Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 30/04/2013 Issue 14824 14824 الثلاثاء 20 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

تقام الدنيا ولا تقعد لو صنع نظام ما أسلحة كيماوية ناهيك عن إذا ما استخدمها، ولكن المجتمع الدولي لا يعير أسلحة كيماوية خفية أخرى على القدر ذاته من الخطورة والتدمير الأهمية نفسها، ألا وهي المخدرات الكيميائية التي تصنع في دول وتستهدف بها دول أخرى.

فالدول المصنعة لهذه الشرور بشكل شبه رسمي لا تُقاطع، ولا تُقصف بالطائرات، ولا يتم الضغط عليها بأي شكل من الأشكال.

واختلفت مع زميلي حول طبيعة هذه الأسلحة وهل الهدف من تصنيعها وتهريبها عبر حدود أخرى، معادية أحيانا، ماديا بحت أو أن هناك أهدافا أخرى تتمثل في استهداف هذه الدول عن سابق إصرار بهدف تدمير مجتمعاتها. فكنت أرى أن المال وحده ليس الهدف، وأنها تستخدم كأسلحة في حرب خفية لا تختلف عن تلك المستخدمة في الحروب الحقيقية إن لم تكن أفتك، بينما هو يرى أن هذه السموم تتحرك حيث يوجد المال، والهدف منها الربح ليس إلا.

فقلت لصديقي لو رجعنا للتاريخ قليلاً، وتحديداً للقرن الثامن عشر سنعرف أنه كانت هنا حربين كبيرتين تسميان حروب الأفيون 1840-1856م، وهي حروب معلنة شنتها بريطانيا ولحقت بها فرنسا فيما بعد على الصين عندما رفض الإمبراطور الصيني شيان لونج فتح حدود بلاده للتجارة الحرة معها، وحيث لم تجد الشركات البريطانية ما تبيعه للشعب الصيني مقابل ما تستورده منه من الحرير والشاي، والبورسلان وغير ذلك مما كانت تدفع قيمته ذهب وفضة. فنمط حياة الصينيين يختلف عن النمط الأوربي ولا يحتاجون البضائع الأوربية، فوجهت وزارة الخارجية البريطانية شركة الهند الشرقية بزراعة الأفيون بكثافة في شمال الهند وتصديره إلى الصين حتى تحول قطاع كبير من الشعب الصيني إلى مدمن على الأفيون يعمل على إنتاج ما تحتاجه بريطانيا مقابل استهلاك الأفيون فقط، وأصبحت تدفع لهم أفيوناً بدلاً من الذهب والفضة. وعندما استفحل إدمان الأفيون في المجتمع الصيني الذي كان متماسكا ومزقه، أصدر الإمبراطور الصيني أمرا بحظر استيراده فشنت بريطانيا حربا معلنة على الصين في عام 1840 احتلت بها جنوب الصين سميت حرب الأفيون الأولى تحت ذريعة حماية التجارة الحرة. وأرغمت بريطانيا الصين على إنشاء عشرة موانئ لاستيراد البضائع وعلى رأسها الأفيون. استعبد الأفيون الصين ذات المليار مواطن للغرب لمئات الأعوام ولم تتخلص منه بالكامل إلا بثورة ما وتسي تونج 1945م التي رافقها حرب ثقافية عنيفة، وتحولت الصين من مسرح للروايات الغربية عن زوايا تعاطي الأفيون ومعاشرة الصينيات إلى الدولة العظمى التي نشاهدها اليوم. فعلى سبيل المثال، شنغهاي هذه المدينة العظيمة اليوم كانت يوما أزقة وزواريب لتعاطي الأفيون ليس إلا. والغريب كانت بريطانيا تغرق الصين في الأفيون لتخدر “العملاق النائم” وتحظر وتعاقب على استخدامه في الهند التي تنتجه لأن للهند كانت تعد جزءا من إمبراطورية التاج البريطاني.

ولم يكن الحشيش منتشرا في مصر قبل الاستعمار البريطاني، وعندما أرادت أمريكا الخلاص من الهنود الحمر جعلت لهم مجمعات خاصة مغلقة يباع فيها الكحول المعفى من الضرائب عليهم حتى ارتفعت نسبة الإدمان بينهم بنسب مهولة، وهكذا تم تدمير من كانوا يسمون بالسكان الأصليين. وتعد المخدرات العائق الأول للتنمية في بلدان مثل المكسيك، وكولومبيا، والبرازيل. والأمر ذاته ينطبق على القات في كل من اليمن، والصومال، وأثيوبيا، وإلى حد ما كينيا، حيث تقطع الأشجار المثمرة ويزرع مكانها القات. والخبراء يرون أن القات من أهم أسباب المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في اليمن.

بعض الأسلحة الكيماوية الحقيقية تستهدف الأعصاب وتشلها وكذلك المخدرات. فمن المعروف أن الشباب هم الفئة المنتجة للمجتمع، لأن الأطفال والشيوخ والعجائز فئات لا تعد عادة منتجة ويعيلها عمل الشباب، وليس هناك سلاح أقوى وأمضى في الحرب على مجتمع معادٍ أكثر من أن يتحول شبابه من طاقات منتجة فيه إلى أحمال وأعباء إضافية عليه. والضرر يكون مضاعفا عندما تصرف الدول مليارات على تعليم شبابها وإعدادهم لتنتهي بهم في المصحات النفسية والعقلية، فعندما يتحول الطبيب، والمهندس، والمعلم إلى مدمن، وعندما ينتقل طالب السنوات الأخيرة في التعليم الجامعي بعد ما صرف عليه الكثير إلى نزيل في مصح عقلي، فليس هناك دمار للمجتمعات يفوق هذا الدمار.

كما أنه طبيعي فيما يسمى بالحروب الخفية أن تبحث الدول عن مناطق الضعف والحاجة في مجتمعات الدول المستهدفة ومن أفضلها فئات المتعاطين والمدمنين حيث يصبح المدمن أداة طيعة في يد من يروي إدمانه. والمخدرات تساعد الدول على تمويل عملياتها التجسسية، وتمويل الإرهاب داخل حدود الدول المستهدفة، وتخفض كلفة عملياتها حيث لا تضطر للصرف عليها الكثير من المال بل بزيادة كميات المخدرات.

وتفضلت المديرية العامة لمكافحة المخدرات مشكورة بدعوتنا مع بعض الزملاء لإطلاعنا على بعض الأمور المفجعة المتعلقة بتعاطي المخدرات وتهريبها لمجتمعنا، وخاصة الكبتاجون فهو السلاح الأهم والأمضى الذي تسعى بعض الدول من خلاله تدمير مجتمعنا وشبابنا بحرب خفية ضروس. فهناك مصانع قائمة في الخارج متخصصة بتصنيع وتهريب أنواع خاصة من الكبتاجون للسعودية فقط. واطلعنا على وسائل تهريبها المتطورة جداً. فالكبتاجون الذي يصنع لنا ويستهدف شبابنا يمر عبر حدود دول كثير بعضها يتوفر بها مال كثير ولكنه لا يتوقف إلا عندنا ولا يباع إلا في شوارعنا ولشبابنا. وهو يخلط بأكثر من سبع مواد كيماوية أخرى تساعد على التدمير المباشر للمخ. فالكبتاجون الذي يباع في شوارعنا اليوم غيره بالأمس. ويراجع مستشفى الأمل في الرياض فقط مئة حالة يوميا كثير منها حالات غير قابلة للعلاج لأن أجزاء كثيرة في دماغ المريض تكون أتلفت تماما وللأبد، دمرتها المواد المضافة للكبتاجون. وقد ضبط حتى الآن ما يعادل 140مليون حبة كبتاجون من هذا النوع، وعلينا أن نتخيل الكميات التي لم تضبط وأخذت طريقها لعقول شبابنا.

الكبتاجون الذي يستهدفنا يصنّع معظمه في دول أوربا الشرقية ويهرب عبر دول عربية تستهدفنا لدول أخرى، وتحوم الشبهات وتدل القرائن على أن من يهربه يلاقي معونة أو على الأقل تسهيلا من بعض الدول التي يمر بها. وهناك معلومات استخبارتية تدل على أنه الآن يصنع في دولة عربية تحت حماية ميليشيا حزبية خارجة عن سيطرة تلك الدولة وتعمل لطرف ثالث. وهناك بالطبع حلقة مربحة لكثير من المحيطين بهذه الصناعة: المصنّع، رجال الشرط في الدول التي يمر بها، المهرب، المروج... إلخ. والخاسر الوحيد في كل هذه العملية هو الشاب، أو الشابة الذي يخسر عقله، ومستقبله، وينتهي به الأمر ليصبح عالة على أسرة كانت تترقب نجاحه لتفتخر به.

هناك معلومات قيمة لا بد وأن يطلع عليها شبابنا حول خطورة هذه الأسلحة الكيماوية المدمرة، حتى لا يكونون عرضة لها ونقط ضعف في مجتمعاتهم تستغل لتدميرها. فالمخدرات ليست مواد للتجربة أو الاستمتاع الوقتي بل تحولت لسلاح مدمر للمجتمعات ترعاه بعض الدول تصنيعا، وخبرة، وتدريبا، وقد ينتج في بلد ما بتمويل من دولة أخرى بهدف تدمير أعدائها. ومن الطريف أن استيراد الكباتاجون خف بشكل بسيط نتيجة لظروف الحرب الأهلية لدولة عربية مجاورة كانت هي مصدر التغليف والتهريب. وقد هب شبابنا هبة قوية مطالبين بتجنيدهم للدفاع عن وطنهم من المتسللين من الجنوب، ونحن نقول لهم إن من أهم وسائلكم التي تدافعون بها عن وطنكم، وتثبتون بها رجولتكم ووطنيتكم الامتناع عن تناول أو تجربة هذه السموم التي يهربها لكم أعداؤكم.

latifmohammed@hotmail.com
Twitter @drmalabdullatif- أستاذ في جامعة الملك سعود

الكبتاجون: الحرب الكيماوية الخفية
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة