Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 10/05/2013 Issue 14834 14834 الجمعة 30 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

ستظل (السياسة) الممارسة الذهنية الأكثر تعقيداً على مستوى المعادلات العقلية المرتبطة بالواقع؛ فهي لا تعتمد التفسير المنطقي (الظاهر) للأحداث، ولا الموازنة الفكرية (المعقدة) المبنية على المعطيات الحية للوقائع الناشئة؛ لارتباطها بشكل مباشر ووثيق بالمصالح الحيوية للدولة أو من يتزعمها...

... وهذا ما يفسر البون الشاسع الكبير بين ما يصدع به السياسي وقت الحدث، وما تقوله المذكرات السرية للقادة والزعماء عندما يشيخون أو تتخطفهم المنون.

طرفة بن العبد سبقنا إلى هذا المعنى قبل أكثر من ألف وأربعمئة عام، ليؤكد أنّ الزمن كفيل بكشف أي حقيقة مهما تضافر الثقلان لإخفائها، فلا مناص من إشراق الشمس مهما طال سرمد الليل، يقول:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً

ويأتيك بالأنباء من لم تزود

كانت ولا تزال (المملكة) الأمريكية الحلم الذي يراود الأوربيين منذ أمد بعيد حتى جاء الوقت الذي (استولوا) فيه على أرض (الأحلام) كما كانوا يسمونها؛ لتكون مهبط آمالهم وحرياتهم ومهوى تطلعاتهم، ليبتدئ تاريخ هذه القارة الأم مع أولى خطوات الرحالة اليهودي كريستوفر كولومبس على سواحلها أطلال القرن الخامس عشر الميلادي، أما الكونكيستدور الإسباني خوان ليون، فقد كان دخوله إلى (لا فلوريدا) كما سمّاها البداية الحية لانتشار المستوطنات في هذه البلاد المكتشفة حديثاً (أمريكا)، بعد أن تقاسم هذه الأرض الفرنسيون والإنجليز والهولنديون، أما السكان الأصليون الذين كانوا يسمون بالهنود الحمر فلا مكان لهم بين الأوربيين الشقر، فلم تشفع لهم الأربعون ألف سنة التي قضوها على ظهر هذه القارة، بل كانت سبباً لاضطهادهم وإبادتهم فأفلام الرسوم المتحركة مازالت تسخر وتتهكم بهم على مدار الساعة.

استمرت القارة (المتأمركة) في تبعيتها للأوربيين حتى جاء الوقت الذي أعلن فيه أبناء القارة العجوز انفصالهم عنها؛ لتكون أطلال القرن الثامن عشر الميلادي النهاية الفعلية للتبعية البريطانية (العظمى) - كما يسمونها - لتقف الدول الأوروبية كفرنسا، وإسبانيا، مع الأمريكيين حتى اعترفت (العظمى!) باستقلال أمريكا؛ ليبتدئ عهد أمريكي جديد بقيادة جورج واشنطن.

الحقيقة الغائبة أو (المغيَّبة) إن صح التعبير؛ تؤكد أن العرب أول من نجح في عبور المحيط الأطلسي، ليصلوا إلى الشواطئ الأمريكية قبل أن تلقي (سانتا ماريا) مراسيها على سواحل (الأمريكية) ويطأ أرضها الرحالة كريستوفر كولومبس, لينتقل إليها بعد ذلك الأوربيون بنهم شديد باعتبارها الأرض الحالمة التي ظلت تنتظر وصولهم لعقود، هذا الاعتقاد دفعهم لإبادة السكان الأصليين (الهنود الحمر) الذين قال عنهم البابا يوليوس الأول: (نعم الهنود الحمر بشر وتجري معاملتهم طبقاً لذلك)، ولا أعرف إن كان البابا يعتقد أن هناك مخلوقات أخرى تشبه البشر تسكن في الجزء الآخر من الكرة الأرضية! فعباراته توحي بتردده الكبير في وصفهم بـ(البشرية)، هذا التقهقر هو الذي دفعهم لطمس كل معالم الحضارة القديمة التي وجدت على القارة الأمريكية الشمالية، فالأوربيون (سابقاً) والأمريكيون (حالياً) لم تكن العبودية - التي أكدوا سننها - تخضع لشروط أو قوانين، فقانون الذل هو المسيطر على كل توجهاتهم في هذا الشأن، فالسكان الأصليون وأصحاب البشرة السوداء الذين تم استعبادهم هناك قاسوا الأمرين حتى أنصفتهم ثورات العالم الجديد.

يذكر الشريف الإدريسي المتوفى سنة 559هـ الموافق 1164م في كتابه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق)، حكاية الشبان المغرورين الذين عزموا الإبحار في بحر الظلمات (المحيط الأطلسي)، وكان لهم ما كان، ليشير إلى أن عددهم كان يقرب العشرين شاباً، انطلقوا من مدينة (لشبونة) قاصدين أقصى البحر لعلهم يصلون إلى مآله، وكان معهم من الزاد والماء ما يكفيهم لمدة طويلة، فأبحروا حتى وصلوا إلى قلب المحيط ليرسوا مركبهم على ساحل إحدى جزر الكناري القريبة من الشواطئ الأمريكية.

ويشير الجغرافي الدمشقي شهاب الدين أحمد بن فضل الله العمري المتوفى سنة 750هـ الموافق 1349م في كتابه الموسوعي (مسالك الإبصار في ممالك الأمصار) بشكل صريح إلى وجود أمريكا، واحتواء هذه الأرض على مختلف المخلوقات الحية، كان ذلك قبل قرن ونصف من اكتشاف كولومبس للقارة الأمريكية الشمالية!

أما علي بن الحسين المسعودي المتوفى سنة 346هـ -957م فيتناول في كتابه (مروج الذهب ومعادن الجوهر) حكاية البحّار ابن سيد القرطبي الذي رسم لرحلته طريقاً فريداً يمكنه من الوصول إلى الضفة المقابلة من المحيط وبالفعل كان له ذلك؛ حيث أبحر من الشاطئ الغربي للأندلس عام 276هـ - 889م، ليصل إلى شواطئ القارة الأمريكية الشمالية ليرسم بعد هذه الرحلة خريطةً متقنة تصف هذا الطريق بإتقان، ليطلق على هذه البلاد المكتشفة الأرض المجهولة، كل هذه المعلومات وغيرها وثقت في بطون المخطوطات العربية التي احتفظت بها المكتبات الأوروبية لقرون، وجُلُّها يؤكد بالأرقام أسبقية العرب في اكتشاف القارة الأمريكية الشمالية.

من حق القارئ أن يسأل: ما الذي جعل العالم يعتقد أنّ كريستوفر كولمبس هو أول من اكتشف أمريكا؟

اكتشاف اليابسة في أي موقع من الكره الأرضية ليس بالأمر الجلل، وبخاصة إذا كان ذلك من قِبل بحارة أو هواة لا يمثلون نفوذاً عسكرياً لأي دولة كانت، لقد تأكد كولمبس من وجود القارة الأمريكية الشمالية وجمع المعلومات وحصر الخرائط البحرية التي تمكنه من الوصول إليها، ولم يتبق لديه سوى إغراء الملكة الإسبانية إيزابيل عام896هـ الموافق1492م بالغنائم ومد النفوذ في الأرض الجديدة، وبالفعل كان له ذلك لينطلق الأسطول الضخم بإمرته، وبصفته ممثلاً شرعياً للمملكة الإسبانية، فقد عرف هذا الرجل أنّ الاكتشاف بحد ذاته لن يجدي، وإلا ما الذي دعاه لحشد أسطول كبير تجاوزت سفنه الست عشرة سفينة وتجاوز ملاحوه الألف وأربعمئة! إلاّ معرفته الدقيقة بالمكان الذي لم تطأه قدماه من قبل، وأنّ الدخول العسكري لهذه القارة سيكون بمثابة الاكتشاف الأول والفاتحة الكبرى له، وأنه سيمنح على أثر ذلك رتبة أمير البحار والمحيطات بقرار ملكي إسباني عوضاً عن المكاسب المادية التي سوف يحصل عليها! ولم تكن هذه الاتفاقية الحساسة إلاّ بعد تقديمه ضمانات قطعية للبلاط الإسباني أنّ ما يسعى وراءه هو واقع حي لا تفصله عنهم سوى أيام معدودة! أما الروايات الأمريكية عن تدرج اكتشاف كولمبس للقارة الشمالية، فهي غير صحيحة ولا تستند إلى دليل.

يخطئ البعض عندما يصور الديمقراطية الأمريكية بأنها النموذج الإنساني (الحي)، مغفلاً ما يجب وما لا يجب في قائمة الحريات الرأس مالية في الخمسين دولة الفتية، التي يحكمها النظام الدستوري الفيدرالي، الذي لا يتردد في طمس أي قانون، لا يتماشى مع المصالح الكبرى للإمبراطورية الأمريكية.

Alfaisal411@hotmail.com - تويتر: alfaisalmohmmed@
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود

سؤال... قبل أن تشيخ القارة العظمى
محمد بن عبد العزيز الفيصل

محمد بن عبد العزيز الفيصل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة