Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 12/05/2013 Issue 14836 14836 الأحد 02 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

كان لابد وأن أقرأ هذا الكتاب (خواطر مصرحة - يليه رد يوسف ياسين).. للأديب الناقد أو الناقد الأديب الأستاذ حسين محمد بافقيه، صاحب المنهجية الأكاديمية البحثية الشجاعة.. التي استلفتت انتباهي وإعجابي منذ تلك الساعة التي جمعتني به..

فوق منصة قاعة الملك فيصل - بفندق “إنتركونتننتال” الرياض - لتقديم (شخصية العام) في حفل مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة عام 1426هـ: لأكبر نقاد الجزيرة العربية وأهمهم..الأستاذ الأديب والناقد الفنان (عبدالله عبدالجبار)، والذي شارك فيه كل من الأستاذين الدكتورين: عبدالمحسن القحطاني.. من خلال ترؤسه لجلسة التقديم، وعبدالله العسيلان..

من خلال عضويته فيها، والبحث اللغوي الذي قدمه عن إبداعات الأستاذ عبدالجبار الأدبية ودراساته النقدية..

في تلك الليلة، التي قلت عنها (كأنها ليلة من ليالي الحرية).. والتي نُقلت تلفزيونياً..على الهواء مباشرة من (القاعة)، ولم أكن أعلم بذلك..من قبل.

نعم، كان لابد وأن أقرأ هذا الكتاب.. الذي أهدانيه أخي الأستاذ حسين بافقيه منذ عشرة أشهر، وحرص على إيصاله ليدي مشكوراً..

لأكثر من سبب، فالكتاب عن (العواد): الشاعر والأديب الرائد..

صاحب أول شموس التنوير الذهبية التي أشرقت على شبه الجزيرة العربية من (حجازه)..

بعد الحرب العالمية الأولى، وفي لحظات شفق المغيب للعهد (الهاشمي)..

وشروق عهد الملك عبدالعزيز بعد بيعته في (الصفا) في السادس من يناير من عام 1926م، فـ (العواد) هو من هو بالنسبة لي: أستاذاً ومعلماً و(عَمّاً) بالرضاع..

قدَّم أول مغامراتي أو شخبطاتي أو هوسي بـ (الكلمة) و(الفكر)..

أكبر وأجمل تقديم لشاب عشريني يتعثر بخوفه وقلمه في كتابه الأول (لمسات)، يضاف إلى ذلك أن كتاب الأستاذ بافقيه..

تضمن النص الكامل لـ(الطبعة الأولى) من كتاب الأستاذ (العواد) الأجرأ والأشجع وربما (الأخطر) بمعايير ذلك الزمان: (خواطر مصرحة)، الذي طبعته المطبعة العربية بمصر على نفقة (المكتبة الحجازية بمكة المكرمة) عام 1345هـ - 1926م، كما تضمن ردود الشيخ يوسف يس العشر..

على ما جاء في الكتاب، والتي اختار أن يوقعها وهو رئيس تحرير الصحيفة الوحيدة آنذاك - في العاصمة (مكة) المكرمة حرسها الله -: (أم القرى) التي نشرتها.. بتوقيع (قارئ)، كما تضمن وهو الأجمل والأهم تلك المقدمة التاريخية (البانورامية).. التي كتبها الأستاذ بافقيه بروح (الأديب) وقلم (المؤرخ) في إثنين وثلاثين صفحة بعنوان هو الأجمل لكتاب كهذا بطروحاته وأفكاره..

مضى على إصداره ثمانية وثمانون عاماً هو: (خواطرمصرحة.. كم بقي من الذبالة.. ؟)، لأكتشف بعد قراءتها..

بأنه لم يبق في الذبالة من تلك الأفكار التنويرية التي طرحها (العواد) وتحمل في سبيلها الفصل من عمله، والمصادرة لكتابه، والعداء ممن كانوا في مرمى أفكاره.. إلا القليل، الذي لولا ولاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، التي جادت بها الأقدار.. فلربما لم يتحقق منها شيء!! خاصة فيما يتعلق بحقوق (المرأة) ومساواتها، والتمدد في بناء الجامعات لا مركزياً..

حتى لم تبق منطقة - أو تكاد - من مناطق المملكة إلا وأصبح بها جامعة أو أكثر، فالتوسع في فرص الابتعاث لجامعات العالم.. وبما يحقق المساواة بين القادرين وغير القادرين عليه من أبناء الوطن..

يضاف إلى ذلك إقامة جامعة «كاوست».. بكل وهجها وسويتها.. والتي تعتبر مجتمعة أبرز سمات عهده حفظه الله.

***

ربما توقع أخي الأستاذ بافقيه.. أن (ردود) الشيخ يوسف ياسين على (العواد) وكتابه الرائد، التي التقطها بروح الباحث الواعي المتيقظ من أرشيف صحيفة (أم القرى) إبان رئاسته لتحريرها..

ستكون (هي) عصب كتابه، والنقطة الأشد جذباً إليه.. من قبل المعنيين من المفكرين والباحثين والمؤرخين إلى جانب صفوة القراء، وهو على حق في توقعه هذا دون شك..

لو أن الشيخ يوسف كان يعبر في ردوده تلك عن فكره وآرائه الخاصة المتفقة أو المختلفة أو حتى المتصادمة مع آراء (العواد).. من موقعه كـ(أديب) أو (مثقف) معني بحركة التطور في المجتمع أو حتى من موقعه الفعلي كرئيس لتحرير الصحيفة التي نشرتها له باسم مستعار هو (قارئ)..!!، ولكنه وهو الموظف الكبير بـ(الخارجية) وقد أصبح وزيراً لها في بدايات تكوينها..

كتب ما كتب بإيحاء من رأس الدولة - الملك عبدالعزيز - الذي أراد بحكمته السياسية (احتواء) الأزمة التي صنعها كتاب (العواد) مع عدد من فئات المجتمع..

كان في مقدمتهم: المطوفون، وأساتذة مدارس الفلاح التقليديون ودراويش الأذكار في (الزوايا) و(الحضرات)، ومحررو صحيفة (أم القرى).. الذين كان معظمهم - إن لم يكن جميعهم - من غير أبناء الوطن أو مكة على وجه الخصوص آنذاك..

بهدف استرضائهم والانتصاف لهم أو تطييب خواطرهم على الأقل، وقد طالبوا مجتمعين ومتفرقين بعد صدور الكتاب وانتشاره وقبل مصادرته..

بإعدام العواد أو سجنه سجناً مؤبداً أو نفيه من البلاد، ولكن الملك ونائبه (فيصل) لم يستجيبا لأي من تلك المطالب.. المتهورة، لتنتهي (الزوبعة) إلى ما ارتآه نائب الملك، وقد جمع - من نالتهم سهام الكتاب - في مكتبه ليخبرهم.. قائلاً - وكما جاء في مقدمة الأستاذ بافقيه -: (كيف نطبق هذا على شاب حديث السن كتب آراءه، ولم يخالف القانون المطبق في البلد، وبالتالي لم يصنع أي ضرر، وإنما هي أفكار كتبت بالقلم، فإذا أردتم أن تحاربوه، فحاربوه بالقلم نفسه)؟! على أي حال..

قرأت حلقات ردود الشيخ يوسف ياسين العشرة، والتي كانت مفاجأة لي بحق، والتي يحمد للأستاذ بافقيه..

صبره في التنقيب عنها في بطون أرشيف ا لصحيفة، والوصول إليها رغم بُعد السنين التي كتبت فيها، ومن ثم جمعها، ونشرها متسلسلة.. دون أدنى ارتباك..

ليرى قراؤها حجم تهافت الشيخ يوسف ياسين، وتمحكاته.. بل وسقطاته عندما اتهم أدباء المهجر (نعيمة، وجبران، والريحاني، وإيليا) في لغتهم العربية وأساليبهم الحديثة التي جعلت منهم (مدرسة) يؤمها آلاف المثقفين العرب من كل أصقاعهم..

بأن (بينهم وبين أسلوب اللغة العربية الفصيح ألف وثلاثمائة سنة ونيف)!! وعندما هدته أو حطت به سخرياته..

ليقول في ثاني تلك المقالات العشر إنه: (يوصي من اقتنى كتاب حسن عواد أن يحرص عليه، لأن حسن عواد إن زاده الله بسطة في العلم وبسطة في المال فسيشتري الكتاب بأضعاف مضاعفة لكي لا يذكر له الناس مثل تلك الأفكار التي جاءت فيه)!! وقد استجاب الله لـ(دعاء) الشيخ يوسف يس المشروط..

فزاد الله (العواد) بسطة في العمر، والقيمة والمكانة، ولكنه لم يستعد شراء نسخ الطبعة الأولى لكتابه..

من أيدي القراء أو المكتبات..

ولكنه أعاد طباعته بعد خمسة وثلاثين عاماً (1960م) من سؤال أجيال القراء المتعاقبة عنه، وتعلقهم بـ(الكتاب) وبحثهم عنه لشرائه..؟؟ وهو ما رآه بعينه وعاشه بنفسه الشيخ يوسف ياسين.. قبل أن يلحق بربه بعد عامين..!!

***

بعد فراغي من قراءة ردود الشيخ يوسف ياسين المتمعلمة، التي استغرقت من صفحات الكتاب قرابة أربعين صفحة..

وقد استقرت في الجزء الأخير من كتاب الأستاذ البافقيه، الذي استهوتني مقدمته التاريخية الأدبية الشجاعة الشاملة والباذخة بأكثر مما استهوتني قراءتي لـ(ردود) الياسين..

كان هاجسي القديم، بأنني لم أطلع على الطبعة الأولى من كتاب (خواطر مصرحة)..

يعاودني، فلِمَ لا أقرأها - الآن - وقد أصبحت بين يدي مجدداً.. من خلال كتاب البافقيه التوثيقي هذا لـ(الطبعة الأولى)..؟؟ لتعود بي قراءاتي لتلك الطبعة إلى سنوات العشرينات من القرن الماضي (1925م)..

وما قبلها وما حولها) بأجوائها الأدبية والسياسية وقلتها وتخلفها ودروشتها..

إلى جانب آثار صراعها السياسي في دول المشرق العربي (مصر وسوريا والعراق) بين المتمسكين بـ(سايكس/ بيكو) من البريطانيين والفرنسيين، والمطالبين بحقوقهم في (الاستقلال)..

وفقاً لمبادئ أطول مؤتمر للسلام عقد في باريس (1919م)، بعد الحرب العالمية الأولى واستغرق عشرين شهراً..

حيث ظهر في القاهرة فيما بعد كتاب - الشاب - الدكتور طه حسين (في الشعر الجاهلي) الذي يشكك في الكثير مما جاء في ذلك الشعر، وفي الروايات المتداولة آنذاك على مختلف الأصعدة، بينما ظهر في (جدة) كتاب هذا الشاب العشريني (محمد حسن عواد) (خواطر مصرحة).. والذي يتحدث عن الحجاز ومملكته في عهد الأشراف، وعن رفضه للكثير مما كان قائماً.. وتطلعه لحاضر جديد، ومستقبل مختلف..

بادئاً بـ(مداعبة مع العلماء)، فحديث عن أمة الحجاز (المهملة)، فدرس في الوطنية عن (الأمة الإفرنسية)، فصورة عن (الحجاز بعد 500 عام) كما رسمها خياله، فدعوته إلى (التربية الإفرنجية) التي تأخذ من بريطانيا أسلوبها في تربية النشء، ومن فرنسا..أساليبها في الزراعة، ومن ألمانيا.. طرائقها في التعليم، وهو ينادي بـ (حاجتنا إلى اللغات الأجنبية)..

فسؤاله للمرأة (كيف تكونين)..

إلى أن تسائله فكرته (فكرتي تسائلني): (لِمَ لا تعنى مدارسنا بتقرير: درس السياسة في نظامها)..؟ وإلى أن يسأل العواد أحد مثقفي الهند آنذاك من زوار جدة عن (طاغور) المفكر والشاعر والفيلسوف الهندي الكبير؟ ليرد عليه بسؤال آخر: (وهل نجد عندكم في الحجاز طاغور آخر)..؟ فـ(انكمش العواد) لتتدفق أسئلته بعد ذلك حسرة على الحجاز وحظه العاثر: أين الرجال المتميزين في السياسة.. في الأدب.. في الوطنية.. في العلم.. في خدمة الحضارة.

هكذا.. مضى (الكتاب) الذي أسعدتني قراءته..

ربما للمرة الثالثة أو أكثر، إلا أن عجبي ظل باقياً: لِمَ حوكم صاحبه..؟! وقد كان الأجدر أن يكرم ويحتفى به، وهذا هو ما فعله تاريخ الأستاذ (العواد) من بعد..

ويفعله اليوم الأستاذ حسين محمد بافقيه بـ(إعادة) طباعة (الجزء الأول) والأهم من الكتاب بمقدمته الفائقة، وردود الشيخ يوسف ياسين المتخاذلة والمتحاملة، وكأنه..

يذكرنا جميعاً - وقد أصبح الحجاز..

جزءاً جوهرياً في كينونة (المملكة) التي تم إنجاز وحدتها والإعلان عنه في سبتمبر من عام 1932م.

بحاجتنا إلى (خواطر) جديدة.. من نوع جديد.. لزمن جديد..!

dar.almarsaa@hotmail.com
جدة

(البافقيه).. و(العواد) وخواطره..؟!
د.عبدالله مناع

د.عبدالله مناع

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة