Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 06/06/2013 Issue 14861 14861 الخميس 27 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

قال أبو عبدالرحمن: هذه الخميسية من ذكرياتي الشقراوية؛ فقد قضيت ثلاثة وعشرين عاماً منذ مولدي بمدينتي شقراء، ثم انتقلت إلى الرياض في 1-2-1381هـ من أجل إكمال دراستي،

وفي هذه المدة كانت عنايتي بالشعر العامي والأنساب والبلدانيات والتاريخ المحلي تُزاحم العلوم النافعة، وأشكو إلى الله كراريس أحرقتها بضغط من والدي رحمه الله تعالى، وكراريس أخرى أحرقتها لَمَّا لم أجد من شيخي عبدالله بن محمد ابن خميس [ألف (ابن) تثبت إذا كان ما بعدها أباً غير مباشر] تزكيةً لها ، ولكنني لا آسى على ضياع كتابي (بين كميت والملحاء)، ولو طُبع لكان مُحْرجاً لي أمام كثير من جماعتي أهل شقراء؛ فجزى الله الشيخ حمدَ الجاسر ومحمد بن عبدالله الجميح رحمهما الله تعالى خير الجزاء، و لا أدري أيهما أضاعه مع صدور تعميدِ سموِّ الأمير سعود بن عبدالله بن جلوي رحمه الله تعالى الشيخَ حمداً [حمد اسم منصرف] بطبع ألف نسخة على حسابه، وكانت قيمة الطبع يومها (عام 1381هـ) سبعة آلاف ريال؛ فلما فُقِد الكتاب تقاضيتُ بعضها هدية من سموه.. وهذه المعارف التي زاحمت العلوم النافعة أثَّرت على درجاتي في المراحل الدراسية بالرياض؛ فكنتُ أرجع القهقرى بعد أن كنتُ مُتفَوِّقاً - ولا سيما في مراحل الدراسة الابتدائية - في شقراء، وانتهت بي الحال إلى درجة (مقبول) في درجة الماجستير بالمعهد العالي للقضاء؛ فالحمد لله على كل حال .. ومما عاقني عن التفوُّق في المراحل الدراسية بعد الانتقال إلى الرياض أنني كنت مزاجياً في تقديم ما أعشق قراءته على حفظ الكتب العلمية المنهجية، وأنني متعصِّبٌ لما لا يقبله محيطي العلمي ولا سيما المذهب الظاهري.. وهناك علماء أجلاَّء نالوا الإمامة في الدين أو اللغة.. إلخ وهم أبناء ثلاثة وعشرين عاماً؛ لأن الفضول الثقافي لم يشغلهم؛ فوا حسرتاه على أعوام مضت سَبَهْلَلاً!!.. ولقد غادرتُ شقراء ومساحتها أبواع، ولكنها رُمَّانة محشوَّة بالعوائل، وببيوت الشَّعر للبادية (القَعَدِيَّة)، ومحشوَّة بالمزارع المحيطة بها (وكانت مزارعها قبل ذلك أكثر)، ولكنَّ صوتها الجهوري؛ لكونها مركزاً علمياً وماليِّاً ومناخ تجمُّعٍ للغزو ذهاباً أو جيئة خلال أدوار الدولة السعودية المباركة: جعل البنيان يطغى على المزارع.. وكنت أزورها بين الفينة والفينة فأجد المدينة القديمة أطلالاً مُوحِشة، وفي زيارتي لها مدة تسعة أيام ابتداء من 14-11-1433هـ وجدت قليلاً منها تمَّ فيه تعمير ما هو ضروري، وترميم ما فيه مَنَعَة على هيئتها قديماً ولا سيما حارة الحسيني ومسجدها الذي يتميَّز بروحانية عجيبة، وكان للمهندس محمد بن سعد البواردي النصيب الوفى في إعادة الحسيني إلى ما كان عليه.. وأما أكثر الحارات التي لم تُرمَّم فقد أنكرتني وأنكرتها بعد الهدم، واحتجتُ إلى أكثر من دليل، ولكنها بحمد الله آخذة في التعمير والترميم، وقريباً إن شاء الله سيشرع آل الجميح في إعادة سوق الجلب وهو المَجْلس، أو الماقِفَة، أو السُّميِّدة كما يقول الآخرون؛ لأن أرضها مفروشة بِسَقْطِ ما يُجلب من آثار الإبل والبقر والغنم، ونوى التمر، وكُسَيرات الحطب، وكانت سوقاً رائجة لأهل الآفاق.. وأما حدودها وأطرافها كالمستوي والملحاء والبتراء والمَرُّوت.. إلخ فلم أنتفع بزيارتي لها خلال تسعة أيام؛ لبعد العهد بها، ولاختلاف الحدود عند البلدانيين.. وإنني إن شاء الله عازم على عمارة مسجد الحسيني -وأهلي سَدَنَتُه - بالدروس، والإقامة في كل واحد من الحدود والأطراف أكثر من يوم ومعي الكتب اللازمة.. وأما أطراف شقراء القديمة فيما بينها وبين الحِسيان، وما بينها وبين الصفراء، وما بينها وبين الهضاب الشرقية، وما بينها وبين الهضاب الجنوبية: فقد أصبحتُ فيها درويشاً يحتاج إلى أكثر مِن دليل؛ ذلك أن العمارة الحديثة سكناً ومرافق غمرت كل هذه الأنحاء، ولم يبق من الصفراء الطويلة العريضة أثر من الآثار التي أعهدها.. حتى هضاب الشرق أُعِدَّت فوقها مُخطَّطات للسكن والمرافق.. وكنت سابقاً لا أخطو في المدينة القديمة عشرة أبواع إلا ولكل ما يماثل هذه المسافة اسم خاص، وسيعود تسجيل هذه الأسماء إن شاء الله عند اكتمال إعادة المدينة القديمة إلى حالتها الأولى، ولأستاذي أبي عبد المجيد عبدالرحمن العبدالكريم قصيدة احتفظتْ بشيء من الأسماء نشرها بأحد دواوينه، ثم أعاد نشرها الأستاذ عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز البواردي بكتابه (البواريد)؛ فعدَّد الزريبة، والمنيزلة، والفروحة، وَوُدَي ابن كلبي أحد روافد وادي الغدير، والدَّخاشم، والقرعا، والفايجة، واعْفِرية، والمجيلس [وأنابه خبير]، والوسيعة [لا يُعْرَف إلا بالقِطْعة].

قال أبو عبدالرحمن: اكتفيتُ بالأسماء غير المشهورة شُهرةَ وادي الغدير مثلاً، وبعض هذه الأسماء أجهله، وبعضها أعرف موقعه طولاً وعرضاً، ولكن العمران أخفى معالمها .. وبعضها نسيتُ مُسمَّاه ولم أنس الاسم.. وإن هذه القصيدة جديرة بالتحقيق والتحديد وإضافة الأسماء الأخرى، ولعل الله يعينني على ذلك بعد انتهاء جولاتي بدقَّة واستيعاب .. على أن أبا عبدالمجيد أولى ببيانها وشرحها وتحديد المسميات، ويكون عملي تكميلياً إن أَبْقَى ليَ مجالاً.. ويحيط بالوشم - بالعرف الإقليمي الآن - أقاليم لها صفتُه شُقرةً وحُمرةً كُمَيْتيَّة، ويسمى جميعها الوشوم، وقد حدَّد الملك عبدالعزيز رحمه الله تعالى الوشم بإقليمه الآن بحدود في وثيقة عزَّ وجودها، وإنما يحفظها بعض الأهالي، ومن تلك الحدود (عُبيد المستوي) شمالاً، وقد دخل الآن في عُمْق منطقة القصيم.

قال أبو عبدالرحمن: وإنني لأعجب من ثلاثة أمور لدى المعجميِّين المعاصرين:

أوَّلها: اختلافهم فيما هو جزء من الوشم بالعرف الحاضر على أنه حَدٌّ لا ناحية مثل (المَرُّوت)؛ فكثير من أهل شقراء لا يعرف إلا قُطيعة منه تُعْرف بالمُـغُر بينما يمتد المروت جنوباً فيشمل قنيفذة (الغُزيز، أو الوَرِكة)، وقد عدَّها لُغدة الأصفهاني ناحية من نواحي المروت لا حَدّاً، وهو رحمه الله تعالى من الأثبات عاش في القرنين الثاني والثالث الهجريين، وهؤلاء العلماء ومَنْ يَرْوُوْن عنه أعلمُ ممن جاء بعدهم بجغرافية الأقاليم، والمَرُّوت كله من الوشم وليس حَدّْاً له .

وثانيها: الاختلاف فيما لا يقبل الاختلاف أصلاً كتردُّد الشيخ ابن خميس رحمه الله تعالى في الجُزْءِ من الحمادَّة الذي تقع عليه قرى الوشم الشرقية: أهو من الوشم بالعرف الحاضر أو خارجه؟.. فهذا تردُّد لا معنى له؛ لأن قرى الوشم تحيط به، ومرافِقُه كلها مُشاعة بينها، ولا يقع عليها إقليم آخر، وسفوح طويق الغربية، وما يقابلها من عُريق البلدان، وما بعده من الغرب كله أراضٍ وشمية .

وثالثها: الغفلة عن امتداد الوشم القَبَلي القديم؛ وتخطئةُ بعضهم القدماءَ في عدِّهم بلداناً من الوشم وليست منه بالعرف الحاضر، والواقع أن الوشم الذي هو أحد الوشوم بامتداد بني تميم والرباب ومن خالطهم كبني نمير وبني حنيفة - وهو امتدادهم في الريف - يضرب في عُمق الشرق إلى ما يقرب من العرمة شرقاً، ومن الأحور ببطين ضرماء جنوباً إلى ما يقابله من البلدان.. وعريق البلدان (الرغام) كله وشمي، وفيه قرى دثرت اسماً ومُسمَّى.. وليس فيما ذكرته من الحدود مُسَمَّى إقليمٍ آخرَ غيرَ الوشم؛ ولهذا يتردد المعاصرون في وشْمِيَّة معالمَ باقيةٍ مثلِ (بلبول)، أو داثرة مثل (أبو الريش)، وقد وقفتُ على آثاره مع شيخي حمد الجاسر ومنديل الفهيد رحمهما الله تعالى ومعنا عبدالله ابن صقيه التميمي مَتَّعه الله تعالى بالصحة والعافية.. بل في الوشم بالعرف الحاضر قرى ومياه بقيت أسماؤها ولم يُـهْتدَ إلى مُسميات بعضها مثل (ذات بهدى) بين ثرمداء والفهدة، والسُّحامية، وحفائر بني حِـمَّان وبني وِلاَّد.. إلخ.

وشقراء اليوم مدينة كغيرها من المدن قام تعليمها على جهود الدولة أيَّدها الله من الابتدائي إلى الجامعة، وأكثر من فيها الآن خِرِّيجو تلك المدارس الذين اكتفوا بما حَصَّلوه من العلم في المراحل الدراسية، وأكثرهم شغلهم الإنترنت، وقليل منهم عمرت بهم المساجد في حِلَق تحفيظ القرآن، وفي استعادة ما درسوه في المراحل التعليمية كزاد المستقنع وبلوغ المرام وبعض رسائل الإمام ابن تيمية رحمهم الله تعالى.. وأكثرُ ممارسةٍ - لقليلٍ منهم - للتأليف كانت خارج التحقيق العلمي دقة واستيعاباً كدواوين الشعر ومجموعاته القديمة ولا سيما الشعر العامي.. وقليل من أولئك الأقل مَن له عناية تاريخية وبلدانية قد يكون بعضها قاصراً على بلده وقبيلته، وأما ذوو العلم المحقَّق، والتخصص النادر فقد رحلوا إلى العواصم، وعلاقتهم ببلدهم زيارات عابرة، ومناسبات عارضة.. وكانت شقراء علمياً - وتنافسها (وهي مَقَرُّ العلماء ابتداء) أشيقر- تزاحمان الدرعية يوم كانت عاصمة، وتتفوقان على الرياض عند بداية كونها عاصمة؛ أفيليق بهذه المدينة ذات التاريخ الجهوري أن تكون الآن بهذا المستوى، وأنْ تَتَّكِل على مراحل الدراسة المنهجية، وأن تكون عقيمة لا يوجد فيها مطبعة كبيرة، ودار نشر أكبر، ولجان بحوث تستقطب ذوي الأهلية والخصوصية من أهل الوشم في الداخل والخارج أعني مركزاً ثقافيا؟! إن هذه المطالب ليست مما تقوم به الدولة، وليس من الهِمَّة العالية أن نُحمِّل دولتنا الرشيدة كلَّ مطلب، وأما طلب معونتها إذا نقصت الموارد فأمر مشروع.. إنني أدعو ذوي المال، وجميع الأهالي، ورجال القلم في الوشم كافة إلى مساهمة لا يقل السهم فيها عن ألف ريال لإنشاء مطبعة كبيرة، وإنشاء دار نشر يُستجلب لها نوادر التراث، وما تدفع به المطابع من الكتب المعرَّبة وكتب المعاصرين ذوي الميزة الخالية كتبهم من التحفُّظات الرقابية.. وإنشاءِ مركز ثقافي واسع عامر بالمراجع العلمية والثقافية من أجل اللجان العلمية.. وأما حقوق المؤلفين والفاحصين والمصححين فتبدأ بتبُّرع سخي من الأثرياء، وتستمر من ريع دار النشر والتوزيع، ويكون للدار حضور في مناطق المملكة وفي الخارج؛ وهذا يعني ربط ذوي الميزة العلمية والأدبية والثقافية المقيمين خارج الوشم ببلدهم يعملون حيثما كانوا، ويحضرون المركز وقت الحاجة.. ويعني ذلك ربط الفحول من علماء الشريعة واللغة والتاريخ.. إلخ بالمساجد في إقليمهم تُقْرأ عليهم الأمَّهاتبوعي وعقل لاقط نقَّاد؛ فلا نظل ندور في حدود الرسائل التي تلقَّيناها تلقيناً في المراحل العلمية، بل تبقى للمبتدئين؛ لأن عصرنا اليوم يتطلَّب سعة الثقافة، ورحابة الأفق، والعقل المدرِك موهبةً ودِربة.. وإن المساهمات المالية التي أسلفتها ذات تنمية اقتصادية أول مَن يجني ثمارها المساهمون؛ لأن ربحها مضمون.. وإلى لقاء عاجل عن ذكريات أخرى إن شاء الله، والله المستعان.

- عفا الله عنه -

قصيدة أبي عبدالمجيد البلدانية
أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري

أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة