Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 11/05/2013 Issue 14835 14835 السبت 01 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

تهيأ لي بدعم كريم من وزارة التعليم العالي وجامعة الملك سعود أن أحضر المؤتمر السنوي للجمعية الأمريكية للبحوث التربوية الذي عُقد هذا العام في مدنية سان فرانسيسكو، بحضور أكثر من خمسة عشر ألف حاضر ومشارك. كانت مراقبة تنظيم وتنسيق وتوجيه هذا العدد مذهلة في حد ذاتها. كيف تم تنظيم محاضرات المشاركين وورش العمل ونقاشات الطاولات المستديرة وحلقات (البولستر)؟؟ كيف تمت إدارة الحاضرين وحل مشكلاتهم وتوجيه ضياعهم (وما أكثرها: اسألوني؟؟)...

... وتقديم كل سبل المساعدة بنفس رائقة ولطف جم وابتسامة لا تغيب؟ كيف تم الإشراف على إتمام عمليات التسجيل والتوزيع على ورش العمل وإمدادها بالفنيين اللازمين؟.. كيف تمت كل هذه الانسيابية الرائعة بتنظيم جهود آلاف المتطوعين، وتحديد كل ما يجري مثل الساعة، إلى درجة أن الجمعية على موقعها قد حددت سلفاً مكان وزمان انعقاد مؤتمرَيها السنويَّين المقبلين للعامين 2014 و2015!

ليس أبلغ من رسالة المؤتمر ما سطره رئيسه وليام تيرني في كلمته حول المؤتمر قائلاً: مللت من إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قِبل كتاب مجهولين. سئمت الشتائم. دورنا هنا في هذا المؤتمر هو إعادة الحياة لما نسميه المحادثات الإنتاجية حول طبيعة التعلم والمعرفة والإصلاح، عن طريق تفاعلنا مع بعضنا البعض بطريقة منتجة ومدروسة. المؤتمر يعطينا فرصة لإظهار اختلافاتنا علناً بعد دراستها، والتأكد منها علمياً عن طريق البحوث والدراسات المراجعات. سيعمل هذا المؤتمر بكل نشاطاته على تحدي افتراضاتنا المسبقة التي نحملها ونتعصب لها بدلاً من تأكيدها ببساطة دون أدلة علمية موزونة. (من يري حال توتير في بلادنا يدرك إلى أي درجة هذا الكلام صحيحٌ؛ إذ تقرأ التهم والإساءات والتسرع في الأحكام على الناس والوزارات كافة وعلى الكثير من المكتسبات الوطنية دون أدلة منطقية. فقط لوجود مساحات للرأي، ربما يكون أصحابها مجهولين فيلوحون ويرمون الجميع بالبيض والطماطم من خلف نوافذهم التوتيرية بعد تأكدهم ألا أحد يعرف من هم)!

وسط كل ذلك تأتي بعض المحاضرات الرئيسة، التي كان من أجملها تلك التي ألقاها رئيس الجمعية نفسه، الذي قدَّم خطاباً مذهلاً، بدأه بكلمة: السلام عليكم. وتحدث فيه عن تجربته العميقة والمؤثرة في تعلم اللغة العربية في مدينة فاس بالمغرب بواسطة معلمه جميلي حافظ القرآن، وكيف أن علاقاتهما الإنسانية مكنتهما من البقاء صديقَين مدى العمر، على الرغم من اختلاف معتقداتهما الدينية، وعلى الرغم من شهادة هارفارد التي يحملها د. وليام في حين لا يحمل جميلي سوى حفظه القرآن وعمله في تدريسه في مسجد القرية القاصية التي قصدها الدكتور لتعلم اللغة العربية. المحبة والعلاقات الإنسانية بين طرفي العلاقة في التعلم كانتا المحفز الأساسي للتعلم.

ناقش الرئيس أيضاً مفاهيم الفقر والبطالة المنتشرة في الولايات المتحدة وغيرها من الدول، وكيف ستعمل بحوث المؤتمر النظرية والتطبيقية والتتبعية التي ستعرض في المؤتمر على تتبع الفجوة الهائلة التي يحدثها اقتصاد اليوم في ملايين الأسر، وكيف يحدد ذلك فرص أبنائهم في الدراسة، خاصة إكمال التعلم الجامعي. أثبت المحاضر أنه مهما كان نوع الشهادة الجامعية التي يدرسها الطالب (نظرية أو علمية أو تطبيقية) فقد أثبتت الإحصاءات أنها تحقق دخلاً أكثر من عمل الطالب بالشهادة الثانوية أو شهادة الدراسة لسنتين مثلاً بعد الثانوية؛ ما يدفعنا للتفكير بمزيد من الطرق التي تساهم في إتاحة فرصة التعليم الجامعي، ليس لأبناء القادرين بل لأولئك الذين يعجزون عن الوصول إليه من الفقراء والمعزولين في قرى نائية وغير الممكنين ضمن نظام العلاقات الاجتماعية والحكومية؛ فهم من تحتاج الدولة إلى متابعتهم وتحسين مستواهم لا القلق على أبناء المدن والذوات.

الفقر في علاقته بالحركة الاجتماعية بين الطبقات والدورة المغلقة التي يُحجز الفقراء فيها معروفان علمياً، لكن نتائجهما الدقيقة والمباشرة والشخصية لم تتم تتبعها بدقة من قِبل الكثير من الباحثين؛ فجاءت بعض جهود هذا المؤتمر لتوجه الأنظار إلى أهمية الدعم الحكومي والأهلي لجهود مكافحة الفقر، ليس من باب كون ذلك عملاً خيّراً يكافَأ الفرد عليه تقديراً اجتماعياً أو أجراً بل هو ضرورة لتحقيق مفاهيم العدالة الاجتماعية؛ إذ يكون هناك التزام مباشر من الأفراد والجماعات (على مستوى أهلي) ومن الحكومات (على المستوى الرسمي). ويمكن للمعلمين والتربويين - باعتبارهم عاملين ضمن الإطارين - أن يساهموا بشكل مباشر عبر الرعاية الإنسانية لتلاميذهم من الفقراء بتحفيزهم ومنحهم المحبة والتقدير الذاتي والتفهم، ليس فقط لفقرهم المادي بل للفقر الثقافي والمعرفي الذي يعيشونه؛ إذ تكون مستويات أدائهم أقل من نظرائهم في العادة، بغض النظر عن مستويات الذكاء؛ فوالدا الطفل المعوز لا يجدان الوقت ولا المال للجلوس مع أطفالهما والقراءة لهم مثلاً؛ إذ ظهر من بعض الدراسات التتبعية أن مستوى النمو اللغوي لهؤلاء الأطفال ونسبة تفهمهم المفاهيم العلمية والرياضية أقل، ليس لأنهم أقل ذكاء بل لأن المعلومات جديدة عليهم بعكس من يعيش في بيئة متوازنة مادياً واجتماعياً؛ فيتاح لهم من المصادر الثقافية والتنقل والألعاب ما لا يُتاح للفقير. هنا يصبح دور التربوي معلماً أو مديراً حاسماً في توجيه هؤلاء الأطفال ومساعدتهم على التغلب على تعثرهم. ولنعرف ذلك جدياً أرجوكم الاستمتاع بمشاهدة الفيلم الأمريكي المشهور (لين أون مي) أي (استند عليّ) للممثل المشهور مورجان فري مان، الذي يلعب فيه دور مدير مدرسة ثانوية في أحد أحياء هارلم الفقيرة في الثمانينيات، والذي من خلال تفهمه ودعمه وحبه الحقيقي لطلابه وإخلاصه في عمله تمكن من رفع مستوى المدرسة وطلابها ليتجاوزوا امتحانات القبول في بعض الجامعات العريقة، وتصبح واحدة من أحسن مدارس نيويورك بعد أن كانت أسوأها.. ألم نقل إن المعلم المحب هو الورقة الرابحة في العملية التعليمية؟

كيف يكون المعلمون منبعاً للتغيير والمحبة؟
د. فوزية البكر

د. فوزية البكر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة