Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 31/05/2013 Issue 14855  14855 الجمعة 21 رجب 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

السعودة ليست شعارا نتغنى به بل هي إستراتيجية دولة وقضية وطن. وفى هذا السياق فإن بعض الكتاب والمهتمين بالشأن العام يغيظهم أن هناك قرارات ولوائح وسياسات تعلن أو تصدر رسميا، لكنها قد لا تنفذ أو يتأخر تنفيذها بين الأخذ والرد أو يترك تنفيذها للاجتهادات والروتين؛

وربما يعود ذلك إلى أن توقيت بعضها غير مناسب، أو كانت نتيجة حلول وسط توصلت إليها لجان أعضاؤها غير متفرغين، ولم تخضع لدراسة تلم بكل جوانب موضوعها، أو ربما صيغت في عموميات يختلف في فهمها المفسرون، أو - وهذا هو الإشكال الأكبر - أغفل فيها معالجة العقبات التي قد تواجه التطبيق أو الضوابط والآليات التي تصحح عيوب التطبيق. ولكن عندما ننظر إلى جملة من الأحداث التي مرت بنا منذ عهد قريب نلاحظ أنها تحمل سمة قوية التأثير هي الجدية في صناعة هذه الأحداث والعزم على ألا تقف عند نقطة الإعلان عنها بل أن تأخذ مجراها مع الإصرار على تنفيذها حقا وصدقا. لنأخذ مثالنا الأول من توظيف العنصر النسائي في القطاع الخاص، نذكر جميعا ما لقيه قصر العمل في محلات بيع المستلزمات النسائية على النساء من اعتراضات كانت تنطلق من اعتبارات بعضها مصرح به مثل الخشية من الاختلاط، وبعضها خفي مثل الاستغناء عن العمالة الوافدة الرخيصة، مما أخر تنفيذ القرار بضع سنوات، لأنها أثارت صخبا وانفعالات مصطنعة إلا أن اقتناع قيادة هذا البلد - وهي المسؤولة عن ضمان العيش الكريم لأبنائه - بقوة الاعتبارات الإنسانية والوطنية وتهافت ذرائع المعترضين، رسخ العزم لديها على أخذ الأمر بجدية والمضي قدما في تنفيذ القرار ومعالجة أي تحفظات بالاحتياطات الكافية. وفى اتساق مع هذا التوجه الحكومي الحازم قام القطاع الخاص بمبادرة توظيف (كاشيرات) في بعض الأسواق المركزية، لفتح باب الرزق أمام الباحثات عن فرصة عمل شريف، مما أثار اعتراضات مماثلة للسابقة ومدعومة هذه المرة بفتوى متعجلة منسوبة إلى لجنة الإفتاء، لكن الجهات الرسمية كانت مقتنعة بوجاهة هذه المبادرة ووقفت بجانبها بعد أن رأت أن أصحاب العمل يمكنهم وضع الاحتياطات والتنظيمات الكفيلة بإزالة مبرر التحفظ، ولم تتراجع المبادرة لأن جميع الأطراف كانوا جادين في تنفيذها - أصحاب العمل وصاحبات الحاجة للعمل والجهات الرسمية، وقبل أسبوعين قرأت في الملحق الاقتصادي لصحيفة الرياض بتاريخ 12 - 7 - 1434هـ عن قيام شركة وطنية كبرى لبيع وتسويق الفواكه والخضراوات بمبادرة تثير الإعجاب وتتمثل في توظيف مائة مواطنة للعمل لديها في إعادة تعبئة المواد الغذائية. بعض أصحاب الانفعالات (المتوترة) استصغروا مثل هذا العمل وتجاهلوا أن هذا عمل منتج شريف يتيح الفرصة للباحثات عن عمل يخلصهن من فراغ البطالة وبؤس الحاجة. هذه بالطبع ليست مبادرة فردة، فقد سبقتها مبادرات ناجحة، مثل تلك التي كتبت عنها صحيفة (الحياة) بتاريخ 15 - 7 - 1434هـ عن مصنع سعودي للإنارة قام بتوظيف (120) مواطنة للعمل في مجال صناعة وحدات الإنارة منذ عشر سنوات. استمرار هذه المبادرة مؤشر على الاقتناع بجدواها والاطمئنان إلى كونها تعمل في سياق موقف الدولة الحاسم والمشجع من فتح فرص العمل أمام المرأة، لأن في ذلك تحقيقا للعدل والمصلحة العامة.

أما المثال الثاني فهو بارز في أمر المقام السامي الصادر في 12 - 7 - 1434هـ والقاضي بمعالجة وضع حاملي الدبلومات الصحية دون الجامعية بطريقة منهجية مدروسة تعكس عزم القيادة على حسم قضية تأرجحت ولم تستقر منذ صدور أمر المقام السامي الأول في 2 - 7 - 1432هـ الذي قضى بتوزيع حملة الدبلوم الصحي المصنفين من قبل هيئة التخصصات الصحية على القطاعات الصحية الحكومية والخاصة وإعادة تأهيل من لم يتم تصنيفهم. وحسب تصريح لمعالي وزير الخدمة المدنية (الجزيرة في 15 - 7- 1434هـ) فإن الأمر الجديد يشمل المتبقين على قوائم الوزارة ومن سبق توجيههم للقطاع الخاص ولكنهم عزفوا عن العمل فيه لأنهم أرادوا مساواتهم بزملائهم الذين وجهوا للقطاع الحكومي الذي يتميز برواتب أعلى وظروف عمل أنسب. ويعالج القرار نقاط الضعف السابقة، و يحمل في طياته سمات الجدية والحزم في التنفيذ، كما يتضح مما يلي:

- أنه أوكل إلى جهة محددة مسؤولية التنفيذ، وهي تنسق مع الجهات الصحية لتوزيع الخريجين عليها.

- أنه قرر آلية فعالة لإزالة أهم المآخذ على حملة الدبلوم، وهي ضعف التأهيل والتدريب، فألزم الجهات الصحية بالتعاقد معهم ليس للتعيين ومن ثم خلق أمر واقع، بل للتدريب التأهيلي لمدة سنة قد تمدد أربعة أشهر أخرى، وتقوم لجان مختصة بتلك الجهات بمتابعة أدائهم وتقويمه. أما التعيين فيتم لمن تثبت كفاءته وحاجة العمل إليه، وما يزيد على حاجة الجهات الحكومية يمكن توظيفه في القطاع الصحي الخاص بجهود مشتركة بين هذا القطاع ووزارة العمل وصندوق الموارد البشرية.

- أنه وضع للملتحقين ببرامج التدريب عدة خيارات تمثل اختبارا لجديتهم في بذل الجهد اللازم وحافزا للإجادة والإتقان. الخيار الأول هو التعيين لمن تثبت كفاءته، والخيار الثاني هو التجسير لمن يرغب من الذين تثبت كفاءتهم، والخيار الثالث لمن لا يبذل جهدا ولا يظهر جدية في التدريب هو إلغاء التعاقد معه- ومن ثم فقدان مكافأة التدريب وفرصة التوظيف.

- أن شرط إثبات الجدارة للمتدرب الراغب في التجسير تصحيح لخطأ وقع فيه الجميع وهو فتح باب القبول على مصراعيه

للالتحاق ببرامج التجسير- وخاصة في الكليات الأهلية، أما الجامعات الحكومية فقد وضعت معايير حدت من القبول.

- أن صرف مكافأة مجزية للملتحقين ببرامج التدريب لا يترك مجالا للتذمر من إعادة التدريب أو طول مدته أو نقص الدخل.

هذا القرار الذي حدد آلية التنفيذ والتمويل لا يمكن أن يكون أكثر وضوحا وحسما مما كان، ويبقى دور الجهات المنفذة في تحقيق هدفه البعيد من خلال الالتزام بجدية برامج التدريب وتقويم فعاليتها في تخريج فنيين مؤهلين تأهيلا جيدا للقيام بدورهم المهني بجودة عالية. ذلك أن ما ينقص حامل الدبلوم الصحي ليس هو البكالوريوس بل كغاية وجودة التطبيق العملي والتدريب السريري التي تجعله يعرف كيف يمارس ما تعلمه في دراسته. وهذا هو ما فهمه القرار فقدم التدريب المكثف الخاضع للإشراف والتقويم على التجسير في ترتيب الأولويات.

إن الأمثلة السابق ذكرها نماذج لآليات اتخاذ القرار القابل للتنفيذ في شأن السعودة. أما السعودة في ذاتها فلا يصح اختزالها في الحد من البطالة أو بالتوطين عن طريق إحلال المواطن محل الوافد- على أهميتهما البالغة في تحقيق الأمن الاجتماعي والمعيشي- بل هي تكون حقيقية حينما يعمل السعودي في المكان الذي يمارس فيه وظيفته عملا منتجا بكفاءة واقتدار بما يستغني معه عن الحاجة إلى غيره أو الاتكال عليه. تلك هي السعودة الإيجابية فالذين يشتغلون في الميدان بمهاراتهم ومعارفهم هم أساس بناء المجتمع وهم الذين يحفظون استقراره واستدامته.

إنما تنجح السعودة بالقرارات النافذة
د. عثمان عبدالعزيز الربيعة

د. عثمان عبدالعزيز الربيعة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

طباعة حفظ

للاتصال بنا الأرشيف الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة