Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 30/04/2013 Issue 14824 14824 الثلاثاء 20 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

أما قبل:

فإن مَهَرة المتكلمين والبلاغيين يبرعون في تلقي مشكل القرآن وتأويله، والمتشددون من [السلفيين] يتَهَيَّبُون التأويل، والمجاز في القرآن. حتى لقد بلغ من تخوفهم القول بنفي المجاز عن اللغة، وهو قول مرجوح نُسِب إلى

[ابن تيمية] رحمه الله. ولست أمضي مع نفي المجاز عن القرآن فضلاً عن نفيه عن اللغة، لِأَنَّه من جمالياتها، والقرآن نزل في أجمل صورها.

وإقرارُ المجاز في القرآن يحتاج إلى تفصيل وضوابط، ليس هذا مجالها. ولقد أشرت من قبل إلى شيء من ذلك في مقالات سلفت. وبودي لو أَفْردْتُ لهذه الإشكالية دراسة معَمقة موسَّعة مستقلة، لأنها من الأهمية بمكان، إذ من الأهم تحرير مسائلها، وتأصيل معارفها. ولا تقل إشكالية [التأويل] عن إشكالية [المجاز] الذي يَعُدُّه البعضُ طاعون القراءة، ويَجْعل جِذْره من [الآل] وهو السَّراب.

والقول في إسناد [المكرِ] إلى الله هو الآخر، يحتاج إلى مزيد من التفضيل. وللخلوص من هذا المأزق سكَّ البلاغيون مصطلح [المُشَاكلة]، وهي: [أن تذكر الشيء بلفظ غيره، لوقوعه في صحبته]، والمشاكلة من مسكوكات [أبي علي الفارسي] وللمشاكلة نَظْرةٌ أخرى، خلاف ما أردناه، للخلوص من إسناد المكر والنسيان إلى الله، وهذا الاستطراد لا يتسع لمزيد من البسط.

وأما بعد:

فإن من الخَطَلِ أن يقنط المَرْءُ من روح الله، في ظل ما يكتنف الأمة من فتن يرقق بعضها بعضا، واليأس والإحباط حين يعتريان المبتلى، يكون بهما كمن يَهْدِم بنيانه بيده.

ولقد ذم الله القنوط من رحمته، وعد ذلك من الظلم، وهو بلا شك معدود من نواقض الإيمان، مثله كمثل الذي يأمن مكر الله.

وأمام طوفان المصائب، واحتكام حلقاتها، يبدو بصيص الأمل، ولولاه لفسدت الحياة.

وفي أقوى رثائية نثرية أشار الأستاذ [أحمد حسن الزيات] وهو يتفجع على وحيده “محمد” الذي جاءه على كِبَر إلى أن من نعم الله العظمى على خلقه[النسيان والأمل]. وذهب يُفَصِّلُ القول في هذه الثنائية، حتى خشيت أن أفقد الإحساس بالمصائب. وكيف لا يبرع مثل [الزيات] في هذه المهايع، وقد هيِّئَتْ له القدرةُ واللَّوْعةُ..!. وحين لا يكون أملٌ ولا نسيان، يكون الصبر والاحتساب.

والله جل وعلا أقسم بالعصر، ليؤكد خسارة الإنسان الذي لا يصبر على الطاعة، وعن المعصية، وعلى الأقدار المؤلمة، وكلها من الله وإليه.

ومن المعضلات التي تزداد استحكاماً واستفحالاً العلاقة الجدلية بين [المادية الغربية] و[الروحانية الشرقية]، والتي تتخذ في كل عصر لبوساً مغايراً، وتُقْرأ على مستويات متعددة، ويُقَارِبها مغرمون متيمون، وكارهون مشمئزون، وناعقون في جحفلها اللجب، ومُلَطِّمون لها بأيديهم، صارخون أمامها بألسنتهم.

وهي ماضية تُضرِّسهُم بأنيابها، وتطؤهم بمناسمها. والذين يشفقون عليها من ذويها، وممن يتذيلون لها، يرون أنها محاربةٌ من ثلاث فئات:

من الإسلاميين. والإسلامويين. والنصوصيين، الذين يُطْلق عليهم مصطلح الأصوليين. وهم الذين يتمثلون ظاهر النص، ولا يتأولون.

والحق أن الصراع الأزلي بين الغرب، والشرق، ليس وقفاً على هذه الفئات الثلاث. إنه صراع قيم، ومبادئ، وحضارات، ومصالح، تختلف في مرجعياتها، وتصوراتها للكون، والحياة، والقوة الفاعلة المطلقة الأزلية. إذ لو اختفى الإسلاميون، والإسلامويون، والأصوليون، والحداثيون، والعلمانيون، وسُلِّمت وثائق الحضارتين الشرقية، والغربية إلى أمة أمية فطرية، لانقسمت على نفسها، واحتربت فيما بينها {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} مع استبعاد إيجاز الحذف، الذي يُعَوِّلُ عليه البعض للخلوص من مآزق الدلالات المباشرة. ذلك أن لكل معتنق رؤيته ومسلماته وثوابته التي يصنعها هواه أو فهمه أو عقدة الماضوية عِنْده، ومن ثم لا بد من التفكير، والتقدير، والتدبير، والخروج بخارطة طريق، تفك الاشتباكات، وتحول دون الصراع، وتقر التعايش والتعاذر.

ولو أننا نَحَّينْا جانباً العلاقةَ الجدليةَ بين مادية الغَرْب وروحانية الشرق، وَنقَّبنا في تحولات الشرق ذاته، لوجدنا فيه من الصراع، والصدام ما يفوق في عنفه، ودمويته صراع المادية، والروحية. ولكننا قوم نجهل، أو نتجاهل أحداث التاريخ.

لقد أسْرفَت [القومية] في التصدي لنزعة [التتريك]، ودخلت نظرية [الخلافة] ومفاهيمها، لتفتَّ في عضد القوميين العرب، وتَرثَ تركة الرجل المريض.

ومعلومٌ أن [ساطع الحصري] تولَّى كِبْر الفلسفة القومية. وحين خاف النصارى العرب على أنفسهم من صراع القومية والدينية والتتريك، طرحوا مشروع [الفرعونية] الذي اجْتَرحَهُ [سلامة موسى]، وحين لم يكن بمقدور هذه المشاريع أن تؤصل لنفسها في ظل مكائد الاستعمار التقليدي بثكناته، ومناديبه، وطابوره الخامس، وسلاطينه وفقهائهم، تحولت المنطقة برمتها إلى مسرحٍ لِمُصْمِيات اللعب السياسية الكبرى. بحيث دَخَلَ الشرق بـ[ماركسيته] والغربُ بـ[رأسماليته]، وانشق المستضعفون على أنفسهم. فكان منهم الماركسي الأكثر تعصبا للماركسية من [كارل ماركس]، ومنهم الرأسمالي الأكثر تعصبا من أساطين الرأسمالية، مثل [آدم سمث]. وبدأ التناوش بين الأخ وأخيه بالسنان، واللسان، ثم بدت سوءة الطرفين، فكانت الفرصة مواتية للصحوة الإسلامية، لتدخل الحلبة، وتخوض اللعبة مع اللاعبين، ولكنها لم تَسْلم من الصراع الداخلي بين أطرافها، وأطيافها، وفلول الملل، والنحل الثاوية في كهوف النسيان، والوقوع في [الأدلجة]، أو [الحزبية] التي نقلت الولاء والبراء للمبادئ الطائفية أو الحزبية. الأمر الذي هيَّأ الأجواء لِلَاعبٍ لا يراعي في الأمة إلاً ولا ذمة.

ومن ثم بدأت الانقلابات العسكرية، التي سميت ظُلْما وعودنا بالثورات، وهي أبعد ما تكون عن فلسفة الثورة. وتمترس العسكر بادئ ذي بدء وراء الإخوان المسلمين، وجيء بـ[محمد نجيب] ليكون غطاءً مؤقتا لتمرير اللعبة الأكثر [دكتاتورية] وتعاقبت الانقلابات، وهُيِّئ لها إعلام مخادع، يقلب الحقائق، ويزيف الوعي.

ولقد جسد هذه التقلبات المخادعة لفيف من الكتاب، مِنْهم [توفيق الحكيم] بكتابيه [عودة الروح] و[عودة الوعي] وعُقِّبَ عليه بكتاب [الوعي المفقود]، وطويت صفحة العسكر، أو كادت بالربيع العربي، لتأتي أحزاب، ومنظمات، وطائفيات، وأقليات، يضرب بعضها رقاب بعض.

وما من أحد يَعِي إعادة التاريخ لنفسه، فالجميع كالغزليين، يدَّعون وَصْلاً بالمبادئ، والمبادئ لا تُقر لهم بذاكَ.

وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ‏.. !
د. حسن بن فهد الهويمل

د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة