Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 09/05/2013 Issue 14833 14833 الخميس 29 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

متابعة

لماذا هذا الحب الغامر للراحل الشيخ صالح الحصين -رحمه الله!.

كان هذا السؤال على لسان الكثيرين منذ رحيل الفقيد العزيز.

كل إنسان يذكر سبباً، أو يروي قصة أو يتحدث عن موقف! وكلهم صادقون ومحبون، ومحصلة كل ذلك أن الناس أحبوا الشيخ لعلمه وزهده ونزاهته!

ولم يكن الأمر تنظيراً بل كان ذلك واقعاً منذ بدء مسيرته في هذه الحياة وحتى فراقه لها، أما الزهد فالمواقف بقدر ما فيها من العفة فإن فيها كرهاً للدنيا وزخارفها!.

سكنه وقصة اعتذاره بالقصر المنتظر!

كان - رحمه الله - إذا جاءه ضيف - وهو صاحب المعالي - ولأن شقته كانت متواضعة كان يقول للضيف من باب الاعتذار وعدم حرج الضيف: «اعذرنا في هذا البيت الصغير فأنا أعمر لي «قصر» ولكن لم ينته بعد»، واستمر هذا القصر يعمر طول حياته، والحقيقة أنه لم يكن هناك بيت أكبر ولا قصر يعمر.. لكن لعله - رحمه الله - قصد: قصراً في الجنة، وأسأل الله أن ينيله إياه في دار الخلود والبقاء.

الله، أينه منا نحن أبناء هذا الزمن الذين نفاخر بالقصور والدثور!.

وزير يعيد 80% من راتبه

قصة أخرى عندما عُين وزيراً، فقد اكتفى بـ (5000) من راتب الوزير، وكان يعيد المتبقي معللاً ذلك بأن ما أخذه يكفيه.

يا الله، أينه منا مرة ثانية نحن أبناء هذا الزمن!

وأما زهده بالمناصب، فهو لم يبق عندما تعين وزيراً إلا وقتاً وجيزاً فقد زهد بالمنصب وقد طلب ملحاً من الملك فيصل - رحمهما الله جميعاً - إعفاءه من الوزارة حتى وافق له الملك فيصل على ذلك، الله.

مرة ثالثة من ذا الذي يزهد بمنصب «وزير».

روى لي مدير عام مكتبه برئاسة الحرمين أ. محمد القويفلي: إنه عندما صدر التجديد له رئيساً للحرمين ولم يكن يرغب في ذلك لولا أن الملك عبدالله -حفظه الله- كان يرغب ذلك لمعرفته بنزاهته وكفاءته، وفي اليوم التالي لصدور القرار جاء المكتب وقال: أبذهب إلى المدينة وأبعد عن المكتب لأوسع صدري بعد هذا التكليف.

يأبى استخدام سيارة العمل

وأما ورعه: فقد كان لا يركب سيارة المكتب إلا إذا ذهب بمهمة عمل، ومرة استقبله أحد العاملين معه بسيارة الجهة التي يعمل بها وركب معه على مضض معللاً ذلك - رحمه الله - أنه جاء من رحلة خاصة ولم يكن في مهمة عمل حتى يستخدم سيارة العمل.

العلم الواسع وطلب الملك عبدالله استمراره بالحديث:

أما علمه فهو موسوعة إن كتب أو تحدث أو حاضر.. لكن لم يكن يظهر ذلك إلا إذا طُلب منه ذلك، أو كان لديه محاضرة أو مناسبة، بل إنه أحياناً يجلس صامتاً في بعض المجالس لا يتحدث وهو أعلم الحضور، وقد رفض طباعة أي شيء من بحوثه الكثيرة والمتميزة في الفقه والاقتصاد والحوار والتأصيل.. إلخ.

أذكر أنني حاولت معه الكتابة «بالمجلة العربية» فرفض وكان قد أهداني شيئاً من بحوثه كإهداء خاص فما كان مني إلا أن قمت بنشر ما رأيت أنه يناسب «المجلة العربية».

ومن المواقف التي أذكرها والتي تؤكد سعة علمه واتساع معارفه وجميل حديثه: قمنا بعد أحد لقاءات الحوار الوطني بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بقصره بعد صلاة الجمعة، وفي هذا اللقاء يكون هناك برنامج مختصر قبل تسليم التوصيات له -حفظه الله، وعندما جاء دور الشيخ صالح الحصين قام ليتحدث مرتجلاً واختار لكلمته موضوع «الحوار بالإسلام ولدى الحضارات الأخرى» فأجاد وأبدع ويبدو أن الوقت المخصص لهذا اللقاء محدد حسب ارتباطات واستقبالات خادم الحرمين فما كان من أحد مسؤولي المراسم إلا أن اقترب من الشيخ صالح ولعله أشعره بأن الوقت المخصص لكلمته انتهى، فلاحظ الملك عبدالله ذلك وكان مصغياً ومستمتعاً بالحديث مثلما هم الحضور فأشار بيده -حفظه الله- أن يدعوه يتكلم حتى ينتهي، وأذكر في هذه الكلمة كيف استعرض مسار الحوار بالحضارات القديمة والحديثة بأسلوب جميل ومعلومات موثقة ومقارنات عجيبة حتى انتهى إلى تميز الإسلام بالحوار الذي يلتزم بأدبياته وأهمها: الكلمة الحسنة، والأسلوب اللين، انتهاءً بهامش الحوار الواسع، كما أوضح ذلك النص القرآني المقدس.

وبعد:

بقي أن أدعو في ختام هذه المقالة إلى جمع بحوثه وتراثه وإرثه، وهو متنوع ومؤصل، إذ نحن الآن أحوج ما نكون إليه فقد نهض به عالم يجمع بين فقه الدين وفقه الواقع.. بين منابع الثقافة الإسلامية، ومعارف الثقافة الغربية.

إنني أستشرف أن يتصدى لهذه المهمة العلمية مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني: حفظاً لهذا العلم ونشراً له ووفاءً للراحل الذي كلفه الملك عبدالله بالحوار منذ تبلورت فكرته في ذهن الملك، وأصبح رئيساً للجنة الرئاسة للحوار، ولقد اقترحت هذه الفكرة على أخي معالي أ. فيصل المعمر أمين عام مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي عمل مع الراحل منذ بدء الحوار وقيام المركز والمحب للراحل وأثق باحتفائه بالشيخ وعلمه حياً وراحلاً، كما أني على ثقة أن أسرة الراحل الغالي (من إخوان وأبناء وبنات وأسرة) سوف يتعاونون مع المركز لنشر كنوز الراحل العلمية الذي أبى عليه زهده أن تخرج للناس وهو بينهم، أما الآن فإن إصدارها سيكون صدقة جارية له -بإذن الله- ينتفع بها المسلمون من بعده.

هل وأستمر وأسترسل في سرد مثل هذه المواقف التي عايشتها بنفسي وأزعم أن لدى غيري الكثير منها.

إن عنوان حياته يتشكل من ثلاث مفردات مهمة: تشكل قيم وأعمدة الحياة: العلم- الزهد- النزاهة.

أسأل الله كما زهد بمنازل الدنيا أن يسكنه قصراً في الفردوس الأعلى من الجنة، وكما نذر وقته وحياته للعلم أن يجعله مع الذين ورثهم من الأنبياء، وكما زهد ببهارج الدنيا أن تلبسه الديباج والحرير بجوارك يا أكرم الأكرمين في دارك دار الخلود والنعيم المقيم.

hamad.alkadi@hotmail.com
فاكس: 4565576 ---- تويتر @halkadi

لهذه المواقف والمناقب: أحب الناس الشيخ الحصين وبكوا عليه
حمد بن عبد الله القاضي

حمد بن عبد الله القاضي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة