مع ازدياد الاهتمام الإعلامي بحالات العنف الأسري، وتعدد الجهات الحقوقية، ولجان الحماية الاجتماعية على مستوى المناطق بالمملكة، ازداد معها ظهور حالات غريبة ومؤلمة لا يتوقع الكثير منكم وجودها في مجتمعنا الذي نفتخر باستمرار بمكانته الدينية، ونبرر بمبررات غريبة لهذا العنف الأسري وعدم تقبل التدخل فيه تدخلاً مباشراً من الجهات الأمنية لخصوصيته الاجتماعية التي تحتاج للتحفظ على بعض القضايا الأسرية خوفاً من الفضيحة في الوسط القبلي والاجتماعي لتلك الأسرة! مما أساء للدور الجاد لكثير من الأُسر تجاه أبنائها وبناتها، ذلك الدور التربوي الصادق والقائم على احتوائهم احتواءً لا يساعد على تنفيرهم من المنزل ويدفعهم للهروب المستمر مع رفقاء السوء لفترات طويلة مما يتسبب في وقوعهم في براثن الرذيلة التي لا ترحم! وقد تستغربون أن هناك آباء وأمهات يتقدمون للجهات الأمنية أو لدور الحماية بطلب إيواء بناتهم أو أبناءهم بهدف تعديل سلوكياتهم المتمردة أو الانحرافية ولعجزهم في القيام بدورهم التربوي يستنجدون بهذه الجهات لتخليصهم من هذا العبء الذي يقلق منامهم، ويُكدر راحتهم النفسية، ويسيء إلى سمعتهم بين الجيران والأقارب! فأكثر من أم تدخل مكتبي مستنجدة الله يعافيك “خذوا بنتي عندكم”! وعند سؤالها عن السبب ترد بقولها “ما أقدر عليها، قوية، عنيدة، تهرب من المنزل باستمرار، تثير المشاكل مع أخوتها الذكور الذين يتهجمون عليها ضرباً وحبساً ومنعاً من المدرسة والخروج للصديقات، والمنع من أجهزة التواصل المختلفة مع الآخرين” وغيرها من الملاحظات السلوكية التي قد تستغربون أنها تصدر من فتاة وليست من شاب كما ألفناه اجتماعياً ونجد حينها المبررات الكثيرة له! وعند مناقشة الأم عن الأسباب التي أدت إليه حالة ابنتها وتطالب بإيداعها الدار بعيدة عن أسرتها، أجدها أسباباً شارك فيها الوالدان بقوة، لكنهما لا يعترفان بمسؤوليتهما تجاه ذلك، ولا يرغبان في التعديل الجذري لأسلوبهما التربوي مع ابنتهما الضحية، بل يطالبان في إيداعها الدار لأنها دارً حكومية خاصة للحالات المنحرفة ومن واجبنا القيام بذلك!

هذه النماذج المؤسفة من الأُسر تؤكد على رفضها لاحتواء بناتها، وتعترف بفشلها في تربيتهن التربية الصحيحة، وتطالب بعدم محاسبتها في الدوافع التي أدت لانحراف أو تمرد بناتها! وتعتمد بشكل قوي على التوجه للإعلام للشكوى أو للجهات الحقوقية لعدم مساندتها في التخلص من بناتهم اللاتي لا حول لهن ولا قوة بأنني أعتبرهن ضحايا لآباء وأمهات لم يحسنوا مراعاة الأمانة التي كلفوا بها، حيث يتضح من دراسة حالات كثيرة من هذه الفئة أنها ضحية أساليب تربوية ذكورية، ومعتقدات لا تمت للشرع بصلة، وفي توجيه ابن القيم أعظم رسالة للمربين “من أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء غاية الإساءة” وعندما عاتب بعضهم ولده على عقوقه قال له “يا أبتِ إنك عققتني صغيرا فعققتك كبيراً وأضعتني وليدا فأضعتك شيخا”!!