Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 02/06/2013 Issue 14857 14857 الأحد 23 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

واهم من يظن أن الدنيا دار قرار، أو أنها دار حياة، لدى البعض سوء تقدير وسوء فهم لفلسفة العيش في الحياة الدنيا، ولديه خلط بين أولويات العمل فيها، حيث يولي العمل الدنيوي جل اهتمامه، ويعطيه جل وقته، فالمؤكد الذي لاريب فيه أن الدنيا دار ممر، دار ممر ومعبر للدار الآخرة، والدار الآخرة طبيعة الحال خير وأبقى، والثابت حقاً أن كثيرا مما يبذل في الحياة الدنيا من جهود وأعمال، وأخص شراهة الاستحواذ على المزيد من المال أوالجاه أو المكان والمكانة، هي جهود ضائعة، جهود لا جدوى منها ولا فائدة، جهود في الاتجاه الخطأ، ومما يؤسف له أن البعض يسلك في تحقيق ذلك سبلاً ملتوية، وينهج طرقا ممنوعة، وربما محرمة.

تلك هي رؤية العقلاء الذين حباهم الله يقينا صادقا، وتفضل عليهم بقناعة ثابتة تجاه سبل العيش في الحياة الدنيا، وأوجه الاستمتاع فيها، وعلى العكس منهم يرى آخرون وجوب السعي الحثيث بل اللاهث في كل السبل الممكنة وغير الممكنة، بل وفي كل الاتجاهات مهما كانت صفتها ووجهتها، المهم عندهم الحصول على المزيد والمزيد من المآثر والمكاسب الدنيوية، إنها شغلهم الشاغل، ومحط جهدهم وغاية مناهم، إنهم كما اللاهث وراء سراب لا ينقطع، والشارب من ماء مالح لا يمكن أن يروي عطشا مهما توالى الشرب منه.

غاب عن بصائر هؤلاء المساكين، أن المآثر الدنيوية كافة، ومهما بلغت منزلتها وقيمها، فإنها لا تساوي شيئا، وإنها زائلة لا محالة، الشواهد على صحة هذه المسلمة متواترة ثابتة، ملء السمع والبصر، فقط عد بالذاكرة إلى أقرب من بلغت شهرتهم آفاق السماء، وسمعتهم مشارق الأرض ومغاربها، وتصدرت أسماؤهم وسائل الإعلام وعناوين الصحف، وكغيرهم من بني البشر رحلوا عن الدنيا، هل أخذ أي منهم معه مما كسب منها غير قطعة قماش لا تساوي سوى دريهمات معدودة، طالما أن الحقيقة بهذا الوضوح الذي لا يقبل الشك، حيث غاب الاسم، وتلاشت الشهرة، واندثر الاسم، ترى أين تكمن المآثر؟ وأين المكاسب الحقة؟.

الجواب الجلي في سورة الفجر الآية 24، قال تعالى: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} يقول الإنسان الذي آثر الحياة الدنيا، وشغل نفسه بها، وجعلها تستولي على مشاعره وأوجه اهتمامه، يا ليتني قدمت لحياتي، أي يا ليتني قدمت في دنياي من الأعمال الصالحة ما ينفعني في حياتي الحقة، حياة الآخرة، آية كريمة تتوالى على أسماعنا، لكن القلوب المسكونة بحب الدنيا غافلة عن دلالات هذا التمني الذي بالإمكان تحقيقه لو التفت الإنسان التفاتة حقة وعمل بموجبات هذا التمني.

يتسم فريق الاستمتاع بمآثر الدنيا، المؤثر مكاسبها، يتسم بسمتين كريهتين:

السمة الأولى أنه فريق يبدو في ظاهره أشعث أغبر، يعلو وجهه قتر وكآبة وظلمة، فعلى الرغم من أنه يمتلك الكثير من المال، إلا أنه رث الهيئة والثياب، بالكاد يلبس من أوسط ما يلبسه عامة الناس إن لم يقصر دونهم، يبدو دائما ضجراً متأففاً، متعباً متألماً.

السمة الثانية أنه يعيش في داخله وفي جل وقته في قلق واضطراب، وفي كثير من التوتر والترقب، خشية أن تفوته فرصة من فرص جمع المال هنا أو هناك، على الرغم من أنه يمتلك منه الكثير والكثير، شراهة لا تكل، ونهم لا ينتهي، بل لسان حاله يردد: هل من مزيد.

ومما يستدعي العجب، أن هذه الفئة المهووسة المسكونة بحب جمع المال، يعز عليها إنفاقه حتى على الأقربين من البنين والأهلين، فضلا عن الفقراء والمساكين وذوي الحاجة الذين يعد الإنفاق عليهم من المكاسب الأكيدة التي يجدها الإنسان في سجل أعمال حياته الحقة، لذا لمن هذا الجمع؟ ولماذا هذا التقتير؟، ولماذا هذا الجهد؟ ولماذا هذا الإكثار؟.

تساؤلات عديدة يبدو أنه يتعذر الإجابة عليها حتى على هؤلاء الذين طغى على تفكيرهم واهتمامهم حب جمع المال والإكثار منه، لكن الإجابة الحقة في (يا ليتني قدمت لحياتي).

abalmoaili@gmail

أما بعد
يا ليتني قدمت لحياتي
د. عبد الله المعيلي

د. عبد الله المعيلي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة