Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 16/05/2013 Issue 14840 14840 الخميس 06 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

مازلنا في صدد الحديث عن أهمية كتاب “الأمن أولا.. قبل الندم! مفارقات التعايش مع القنبلة” لكون كاتبه مايكل كريبون هو منظر ورجل ميدان متمرس.. فهو يدرس في الجامعة وأمضى شوطا كبيرا من حياته المهنية في السعي للحيلولة دون وقوع انفجارات ضخمة؛..

... فقد عمل لدى الكونغرس الأمريكي، وكان أحد أعضاء السلطة التنفيذية لإدارة الرئيس جيم كارتر، وأمضى الشطر الأكبر من وقته في العمل في الميادين الخارجية، ومن هنا تظهر أهمية هذا الكتاب الاستراتيجي. توقفنا الأسبوع الماضي في السمات الأخرى المميزة للعصر النووي الثاني ومن ذلك إمكانية انهيار الدول المتوفرة على أسلحة نووية، أو حدوث اضطرابات أخرى يمكن أن تفضي إلى فقدان السيطرة على القنبلة أو مكوناتها الأساسية.

ولقد ساد مثلا خلال العصر النووي الثاني، شعور بالخوف من انهيار باكستان، أو من سيطرة عناصر متطرفة فيها إذا قدر الله، يعملون على فرض سيطرتهم على أسلحة البلاد النووية وما فيها من مواد انشطارية.. وعلى الرغم من ضعف سلطة الحكومة الباكستانية على المناطق الحدودية مع أفغانستان، وفي مواقع أخرى تقع على المحيط الخارجي للبلاد، فإن من غير المرجح العثور في هذه المناطق على أي أسلحة نووية ومواد انشطارية، تعود إلى المؤسسة العسكرية الباكستانية. وإذا كان على باكستان، أن تسقط في هاوية الفوضى، فإن الوحدات المكلفة بحراسة الأسلحة النووية، ستقوم بحماية تلك الأصول بالعزيمة الصلبة ذاتها التي تصدت بها القوات العسكرية الصينية، لهجمات الحرس الأحمر في أثناء الثورة الثقافية؛ وعلى أي حال، فإن التهديد الأكبر الذي يمكن أن يسبب زعزعة الاستقرار النووي، وانهيار منظومات القيادة والسيطرة في باكستان، يُمثل بتصدع الجيش وانقسامه على نفسه، لا باستيلاء العناصر المتطرفة على السلطة في البلاد.

إن هاجس انهيار باكستان، يكمن بشكل بارز في الكوابيس النووية؛ فالانفجار الداخلي لدولة مسلحة نوويا، قد حدث بالفعل؛ فانهيار الاتحاد السوفييتي، قد أذن ببداية العصر النووي الثاني موجدا فرصا غير مسبوقة “للانشطار” النووي. وقد كان لدى الاتحاد السوفييتي، ساعة تفككه، 27 ألف سلاح نووي، وما يكفي من البلوتونيوم، واليورانيوم المخصب بدرجة عالية لإنتاج تسعين سلاحا آخر. وهذه بالضرورة تقديرات تقريبية.. فلا أحد كان ملزما بالاحتفاظ بحسابات دقيقة خلال الحكم السوفييتي. وكانت القنابل والمواد التي تدخل في صناعتها، تحظى بحماية جيدة، وليس هناك مؤشرات على حدوث انهيارات في نظم القيادة والتحكم في المؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن الداخلي للدولة السوفييتية. وعلى الصعيد ذاته، فإن الأساليب الوحشية التي تتبعها الدولة الشمولية في قمع من ينشق عليها، تشكل أمثولة رادعة لكل من تبلغ به الحماقة حد التفكير في سرقة سلاح نووي أو مواد انشطارية من المنشآت المحصنة التي يتم إنتاجها فيها.

وكما يكتب عن حق مايكل كريبون فعندما فُتت الاتحاد السوفييتي، كانت أسلحته النووية مخزنة في أكثر من خمسين موقعا؛ ومن ذلك أربعة في أوكرانيا، وثلاثة في كازاخستان، فورثت الأولى على الفور أفضل قطع أسطول البحر الأسود السوفييتي، ومصانع رئيسية لإنتاج الصواريخ و176 صاروخا باليستيا عابرا للقارات، وما يناهز خمسة آلاف سلاح نووي مما جعلها ثالث أكبر بلد نووي في العالم؛ حيث تجمع لديها من الأسلحة النووية أكثر مما تمتلكه بريطانيا وفرنسا والصين مجتمعة. وآل إلى الثانية، مجمع رئيسي لإطلاق المركبات الفضائية، ومنشآت متطورة للتتبع الفضائي واستخدامات الليزر، وموقع للتجارب النووية، و104 صواريخ باليستية عابرة للقارات، و1410 أسلحة نووية؛ فتحولت كازاخستان بذلك إلى رابع أكبر قوة نووية في العالم.. أما ميراث روسيا البيضاء النووي، فكان أقل إثارة للمشكلات؛ لأن قادتها في مينسك، كانوا يميلون إلى الإبقاء على علاقات وثيقة بموسكو.. ومن ثم لم يكونوا ليرغبوا في الاحتفاظ بالأسلحة النووية التي حصلوا عليها مؤخرا.

وعلى أية حال كما يلاحظ مايكل كريبون فإن أوكرانيا وكازاخستان قد عانتا كثيرا من موضوع الذرة وما يرتبط بها من مشكلات ومحن؛ فالانفجار الذي وقع في محطة تشرنوبيل للطاقة النووية في أوكرانيا عام 1986، تطلب معها إنشاء منطقة حظر بمساحة 4300 كيلومتر، وإعادة توطين أكثر من 200 ألف شخص في أماكن أخرى. كما أن موقع التجارب النووية السوفييتية في كازاخستان، قد صار أيضا، موقعا لإرث يتسم بالمرارة.. فقد أجرى السوفييت 116 تجربة جوية في منطقة سيميبالاتينسك، و340 تجربة أخرى تحت الأرض، بوسائل وأدوات غير مطابقة للمواصفات؛ أدت إلى تسرب الإشعاع إلى المناطق الريفية المحيطة بها، وهي التي تستخدم للزراعة؛ وهكذا، فقد خلفت التجارب السوفييتية آثارا عميقة من الحزن والتخريب الوراثي عبر السهوب الكازاخستانية.

ونفهم التخوف الحالي من الرغبة الإيرانية في امتلاكها للتكنولوجية النووية وما يمكن أن يتبع ذلك من مشاكل جهوية إذا ما وقعت تسربات وما يمكن أن يقع من مشاكل أمنية استراتيجية في المنطقة نظرا لطبيعة الأنظمة السياسية المتتالية في إيران.

وهناك كثير من القصص المرعبة والتهديدات المخيفة نجد بعضا منها مفسرا في الكتاب الآنف الذكر، ولكنها لم تؤد حتى الآن، إلى وقوع مآس نووية؛ ومن هذه القصص:

- في كانون الأول/ ديسمبر عام 1994، قامت شرطة براغ بناء على بلاغ من مجهول، بتفتيش سيارة من طراز (ساب)، ووجدت فيها قرابة 3 كيلوجرامات من اليورانيوم العالي التخصيب، والسيارة تخص زعيم عصابة، وهو عامل سابق في مجمع نووي روسي، (كان قد حاول في وقت لاحق، إنشاء مخبز ولكنه أخفق في ذلك)، وقد اشترك في ذلك مع اثنين من المهربين، يعملان في شركة استيراد وتصدير بواسطة الشاحنات العاملة في أوربا الشرقية.

- في موسكو، وفي مصنع لإنتاج الوقود للمفاعلات النووية، قام عامل بسرقة كيلوغرامين من اليورانيوم - 235، وبينما كان العامل وثلاثة من شركائه يبحثون عن مشتر أجنبي، ألقت السلطات الروسية القبض عليهم، في آذار/ مارس عام 1994.

- في شباط/ فبراير عام 2006، تم إلقاء القبض على مهرب روسي، من أوسيتسا الشمالية، في عملية خاطفة من السلطات الجورجية، وكان المهرب يحاول بيع 100 غرام من اليورانيوم العالي التخصيب، لرجل ظن أنه مندوب لمنظمة إسلامية. وقد رفضت السلطات الروسية التعاون مع السلطات الجورجية بسبب تدهور العلاقات بين الدولتين؛ ووصفت هذه القضية برمتها بأنها عمل استفزازي فقط.

- في حزيران/ يونيو عام 2007، تمكنت السلطات الجورجية من وقف سيارة عند نقطة تفتيش حدودية، كانت محملة بالبلوتونيوم، والبريليوم (وهو مادة صاعقة تستخدم لإطلاق تفجيرات نووية)، وأعيدت السيارة إلى أذربيجان، بدلا من مصادرتها. فقد كان “إبقاؤها في جورجيا مكلفا جدا - وفقا لما قاله مسؤول جورجي - إضافة إلى ضرورة اتخاذ إجراءات خاصة للمحافظة على المواد”.

وفي تلك الأثناء، أنشأت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قاعدة بيانات لرصد الاتجار غير المشروع بالمواد النووية.

وتضم القاعدة حاليا، بيانات عن الحوادث المبلغ عنها منذ كانون الثاني/ يناير عام 1993. وبحلول نهاية عام 2005، كانت هذه القاعدة قد سجلت 827 حادثا مؤكدا أبلغت عنها 91 دولة. ونفهم هنا أن السيناريوهات التي يصنعها مؤلفو أفلام 007 المخابراتية والاحتوائية ، يمكن أن تقع في أرض الواقع وأن بعضا منها مستوحاة مما يمكن أن يقع إذا ما كتب لتلك الأسلحة أن تكون في أياد متطرفة وغير آمنة،.. ومن هنا فعالية نظرية الاحتواء الاستراتيجي الذي تحدثنا عنه الأسبوع الماضي.

المخاطر النووية بين الخيال والممكن
د. عبد الحق عزوزي

د. عبد الحق عزوزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة