Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 07/05/2013 Issue 14831 14831 الثلاثاء 27 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

وكلُّ راصدٍ لهذا الصراع السافر الخاسر بين كل المستهمين على السفينة، لا تفوته الخروقات البين عورها في مسارات الصراع الفكري، المعادل للصراع السياسي، وهي وإن أثْرت المشاهد، وأمدَّتها بالمناهج والآليات والرؤى، وشدت وثاقها في سوح الماديات، وملأت أوعيتها بفيض المصطلحات والمفاهيم،

إلا أنها عكَّرت صفو عقيدتها، وشطت بها عن محجتها البيضاء.

لقد تلاحقت المشاريع الفكرية المتواشجة مع حضارة الغرب، المستدبرة لحضارة الإسلام، بل المسرفة في زعزعة ثوابتها، وهز إيمانها، ومتى ضاع الإيمان فلا أمان، ومتى أميت الدين فلا حياة :-

[ إذا الإيمانُ ضاع فلا أمانٌ

ولا دُنْيا لمن لم يُحْي دِيْنا].

ومن ذا الذي لا يعرف لفيفا من المفكرين الذين لُمِّعوا، وصُنِّموا، وأحيطوا بهالات التَّمْجيد، والتَّحْمِيد، ولما قضى الغرب منهم وطره، ألقاهم في مزبلة التاريخَ مُذَمَّمِين، والتمس مَغْمورين آخرين، يتهافتون على الأضواء تهافت الفراش على اللهب، ثم فعل معهم ما فعله مع من سلف، مِمَّن خُدِعوا،كالسمك بالطعم.

والمتَعقِّبون للحراك يَرْصُدون تتابعَ المفكرين الذين وُصِفوا بالعمالقة، ووُصِف زمنهم بزمن العمالقة، وهم وإن امتلكوا نواحي القول، ونواصي العلم، وسحروا أعين الناس، إلا أنهم مَسَخوا أنفسهم، وأحَلُّوا قومهم دار البوار.

وليس من العدل والإنصاف أن نجعلهم في الخطيئة سواء، مثلما أننا لا نجعلهم في العلم، والفهم أندادا. لقد تفاوتوا في علمهم، وفي عمق تفكيرهم، وفي شمول ثقافتهم، وفي قوة حِجَاجهم. وإذ يكون بَعْضُهم أُمما قد خلت، فإن الإيغال في تقصي مذاهبهم يتطلب العدل والإنصاف، فَمَعَهُما لا نقطع بقبول كل ما قيل بحقهم، وفي الوقت نفسه لا نُسلِّم بكل ما يجتره المريدون ببلاهة معتقة.

لقد تتابعت مشاريع المفارقين للثوابت، فَمنْ ذا الذي يجهل مشروع [طيب تيزيني] الماركسي اللَّجوج، ورؤيته المادية الصرفة للتاريخ، والتصدعات التي تركها في المشاهد الفكرية، واللجاج الذي أثاره، ثم لم يُحْسم من بعده ؟.

وغير بعيد نجد مشروع [حسين مروة] الشيعي اللبناني المتعصب بكل إغراقاته المادية، وهو أعمق، وأشمل من قرينه في الهوى [تيزيني] ورؤاه تنم عن تَشَرُّبِه للمادية الماركسية التي اجتاحت مشرقنا العربي، وهيأ الأجواء لها كُرْهُنا للغرب الذي تَولَّى كِبْر الاستعمار، واقترف غَرْس الجسم اليهودي الشاذ في مقدساتنا، واجْتَرحَ سيئةَ التمزق العربي.

ودون هذين يأتي [محمد عابد الجابري] الذي تعقب العقل العربي بأربعة مجلدات، ترسم بها خطى [أحمد أمين] في فجره وضحاه وظهره، وإن لم يظفر باحتراسه الاعتزالي، وقد فككها خصمه اللدود [جورج طرابيشي] وكشف عن عوارها، على الرغم من نصرانيته، وعلمانيته. وإذا كان [الجابري] قد أرخ للعقل العربي فإن [محمد أركون] قوض العقل الإسلامي بعنف، لائذاً بعباءة الثقافة الفرنسية، على سَنَنْ [طه حسين] الذي راد لهؤلاء جميعاً بكتابه :-[مستقبل الثقافة في مصر].

لقد أسرف [أركون] في أنسنة التراث، ليتيح لرؤيته، ومنهجه تفكيك النص المقدس، بوصفه منجزاً إنسانياً.

وإذا كان هؤلاء الأربعة قد أوغلوا في الماديات الصرفة فإن [أدونيس] النصيري، الباطني، الحاقد، قد شط في الروحانيات، متخذاً الباطنية منهج فلسفة، وآليةَ تصور.

والمشهد الفكري تعاقب عليه متمردون لِوُجوهٍ شتَّى، لَيْسَ من بينها وجه الله، متمردون لايراعون في النص الشرعي إِلاًّ ولاذمَّة، نجد في مقدمتهم [نصر حامد أبو زيد] و[عبدالمجيد الشرفي] و[حسن حنفي] و[سعيد العشماوي] و[خليل عبدالكريم] و [القمني] وآخرون تَعْرِفُ منهم وتنكر.

لقد كان لهؤلاء، ولمن لَحِق بهم أثرهم السيئ في مسار الفكر العربي، ولغيرهؤلاء أثر في المسار الأدبي على الطريقة الحداثوية، كـ [جابر عصفور] و [كمال أبو ديب] وذيل السلسلة القبطية الصَّدِئَة التي تلقت الراية من [جرجي زيدان] و[سلامَهْ موسى]، ولكل من هؤلاء وأولئك اندفاعه غير المحسوب، ومغامراته الطائشة التي صدعت وحدة الفكر العربي، وعددت مسارب الأدب العربي.

لقد لعبت [الحداثوية] ورموزها في قطع الصلة بالتراث، والتواشج مع رموز الحداثة الغربية، وثارت معارك عنيفة بين المجددين، والمحافظين من جهة، وأساطين الحداثوية من جهة أخرى. ولأن الأدب مُنْتج إنساني فقد أثرى ذلك التناوش سائر المشاهد، وحمل المجددين، والمحافظين على استعادة التراث، وإبراز قيمه: اللغوية، والفنية، والدلالية.

قَبِلَ المجددون التجديد، ورفضوا الانحراف الفكري، والسقوط الأخلاقي، والانقطاع، والعبث، والغموض، والنثرية. ومما صعد الخلاف الخلط بين [الحداثة الفنية]، و[الحداثوية الفكرية].

وبعد صولات، وجولات لأفرادٍ، ولمذاهب وجودية ورمزية ودَادية سُوِّيت الأوضاع الأدبية، واصطلح الجميع، وتفسحوا لبعضهم في المشاهد. أما صراع المفكرين فإنه يَمَسُّ العقائد، والأفكار، ويَقْدح في خصوصية الأمة، ويطمس معالم الهوية، ومن ثم فإن من المتعذر المصالحة ومن المستحيل التَفَسُّحُ، لأن ذلك كله محسوب على صراع الحق مع الباطل، وليس من العقل إعطاء الدنية في الدين، على حد:- [ودوا لو تدهن فيدهنون].

والصراع المستميت بين أطياف المُتَنَخْوِبين، جعلنا قاب قوسين أو أدنى من تفكك الوحدة الفكرية. وهو صراع لصالح غيرنا، فما كان لنا أن نختلف، وفينا مالو تمسكنا به فلن نَضِلَّ أبداً [كتابُ الله وسنَّةُ نبيه] وكم يُطَمئْن بعضنا بعضاً بأن الأمر سحابة صيف، وموجة غبار عارضة، ولكنني لست متفائلاً، فأنا ممن:-

[يرى خلل الرماد وميض نار]

ويقيني أنَّها تَأَجَّجَتْ،وتَرَمَّدَ إرْثُها، ولمَّا تزل النخبُ في غَيِّها تَعْمَه، ولن يَصْلُحَ شأنها إلا بالعودة النَّصوح إلى منابع الحضارة، وإتقان إدارةِ الصراعات السياسية والفكرية، وفهم قانون اللُّعبِ السياسية، فَأيُّ لاعب لا يحفظُ شفراتِ اللعبة، يكون كـ[الأطرش في الزَّفَّة].

والمغفلون من يسقطون المبادئ بجرائر الممارسات، ويستجيرون من الرمضاء بالنار، ويُنكرون الغزو والتآمر، أو يحملونهما كل الاخفاقات، ليتخلصوا من تأنيب الضمائر.

وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ‏..! 2/2
د. حسن بن فهد الهويمل

د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة