Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 06/06/2013 Issue 14861 14861 الخميس 27 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

للكاتب دونالد نوشترلين كتابٌ قيمٌ ومرجعٌ معتمدٌ سماه “أمريكا مرهقة بالالتزامات: المصالح الوطنيَّة للولايات المتحدة في الثمانينات”؛ في هذا الكتاب يصف نوشترلين المصالح الوطنيَّة بأنها:

“الاحتياجات والرغبات المتصورة لدولة مستقلة فيما يتعلّق بالدول الأخرى المستقلة التي تشكّل بيئتها الخارجيَّة”.

كما يقدم لنا قاموس المصطلحات العسكريَّة التي تعتمده وزارة الدفاع الأمريكيَّة مرتكزات الأمن القومي بأنها: “الأساس لوضع أهداف وطنيَّة صحيحة، تحدِّد طموحات الولايات المتحدة الأمريكيَّة أو أغراضها.

وتتَضمَّن مرتكزات الأمن القومي: المحافظة على الهوية السياسيَّة للولايات المتحدة، وإطار العمل والمؤسسات، وتعزيز الرَّفاهية الاقتصاديَّة، ودعم النظام الدَّوْلي الذي يساند المصالح الحيويَّة للولايات المتحدة وحلفائها”؛ وطبيعة البيئة الإستراتيجيَّة كما يصفها نفس الكتاب فيما يخص تطوير السياسة والإستراتيجيَّة، توحي بتفكير أكثر شمولية: فهي “الحاجات والرغبات لدولة ذات سيادة فيما يتعلّق بدول أخرى مستقلة، وبأطراف فاعلة غير حكومية، وبالمصادفات والظروف في بيئة إستراتيجيَّة ناشئة توصف بأنّها الوضع النهائي المنشود” وهذا التعريف الشامل يفصح عن دينامية البيئة الإستراتيجيَّة التي هي عرضة لعدد من الفاعلين والمصادفات والتفاعلات، كما تتَضمَّن مكوِّنات خارجية وداخليَّة.

فمثلاً تُعدُّ الرَّفاهية الاقتصاديَّة للولايات المتحدة الأمريكيَّة مصلحة عامة، ويُعدُّ الوصول الدَّوْلي إلى نفط الشرق الأوسط مصلحة اقتصاديَّة محدّدة، وبينما نجد أن المصالح قد تَتَغيّر مع الزمن، فإنَّ المصالح العامَّة مثل حرية التجارة هي مرتكزات ثابتة ولا تتغير.

أقول هذا الكلام لأنّه غالبًا ما في دولنا العربيَّة لا نفكر في المصالح الجوهرية للوطن القطر وللوطن الشامل أيّ العالم العربي، فبدون وعي للمصالح الجوهرية الثابتة وللمصالح المتغيّرة لا يمكن للإستراتيجي أو المخطط أو صاحب السياسة التفكير بطريقة سليمة، أو التَّخْطِيط بطريقة مثلى أو التنفيذ بطريقة لا تقبل الخطأ.

فالوعي بالمصالح الجوهرية والثبات عليها هي سرّ النجاح في الدفاع عن المصالح العليا للبلاد داخليًّا وخارجيًّا وهي التي تمكَّن الأفراد والمؤسسات في العمل داخل منظومة تراتبية مفهومة وواقعيّة.

نوشتلرين أشار إلى المصالح الجوهرية الأمريكيَّة وعدد أربعة منها: الدفاع عن أرض الوطن، الرَّخاء الاقتصادي، النظام العالمي المفضل ونشر القيم.

الفائدة من تحديد هاته المصالح الأربعة والإعلان عنها بدقة ووضوح هي أن تساعد وتفيد في صياغة السياسة والإستراتيجيَّة.

فالدِّقة هي سمة في غاية الأَهمِّيّة عند صياغة السياسة والإستراتيجيَّة الجيدتين؛ والدِّقة تزيل الضباب وتُوضِّح الرُّؤْية وتوفرها وتمكَّن من إزالة جدار الغبش الفكري وتمنع من الارتجالية والشعبوية وغيرها من الأمور غير المقبولة في العلاقات الدوليَّة والعلوم السياسيَّة المقارنة.

قارن معي: بعض الدول التي تسعى إلى خلق الشعبوية وتتبنَّى الارتجالية في مصالحها الوطنيَّة، لا يمكنها أن تخلق سياسة ناجحة أو أن تكون دبلوماسيين وآخذي قرار فاعلين ومُتميزِّين، ولا يستطيعون ولو كانوا مُتميزِّين من توضيح نوع ومستوى الإستراتيجيَّة الملائمة لخدمة المصالح الوطنيَّة.

وحتى على المستوى الداخلي، فإنَّ غياب الدِّقة في صياغة المصالح قد ترمي بالبلاد في غيابات الجب المظلمة لسنوات عجاف تأتي على الأخضر واليابس؛ بعض الدول الآن ولحد السَّاعة لم تفهم أن المصالح الجوهرية الداخليَّة لدولها هي الاقتصاد والتَّربية والتَّعليم وتنمية المجتمع في غياب البوح والإيمان بالمصالح الجوهرية الداخليَّة تتوَّقف عجلة نمو المجتمع، لأن كل المؤسسات والأفراد ستبقى وسيبقون مطبوعين بإرهاصات سياسيَّة؛ فيستحيل بذلك الإعلان بدقة ووضوح عن المصالح التي عليها مستقبل الأوطان والبلاد التي تكون مفيدة في صياغة السياسة والإستراتيجيَّة سواء تعلَّق الأمر بالمستوى الداخلي أو المستوى الخارجي.

في دول ما بعد الاحتجاجات العربيَّة كمصر وتونس وليبيا، على حكامها الوعي بأن المصلحة الإستراتيجيَّة الأولى التي يجب أن تسعى إليها داخليًّا هي بناء اقتصاد متين واقتصاد معرفي متمكن وتغيّر النظام التربوي والتَّعليمي والتنموي لما فيه تنمية المجتمع وتحقيق الرَّفاهية للشعوب وتقوية اللحمة الحامية للمجال السياسي العام الجديد وإبعاده عن الشعبوية والارتجالية وجعجعة الشِّعارات وطنطنتها الزائفة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

وبيَّن المستوى الداخلي والمستوى الخارجي في صياغة الإستراتيجيَّة تشابه عليها تحري الدِّقة والمهارة والموضوعية وفهم الأهداف النهائية.

فالدراية والعلم الصحيح والدِّقة في تحديد المصالح تخدم أغراضًا مُتعدِّدة منها: توضيح نيات السياسة في مختلف الجوانب، تركيز الاهتمام على العوامل الإستراتيجيَّة المناسبة، تمكين المعنيين من صياغة إستراتيجيَّة أفضل، المساعدة في تحديد المسؤوليات والسلطات والاختصاص والمساءلة والمحاسبة؛ كما أن الإستراتيجيَّة الداخليَّة والخارجيَّة عليها أن ترتكزا منطقيًا على الأهداف النهائية.

فالإستراتيجيَّة العسكريَّة مثلاً عليها أن تركز على الأهداف النهائية التي يتوخى إنجازها من خلال تطبيق العنصر العسكري من القوة؛ فالسعي إلى هدف نهائي مثل “بناء عراق ديمقراطي” كان بالإمكان أن يظهر في شكل مصلحة جوهرية لو بلورت حقيقة وكتعبير عن المصلحة في إستراتيجيَّة الأمن القومي الأمريكي، أو في الإستراتيجيَّة الوطنيَّة الإقليميَّة قبل حرب العراق الثانية، ولكن الإستراتيجيَّة العسكريَّة الأمريكيَّة عبَّرت عن هذه المصلحة بأنّها “إلحاق الهزيمة بالجيش العراقي”؛ فالأجهزة والأدوات العسكريَّة وحدها لا تستطيع أن تقوم ببناء عراق ديمقراطي.

ونرجع مرة أخرى إلى الخبير هاري آر.يارغر الذي يَرَى أنَّه في النظام الديمقراطي، تكمن فاعلية السياسة والإستراتيجيَّة في نهاية المطاف في موقف الشعب.

هاته حقيقة أساسيَّة ولها انعكاسات مهمة، ويبدو أن صانعي السياسة وغيرهم غالبًا ما يخفقون في إدراكها.

وتظل السياسات والإستراتيجيات غير المرتكزة على القيم الجوهرية للعب في الدَّوْلة المعنية معرضة لخطر عدم الحصول على الإرادة الوطنيَّة ويعبّر عنها الشعب في العملية الانتخابية.

وتجربة الولايات المتحدة الأمريكيَّة في الفيتنام مثال صريح على هذه الحالة.

ولهذا السبب ترتكز السياسة والإستراتيجيَّة محليًّا على ثلاثة تساؤلات: لماذا يراد القيام بشيء ما؟ وما الغاية المنشودة بالضبط؟ وكيف يمكن تحقيقها؟ وتختلف القيم الوطنيَّة بين المجتمعات المختلفة، وهذا يتوَّقف على الثَّقافة واعتبارات أخرى.

والقيم الوطنيَّة هي تعبيرات عن رؤى جماعية حول ما يعتقده الشعب أنَّه يمثِّل حياة كريمة.

لو تدخلت الولايات المتحدة الأمريكيَّة عسكريًّا في هاته الفترة في شمال مالي كما تفعل الآن فرنسا لقامت الدُّنْيَا ولم تقعد داخل المجتمع الأمريكي لأن البيئة الإستراتيجيَّة تَتَغيّر وعامل الإقناع أصبح صعبًا والحسابات الجيوسياسيَّة والجيوستراتيجية يفهمها الآن حتَّى الأمريكي العادي.

فعندما اقنع الشعب الأمريكي أن العراق يشكِّل تهديدًا على الأمن القومي، فإنَّ الأمريكيين قدَّموا الدَّعم الكامل للغزو، وما ترتب على ذلك من فقدان حياة كثير من الجنود الأمريكيين.

ولكن عدم ارتباط التهديدات المذكورة بالأمن القومي الأمريكي، واخفاق الجميع في تشكيل ديمقراطية قابلة للحياة في العراق، دفع العديد من الأمريكيين مع مرور الوقت إلى التساؤل حول قيمة حياة الجنود الذين يموتون هناك، وهذا يعكس تثمينهم لحياة الفرد.

وقد تأثرت الإرادة الوطنيَّة لمواصلة الحرب وبناء عراق ديمقراطي مع مرور الوقت بفعل التغيِّرات التي طرأت في سياق الأحداث.

حرب الرهائن في الجزائر بعدما احتجزت مجموعة مسلحة من تنظيم القاعدة رهائن في منشأة غاز جنوب شرقي الجزائر وموت العديد منهم انتقامًا من فتح الجزائر أجواءها أمام الطَّيران الفرنسي لقصف شمال مالي يعزِّز في نظر المسؤولين الفرنسيين تجاه الناخبين الفرنسيين قرارهم المفاجئ والسَّريع للتَّدخُّل شمال مالي في ظلِّ الأزمة الماليَّة التي تمرّ منها فرنسا وثقل فاتورة التَّدخُّل العسكري على دافع الضرائب الفرنسي..

السياسة والمصالح الوطنية
د. عبد الحق عزوزي

د. عبد الحق عزوزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة