمية أيضاً المراد به الغلة وهو ما يخرج من الأرض ومنه قوله تعالى {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (72) سورة المؤمنون..

والخراج هو ما ينطبق على الخرج، هو منطقة زراعية ذات غلة وإنتاج وخراجها يغطي حاجة الحرمين الشريفين في فجر الإسلام، وقبل إطلاق اسم الخرج كانت المنطقة تسمى الخضرمة «جو الخضارم».

الناحية التاريخية

طبيعة موقع الخرج يعطيها طبيعة الاستقرار السكني، فهي منطقة منبسطة تتجه إليها كثير من الأودية النازلة من جبال عارض اليمامة «طويق» الواقعة غرباً وتفترش الأراضي المنبسطة وأصبحت هذه الأراضي متوفراً فيها المياه وصالحة للزراعة والاستقرار السكني، والمادة الأثرية التي عثر عليها وكتب التاريخ تذكر لنا الاستقرار البشري في المنطقة، فقد سكنت منذ قديم الزمن وعليه وجدت آثار حضارية ترجع إلى آلاف السنين من الألف الثالث قبل الميلاد وفي أماكن متفرقة من محافظة الخرج.

ومما ذكره التاريخ أيضاً وجود حضارات سادت ثم بادت منها طسم وجديس في القرن الخامس قبل الميلاد وبادت قبل ظهور الإسلام، وقد أنهكتها الحروب وتفرقوا واندمجوا في القبائل التي انتشرت في الجزيرة العربية ولم يعد لهم ذكر، وبعد ذلك وصل الحنفيون إلى الخرج قبل الإسلام بما يقارب قرنين من الزمان وقد اتخذوا الخرج قاعدة لهم ولملكهم وكانت المنطقة في وقتهم تسمى الخضرمة «جو الخضارم» ولما يزغ فجر الإسلام كانت زعامة اليمامة وما حولها لهوذة بن علي السحيمي الحنفي وكان يسكن الخضرمة «جو الخضارم» «الخرج».

وقد بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بعث رسله إلى الملوك والعظماء وكتب إليه كما كتب لكسرى وقيصر كتاباً يدعوه إلى الإسلام ولكن هوذة لم يسعد بالإسلام، ثم تولى الحكم بعده ثمامة بن أثال الحنفي وصارت له الزعامة وقد بعث له رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بعث لهوذة يدعوه إلى الإسلام وقد أسلم وقصة إسلامه مشهورة معروفة.

وقد استنكرت قريش إسلامه ونازعته وقالوا له صبأت يا ثمامة. فقال لا ولكنني أسلمت ووالله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن محمد صلى الله عليه وسلم. ومنع أهلها أن يحملوا إلى مكة، فكتب أهل مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنك تأمر بصلة الرحم وأنك قطعت أرحامنا قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع. فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثمامة أن يخلي بين أهل اليمامة وبين حمل الطعام إلى مكة.

وفي عهد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ارتد بعض بني حنيفة بزعامة مسيلمة الكذاب وقاتلهم أبوبكر رضي الله عنه وبعد انتصار المسلمين وفد إلى أبي بكر رضي الله عنه وفد من بني حنيفة مظهرين له الطاعة والولاء وفيهم مجاعة بن مرارة الحنيف وأقطعته أبوبكر الخضرمة «الخرج».

وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أقطعه عيناً تسمى الزبا وتقع في الخرج، وهكذا استمرت الأحوال في عهد الخلفاء الراشدين ثم دخل العهد الأموي وفي عهد أول خليفة أموي وهو معاوية بن أبي سفيان أرسل عمالاً زراعيين من بلاد الشام وصل عددهم ما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف عامل وذلك لإسالة المياه وشق الترع والمساعدة مع أهالي المنطقة في الزراعة، وهكذا استمرت الحياة في عهد الأمويين.

وقد ولي آل أبي حفصة حكم الخرج في عهد مروان بن الحكم ويقول في ذلك الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب «وقد ملك الخضرمة بعد بني عبيد من حنيفة آل أبي حفصة» والخضرمة هي الخرج كما سبق وأن ذكرت في بداية هذا التقرير.

وآل أبي حفصة ينسبون إلى مروان بن الحكم وقد ملكوا الخرج من عهد الأمويين حتى أواخر الحكم العباسي وكان لهم شأن في حكم الخرج، فهم من أجرى السيوح وحفروا القنوات وعملوا على تنشيط الزراعة، وعندما ضعفت الدولة العباسية في آخر عهدها أصبحت الخرج لقمة سائغة للقوي وفرصة سانحة للطامعين.

وفي العام 253هـ بدأ حكم الأخيضريين بالخرج وأتخذوا الخضرمة قاعدة لهم وكما يذكر الشيخ حمد الجاسر أن موقع الخضرمة تقع في الموقع الذي تقع فيه اليمامة أو قرب منه - والأخيضريون من العلويين حكموا الخرج من العام 253هـ حتى 467هـ أي مائتين وأربع وعشرين سنة، واتسم حكمهم بالبطش والتسلط وتشتيت أهلها وتفرقهم، وبزوال الأخيضريين لم تحكم اليمامة ومن ضمنها الخرج حكماً قوياً وأصبحت تخضع للحكم في شرق الجزيرة العريبة «الأحساء» مثل القرامطة والعيونيين وأصبح الحكم في المنطقة غير مستقر وجهل تاريخها قروناً طويلة، وأصبحت الخرج عبارة عن إمارات تحت الحكم المحلي والغلبة للقوي.

وفي العام 1157 اتفق كل من الأمير محمد بن سعود بن مقرن مع الشيخ محمد بن عبدالوهاب على نصرة الدين والشريعة ومحاربة البدع والخرافات وبدأت مرحلة الدعوة السلمية ثم الجهاد على من يخالف الشريعة الإسلامية. وقد خضعت الخرج لحكم الدولة السعودي الأولى في عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود في العام 1190هـ وهكذا استمرت الدولة السعودية الأولى حتى العام 1233هـ.

وفي العام 1236هـ بدأت فترة الدولة السعودية الثانية بقيادة الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود وقد استرد حكم آبائه وأجداده من الحكم التركي، وفي العام 1240هـ أصبحت الخرج كلها سمعة مطيعة تحت حكم الإمام تركي بن عبدالله، وفي العام 1253هـ تولى الحكم الإمام فيصل بن تركي واتخذ من الخرج «الدلم» قاعدة للحكم وبعث من مقر حكمه بالدلم أمراء إلى المناطق الأخرى.

وفي العام 1254 حصلت حرب كبيرة بين الإمام فيصل بن تركي وبين الجيش التركي في مقر حكمه بالدلم وقد اشتبك الطرفان في عدة مواقع معروفة بالدلم وقاتل الإمام فيصل بن تركي بجنوده مع أهالي الدلم قتالاً شديداً وفي الأخير آثر الإمام إنهاء القتال حقناً للدماء والوصول إلى اتفاق وقد عرض الإمام على قائد الجيش التركي أن يسلم نفسه بشرط أن يعفو عن الأهالي ويؤمنهم على أرواحهم وأموالهم. وفي العام 1259 استرد الإمام فيصل بن تركي ملكه وملك آبائه وأجداده وبعد وفاته تولى ابنه عبدالله، وفي العام 1307 - 1309هـ بويع الإمام عبدالرحمن بن فيصل وقدم أهل الخرج على الإمام عبدالرحمن لمبايعته وبايعوه على السمع والطاعة، وفي العام 1309هـ حتى 1319هـ أصبحت الخرج تابعة لملك آل رشيد.

الدولة السعودية الثالثة

في العام 1319هـ استولى الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- على الرياض وأعلن ملكه وفي العام نفسه قدم أهل الخرج وبايعوا الملك عبدالعزيز على السمع والطاعة وعلى شريعة الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وفي العام 1320هـ قدم ابن رشيد على الخرج - الدلم لمحاربة أهلها وكان أميرهم محمد السديري وقد حافظ أهل الخرج على عهدهم ومبايعتهم للملك عبدالعزيز وأصبحت الحرب سجالاً بينهم بقيادة محمد السديري وبين ابن رشيد، وعندما علم الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وهو في حوطة بني تميم قدم لقتال ابن رشيد بالخرج - الدلم وأصبحت الحرب دائرة في شمال حلة الدلم لمدة أيام ولقد انتصر الملك عبدالعزيز في هذه المعركة وهي تعد أول معركة عسكرية بينه وبين ابن رشيد وقعت في الخرج - الدلم.

وهكذا ظلت محافظة الخرج تحت الحكم السعودي مثل غيرها من مناطق المملكة وفي أمن وأمان واستقرار تنعم بنعمة الإسلام وتطبيق الشريعة الإسلامية، وامتداداً لذلك حظيت المنطقة بتطور عمراني وحضاري في شتّى الميادين في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين.. أدامها الله نعمة راضية مرضية، ووفق الله الجميع.