Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 13/05/2013 Issue 14837 14837 الأثنين 03 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

متابعة

الحد الفاصل بين استقرار واضطراب المجتمعات والدول هو تلك النقلة النوعية من مرحلة الحكم بالتطويع إلى الحكم بالاستحقاق، أي الانتقال من دولة السلطة الأمنية إلى دولة السلطة القانونية.

من الملاحظات المحبطة على النخب العقائدية التي استلمت مؤخرا الحكم من أنظمة التطويع الدكتاتورية في دول الربيع العربي، أن هذه النخب الجديدة تتمتع بنفس العمى السياسي مثل سابقاتها من الأنظمة التي أطاحت بها الاحتجاجات الجماهيرية. هذه النخب العقائدية الجديدة، كما هو واضح من تصرفاتها ومناوراتها الحزبية والسياسية، عازمة بدورها على الاستمرار في تطبيق أنظمة التطويع الجبري، ولم تفكر بعد بحتمية الانتقال إلى مرحلة الحكم بالاستحقاق الجماهيري، مما يعني البقاء في مرحلة دولة التطويع بدلا من الانتقال إلى دولة الحقوق.

عندما ندقق فيما يحصل في مصر وتونس وليبيا، ومن قبلها العراق (و سوريا كما يبدو على الطريق) نجد أن خلاصة ما يجري هي استبدال حكم الفرد الجامع لكل السلطات في يد واحدة، ليحل محله حكم النخب العقائدية المتحكمة (مصلحيا) بكل السلطات في الحكومات الجديدة. المراحل القادمة في هذه الدول تنذر بما هو أشد سطوة وأقسى قبضة من حكم الفرد. النموذج الجاهز لذلك هو نظام الجمهورية الإسلامية في إيران. مثلما أن المرجعية الأخيرة والمنزهة اعتباريا عن احتمال الخطأ والظلم في إيران هو المرشد الأعلى الولي الفقيه نائب الإمام المنتظر، فكذلك المتوقع في دول ما بعد الربيع العربي العقائدية أن تكون فيها المرجعية في يد المرشد العام، الذي بدأ بالفعل يمد هذه اليد لأتباعه أمام الجماهير ليقبلوها تعبيرا عن القبول بالتطويع الشامل. التوقف عند هذه المرحلة من أساليب الحكم في البلاد الإسلامية يعني أن العواصف والاضطرابات الجماهيرية لن تهدأ حتى يتم الانتقال إلى دول الحكم بالحقوق.

واقع الحال هو أن الحكومات الإسلامية كلها، ماعدا اثنتين أو ثلاث، تمارس مع مواطنيها أسلوب الحكم بالتطويع، أي التطبيق الفوقي لمرئيات ومصالح النخب في رأس الهرم الاجتماعي، قبل الاهتمام أولا بمرئيات ومصالح الطبقتين الأكبر، الوسطى والتحتية.

هذه النخبوية المتجذرة في الدول الإسلامية منذ قرون ترتبت عليها منظومة تاريخية ملفتة للنظر، هي اجتماع التخلف العلمي والتقني مع شمولية الفقر مع ضيق هامش الحريات الحقوقية. هذا يعني اجتماع المصائب الثلاث داخل الدول التي تطبق الوصاية النخبوية على مواطنيها، وللغرابة في ظل أنظمة تبرز أمام البرلمانات العالمية ما لديها من مجالس الشورى أو البرلمانات الإسلامية.

في الكفة الأخرى هناك دول محرومة من نعمة ووضوح المرجعيات الشرعية السماوية، ولكن هذه الدول إلا فيما ندر تطبق على مواطنيها أنظمة دول الحقوق، بمعنى أنها قد انتقلت بالفعل من مراحل التطويع السلطوي إلى إدارة شؤون بلدانها بالاستحقاق الجماهيري وتقديم تطلعات الطبقات الوسطى والتحتية على التحالفات النخبوية لسكان قمة الهرم الاجتماعي.

يلفت النظر في هذه الدول تلاشي أو حتى غياب التخلف العلمي والتقني وتقلص رقعة الفقر واتساع هامش الحريات المدنية. هذه الدول التي لا تدعي لنفسها شرف تطبيق شرائع سماوية، تتواضع في تطلعاتها بالبقاء على الأرض، محاولة البحث عن الأنسب لإدارة شؤون البلاد والسكان والثروات بمقاييس عقلانية قابلة للتعديل والتبديل حسب المتغيرات والمستجدات.

بوصلة التاريخ تشير إلى أن بقاء الحكومات والدول والأوطان مرهون بالانتقال من مراحل دول التطويع إلى مراحل دول الحقوق.

إلى الأمام
مستقبل دول التطويع ودول الحقوق
د. جاسر عبدالله الحربش

د. جاسر عبدالله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة