Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 06/06/2013 Issue 14861 14861 الخميس 27 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

محاور أساسية مهمة:

بداية: أجده واجباً عليّ أن أزجي صادق آيات الشكر والتقدير لدارة الملك عبدالعزيز، معين تاريخنا المجيد، وحاضنة إرثنا العريق، ومستودع حضارتنا التليدة، لاهتمامها بخدمة تاريخ بلادنا، وتوفير المصادر التاريخية، وحرصها على التعاون مع الجهات الحكومية والأهلية ورجال الفكر في تعزيز الرسالة العلمية في تاريخ الوطن ومسيرة نهضته، كما أكد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، يحفظه الله، ولي عهدنا الأمين، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وزير دفاعنا وحامي عريننا، رئيس مجلس إدارة الدارة، لدى ترؤسه اجتماع مجلس إدارتها في مكتبه العامر بقصر السلام بجدة يوم الجمعة 28-6-1434هـ، الموافق 8-5-2013م.

وقبل أن أذهب بعيداً، ألفت نظر القارئ الكريم إلى تاريخ اجتماع ولي العهد بمجلس إدارة الدارة (الجمعة) وهو يوم عطلة رسمية وبعيداً عن مقر الدارة نفسها. وصحيح .. كلنا نعرف لولي عهدنا تقديره للوقت وحرصه الشديد على العمل والإنجاز، خدمة للعقيدة والوطن، وسعياً لتحقيق رفاهية المواطن.. غير أنني أردت بهذا التنبيه، تهيئة القارئ لما يطالعه في ثنايا هذا المقال من صفات قيادية فريدة، حبا الله بها سلمان بن عبدالعزيز، وإن كنا جميعاً لا نستغرب أي حديث عن سموه الكريم، فهو أهل لكل مكرمة ومحمدة.

أعود مؤكداً شكري وتقديري لدارة الملك عبدالعزيز، على ما تبذله من وقت وجهد وصبر في العمل الدؤوب، ثم تتحفنا به، مؤلفات في حلة زاهية، وطباعة راقية مشوقة. فقد كان آخر ما اطلعت عليه مما اتحفتنا به، إصدارها الوثائقي: مختارات من (خطب وكلمات) صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الذي جاء في (678) صفحة من القطع المتوسط (Standard Size) وفي اليوم الذي أعلنت الدارة عن إصداره عبر الصحف، هرعت كالعادة لاقتناء نسختي، ثم انهمكت في قراءتها، ولم استطع عنها فكاكاً حتى أتيت على آخر كلمة فيها.

والكتاب سفر ثمين، ضم مائتين وسبعاً من خطب سموه الكريم وكلماته المختارة، في مختلف المناسبات الوطنية: الخيرية، العلمية، الدعوية، الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، الإسلامية، الثقافية، الخدمية، الإعلامية، الحضارية، البيئية، الصحية والرياضية وغيرها مما يهم الشأن العام.

ولأنّ الحقيقة تظل ثابتة دائماً مهما تعاقب الليل والنهار، وتبدلت الأيام، سوف يلاحظ من يطالع هذا الكتاب، أن سموه الكريم ركز في أحاديثه على محاور أساسية مهمة، يمكن إيجازها في:

«شكر الله سبحانه وتعالى وحمده، والاعتراف بفضله والثناء العاطر عليه، وهو عز وجل أهل لذلك، إذ أنعم علينا، فبعث فينا بطلاً هماماً منا، التف حوله رجال مخلصون، فأسس لنا هذا الكيان الكبير الشامخ، شموخ عبدالعزيز آل سعود، واعتداده بقومه وإيمانه برسالته، فعمل بصدق وإخلاص وصلاح نية، وإيمان راسخ بهدف سامٍ وثقة لا تحدها حدود في نصر الواحد الودود وعونه، فتلاشت القبلية والمناطقية والجهوية، والأنانية، واتحدت القلوب والعقول والتفكير في وحدة المصير قبل الحدود، وانصهر الجميع في بوتقة واحدة، وصار شعار كل واحد منَّا، ومصدر فخره واعتزازه: أنا مسلم عربي سعودي.

«التأكيد على رسالة هذه البلاد وأهلها، من توحيد وصحة للاعتقاد، وخدمة للدعوة، وإسهام في خير البشرية، وما تنعم به من أمن وأمان، استناداً إلى دستورها، الذي هو كتاب الله العزيز وسنَّة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

«الحض على الاعتصام بحبل الله المتين، والتأكيد على أننا في هذه البلاد يد واحدة، إذ لا يوجد انفصال أبداً بين الحاكم والمحكوم، فالجميع يسعى لغاية واحدة، تتمثل في ترسيخ القيم الفاضلة، من محبة وتآخٍ، وعدل وتسامح، وتعاون على البر والتقوى، ونبذ للإثم والعدوان.

« الحض على عمل الخير، والسعي إليه بكل السبل، والتواصي بالمناصحة والمشاورة، لأنّ الجميع في مركب واحد، هو هذا الوطن العزيز الغالي، الذي يمثل خيمتنا الكبيرة وبيتنا الحصين الذي يستظل به الجميع من هجير الحياة، ويستمتع بما أفاء الله عليه من خير وفير، أوله تحكيم كتاب الله وسنّة رسوله، ثم ولاة أمر أوفياء مخلصون من الشعب وإليه. فبلادنا والحمد لله مزرعة خير، تبذل كل ما تستطيع من أجل أن يسود الخير بين الناس، امتثالاً لصحة عقيدتها، فلا غرو إن تصدّرت بلادنا الدول العربية واحتللنا المركز الثالث عالمياً في المشاركة بالأعمال الخيرية وفقاً لتقرير مؤشر الأعمال الخيرية الصادر عن مجلة فوربيس الأمريكية بالمشاركة مع مؤسسة (PNP) لإدارة الثروات.

- التذكير بخصوصية بلادنا التي شرفها الله بها، إذ جعل فيها أول بيتٍ وضع للناس لعبادته، وبعث من قومها آخر رسله، وخاتم أنبيائه إلى كافة خلقه بلسان عربي مبين، الأمر الذي رتب على كل مواطن من أهل هذه البلاد ومواطنة، مسؤولية عظيمة للدعوة في سبيل الله، بالطرق التي شرعها سبحانه وتعالى، وسنّها نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، إذ لا غلو في ديننا ولا جفاء، ولا إفراط ولا تفريط، فنحن أمة وسط. والسعي لتحقيق الخيرية من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفق الضوابط الشرعية التي تحقق الصالح العام.

ومن حسن الطالع، فقد كنت أكتب مقالي هذا، وإلى جانبي رتل من الصحف، لمحت في أعلاه جريدة الشرق الأوسط ليوم الأربعاء، 5 من رجب 1434هـ، الموافق 15 من مايو 2013م، العدد 12587. وقد جاء أول مانشيت فيها على لسان الرئيس السنغالي ماكو صال، مؤكداً حديثي هذا، إذ جاء نصّه: (خادم الحرمين الشريفين يطور السعودية بطريقة مدهشة .. وولي عهده يشعر بمسؤولية بلاده الاستثنائية). وجاء في نص الحوار مع صال في صفحة 9: (... كما أنني التقيت الأمير سلمان بن عبدالعزيز خلال زيارتي الأولى للسعودية، وما زلنا نحن السنغاليين، نذكر له زيارته لبلادنا في عقد التسعينات من القرن الماضي، واهتمامه وحرصه على العلاقات بين بلدينا، كما لمست فيه إحساساً بالمسؤولية الاستثنائية لبلاده، حيث يوجد الحرمان الشريفان، وما يتطلبه ذلك من علاقات مع أفريقيا ومع العالم الإسلامي ككل). ويؤكد هذا ما أثبته في أكثر من مقال لسموه الكريم، من أن جهد سلمان ليس في حاجة لشاهد عيان، إذ شهد به البعيد قبل القريب .

«حث الشباب من أبناء الوطن وبناته على العمل، سواءً في القطاع العام أو القطاع الخاص، المهم أن يعمل كل واحد منَّا، لأن كل من يعمل في البلاد هو بالضرورة ممثلاً للدولة، فأهداف القطاعين مشتركة، وتوجهاتهما واحدة، والدولة تساعد القطاع الخاص بكل إمكاناتها، لأن نجاح أي مواطن، مهما كان موقعه، هو نجاح للدولة، لافتاً انتباه الشباب إلى ضرورة أن يبدأ الإنسان صغيراً ثم يطور نفسه ويكبر في العمل، حتى ينطلق من أرضية ثابتة، ويقف على قاعدة راسخة، مذكراً إياهم بأجدادنا وآبائنا الذين كانوا يحفرون الأرض بأيديهم حتى يقتاتوا، مشيداً بأسماء لامعة كبيرة في دنيا المال والأعمال اليوم، بدأ أصحابها بممارسة مهن بسيطة وحرف متواضعة، تدر دخلاً لا يتجاوز ريالات معدودة في الشهر، لكن بالصبر والعمل والثقة في عون الله، استطاعوا تحقيق أحلامهم، وبالتالي خدمة بلادهم، مؤكداً في الوقت نفسه، سعي الدولة الجاد لتوفير فرصة عمل لكل مستحق من أبنائها وبناتها.

ويمكن إيجاز كل ما تقدم تقريباً من محاور أساسية، في ما جاء في كلمة سموه الكريم، في حفل جائزة حائل للإبداع والتفوق لعامها الأول في 27-11-1419هـ، إذ يقول: (... وأنا أحب أن أعيد هذا وأكرره مرات ومرات، فنحن لسنا بالبترول، نحن بالرجال، نحن بقلب يمشي بالعقيدة، ثم بالرجال الذين سعوا وعملوا حتى توحدت هذه البلاد، وعلى رأسهم قائدهم وزعيمهم الملك عبدالعزيز - رحمه الله - لم يكن عند عبدالعزيز ورجاله وكل أبناء الوطن، شغف حكم أو نزعة تسلط، بل كان الهدف قبل كل شيء تحكيم كتاب الله وسنَّة رسوله، ثم جمع الشمل والوحدة والتآخي، كما نرى، والحمد لله، هذا اليوم وكل الأيام التي نعيشها، الحمد لله، وكلنا أبناء وطن واحد وكلنا يد واحدة، والحمد لله، وكلنا نتعاون في سبيل الخير.

حتى الإخوة الذين فازوا بالجوائز يمثلون الكثير من مناطق المملكة، ولا يحس أي إنسان منا إلا أنه في مدينته أو في قريته، والفضل قبل كل شيء لله ثم لموحد هذه البلاد - رحمه الله - الذي وحّدها على المحبة والعدل والحق، لا على الحقد أو التشفي أو الطمع، وعلى هذه المبادئ الخيرة، والحمد لله، نحن الآن نحصد ما زرع، ونأكل مما زرع هو والأخيار من أبناء هذه البلاد).

صفات قيادية استثنائية:

أما فيما يتعلق بصفات سلمان القيادية، وتضحياته الجسيمة من أجل العقيدة والوطن والمواطن والأمة، فكما ذكرت آنفاً عن سموه الكريم، إن وفاء سلمان لنا ومكانته عندنا، وما حباه الله من صفات قيادية فريدة، ليس في حاجة لشهادة أحدنا.

فقد أجمع كل من كتب عنه على ما انفرد به سموه الكريم من صفات، وما بذله من جهد لخدمتنا ورفعة بلادنا، غير أنني أردت أن أستعرض مع القارئ الكريم، بعض ما جاء في كلمات ولي عهدنا الأمين في كتابه الذي أشرت إليه آنفاً، وربما تفاجأ البعض، مثلما تفاجأ كاتب هذا أيضاً، ببعض مواقف مدهشة، وقرارات حاسمة، اتخذها سموه في لحظات مفصلية، كانت صائبة، كعادته دائماً، فعادت علينا وعلى بلادنا بخير وفير ونفع غزير.

أذكر هذا لكي أؤكد صدق ما سبق أن وصفه به كل من كتب عنه، ومن جهة أخرى، لكي يكون قدوة لمن ولاَّهم ولاة أمرنا شأناً من شؤوننا، من المسؤولين في كافة القطاعات، وليكون أيضاً مثلاً يحتذى لشباب الوطن المتأهبين للعمل، إذ ليس ثمة شيء أجمل في الدنيا من أن يكون الإنسان ينبوعاً للعطاء المتدفق الهتان.. مثل سلمان .

وصحيح.. كلنا يعرف لسلمان عشقه للتاريخ، وطول باعه فيه، إذ يرى أن التاريخ جزء أساسي من حياتنا، فهو مصدر إلهام الشعوب للتقدم والرقي والتطور، ومن ليس له ماضٍ، لن يكون له بالطبع حاضر ولا مستقبل. كما يؤكد أن الأمة التي تجهل تاريخها وتراثها ورموزها، وتنفصل عن جذورها، لن يكون لها حاضر ولا مستقبل مزدهر. ومن فرط حب سموه الكريم للتاريخ وعشقه له، لقبه البعض بـ (مؤرخ الشيوخ وشيخ المؤرخين) وهو لقب استحقه بكل جدارة واقتدار، إذ يكفيه فخراً أن الراحل الكبير خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، يرحمه الله، عيّنه بترشيح من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يحفظه الله ويرعاه، رئيساً لمجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز، مستودع تاريخنا وحضارتنا، وحاضنة إرثنا العريق، التي يسميها سلمان (بيت الجميع ومنارة البحث العلمي الأصيل)، كما يرأس سموه الكريم في الوقت نفسه مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية.

أقول: كلنا يعرف لسلمان هذا، كما يعرف له نبوغه في الإدارة وبراعته فيها، لكن ربما قلة تعرف أن له باعاً أيضاً في علوم كثيرة، من اقتصاد وسياسة، وأدب وصحافة، وهندسة وتجارة.. إلخ، بما يفوق معرفته للتاريخ.. أليس هذا مدهشاً؟

اسمعوا وصفه لاقتصادنا: (... إن المملكة تنفرد بنظام يخالف الأنظمة الرأسمالية التي في مقدمة أهدافها تنمية رأس المال بأي طريقة، وبأي وسيلة لينمو رأس المال، لتحتكر وتستغل، المهم أن ينمو رأس المال.. ويخالف أيضاً الشيوعية، إذا أردنا أن نسميها حقيقة، وهي التي تعصر الإنسان لتنمو الآلة، وتسخر العقل والجهد والدم في سبيل تمجيد الآلة أو الإنتاج. أما نظامنا الإسلامي، والحمد لله، فهو النظام الحقيقي والصحيح. فكل إنسان حر في ماله وعمله في حدود عدم الإضرار بالآخرين، وأن يكون وفياً ومخلصاً لدينه ووطنه).

ويضيف: (... ومن المنظور الاقتصادي، فقد ثبت بعد كل هذه السنوات الطويلة، منذ تأسيس الدولة السعودية الحديثة، أن الرؤية التي حملها جلالة الملك عبدالعزيز، التي كانت قائمة على توحيد البلاد، وإرساء الاستقرار والأمن في ربوعها، وتطبيق مبدأ الاقتصاد الحر، الذي يحفز الناس على بذل الجهد ومضاعفة العمل، ثبت أن هذه الرؤية هي الأصوب. ونحن نرى الدول في زمننا الحاضر تتسابق إلى إنشاء الاتحادات والتكتلات الاقتصادية، كما نرى أن الدول الأكثر ازدهاراً اقتصادياً هي تلك التي تتمتع بالاستقرار الأمني والسياسي. أما حرية السوق والاقتصاد، فقد أصبحت محل إجماع دول العالم، بما في ذلك الدول التي كانت تعتنق في السابق المبادئ الشمولية).

ويتحدث عن الأدب، حديث العارف المطلع: (.. وفي الوقت الأخير، هناك لمسات في الأدب الفرنسي والقانون الفرنسي، استمدت جذورها من الثقافة العربية الإسلامية، وهذا محسوس ملموس، كما يذكره المتعمقون بالتاريخ). أما رؤيته السياسية لسلام العالم وأمنه، فيلخصها، مستشرفاً المستقبل، في قوله: (... إن التعارف بين شعوب الأمم هو السبيل نحو صداقة دائمة، وتعاون مثمر، وتعايش في أمن وسلام، وهذه جميعاً تبنى على قواعد المعرفة عن حضارات هذه الأمم وثقافاتها وتجاربها وتطلعاتها، ولأننا على أبواب قرن جديد، فإن التحدي الأعظم الذي يواجهنا هو التحدي الأقدم، ألا هو بناء صرح سلام ثابت وعادل للمنطقة والعالم). ويرى سموه الكريم: (... إن الكلمة سلاح خطير، أما للخير أو للشر، وهي أمانة، لأن مسؤولية الإعلام مقروءًا ومسموعاً ومريئاً، مسؤولية خطيرة، يجب أن يعيها كل من يعمل فيه، لأن التأثير والتوجيه الذي أصبح للإعلام في الوقت الحاضر في العالم كله، يفرض على كل من تولى مسؤولية إعلامية أن يشعر نفسه بأنه أستاذ في مدرسة، فكما أن الأستاذ ينشئ أجيالاً، كذلك المحرر والمسؤول في كل وسائل الإعلام). والثقافة عنده هي (... السماء الخالدة التي تظلنا جميعاً بصفائها ونقائها، وهي التي تمنح الإنسان الإطار السليم لقيمه العليا التي تلقاها من الله عزّ وجل عبر الرسالات السماوية، وبهذا يكون الإنسان إلى جانب أخيه الإنسان للبحث عن الخير.. كل الخير، ولمنع الأذى عن الجميع.. وهي بعد كوني تعددي لا تتحقق معانيها دون التعاون البشري، كما أنها لا تتجلى بحقائقها دون مظلة السلام والعدل والوئام، فالسلام حق منحه رب العباد منذ الأزل لكافة مخلوقاته، والعدل هو أساس التعايش الإنساني الصحيح، والوئام هو حاجة فطرية كي تستقيم الحياة ).

ويتحدث عن الإسلام مؤكداً أنه دين الوسطية والاعتدال: (.. هنالك شيئان بالنسبة لي مكروهان، هما الغلو والتفريط في عقيدتنا وأخلاقياتنا، وهي مقترنة بعضها ببعض، فكلما فرطنا زاد الغلو، وكلما غلونا زاد التفريط، ويمكن أن يلتقي المغالون والمفرطون في هدم قيمنا وديننا وتاريخنا، حيث إن الإسلام يرفض رفضاً باتاً هذه السلوكيات، ومن يعمل بهذه السلوكيات باسم الإسلام، فهو أكبر عدو للإسلام والمسلمين، والإسلام هو دين الوسطية، فالله سبحانه وتعالى يقول: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً}، لذلك علينا أن نستوعب ونستقبل ما يأتينا من العالم ونستفيد منه ونؤثر فيه.. ومن يدعو إلى الجمود والتوقف، ينسى أن الدين دين متطور في غير ثوابته ).

ومفهوم الدولة عنده: (.. أؤكد أن هذه البلاد قامت على الدعوى، ولم تقم على العصبية أو القلبية أو الإقليمية، وتوسعت بالدعوة، وليس هنالك دعوة قامت إلا ويرافقها فكر وقوة، ولا توجد دولة لم تقم بالقوة، لكن هل القضية قضية تسلط أو تحقيق مصلحة شخصية؟ لا. لأن القوة تقوم لتحقيق العدل ولجمع شتات البشر من كل إقليم).

ومثل هذا يقال عن إلمام سموه الكريم بالتخطيط الإستراتيجي، وقدرته على استشراف المستقبل، إذ يقول في حفل تخريج طلاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض في 17-5-1431هـ (... لي ذكريات أيضاً، عندما تقرر إنشاء الجامعة، واختير لها مكان، رأينا كمخططين، أن المكان داخل الرياض غير مناسب لها، فخرجت مع الدكتور عبدالله التركي، مدير الجامعة في ذلك الوقت، واخترنا هذا المكان، فكان هناك تبرم من بعد المكان. نحن نعلم في وقته أن المخطط مستمر إلى هذه المنطقة، إلى هذا المكان الذي نحن فيه الآن، نحن نرى والحمد لله الآن، أن الرياض امتدت إلى شمالها، إلى جنوبها، إلى غربها، إلى شرقها كما ترون، هذا ولله الحمد نتيجة الاستقرار والأمن في هذه البلاد). ويقول عن موقع الغرفة التجارية بالرياض: (... كتبت «اليوم» أظن، مقالاً عن الغرفة التجارية، وتقترح أن يكون مقرها الجديد على طريق الملك فهد، هذا سلبي، اعتقد نحن نريد أن نخفض المرور عن طريق الملك فهد، لعلكم تشاركونني في هذا، بكل صراحة، نجعله في مكان أوسع قليلاً حتى لا يضايقنا، فالغرفة روادها كثير).

صفات إنسانية فريدة:

والحقيقة، ثمة أمور كثيرة في أحاديث سلمان الثرة، تلفت انتباه الباحث وتستوقفه، غير أنني اكتفي هنا بذكر بعض نماذج منها. فمن الأشياء التي استرعت انتباهي بحق، التزامه الشديد باختيار الألفاظ وانتقاء العبارات، التي تدل على التقدير والاحترام والإخلاص والمحبة الصادقة، عندما يخاطب الناس أو يتحدث عنهم، ابتداءً من إخوته، فطلبة العلم، ثم الوزراء وحتى المواطن العادي: (.. سيدي خادم الحرمين الشريفين، أيده الله... إنني تحملت المسؤولية بعد رجل عظيم، أدى واجبه على أفضل وجه، وكان والداً وأخاً لكم، وهو سيدي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، رحمه الله، ولكن هذا قضاء الله وقدره، وأرجو من الله عزّ وجل أن يغفر لمن خلفته، وهو على كل حال أستاذ لنا في كل الأمور.. إن هذا المشروع الذي أتى من سحائب الأمير سلطان بن عبدالعزيز، سلمه الله، سحاب دائم يهطل على أبناء وطنه وعلى محتاجيه بالذات بالخير والبركة، وهذا ليس غريباً عنه فهو من أهلها، وهو يعمل على نشر الخير والمحبة والتعاون.. ولا شك أن من كرموا هذا التكريم، وعلى رأسهم أخي العزيز الأمير تركي بن عبدالعزيز، حفظه الله، الذي بذل ويبذل، وفي كل مكان، وفي السّرّ والعلن، عمل الخير والسعي إليه.. أخي العزيز، مقرن بن عبدالعزيز، كما دعوتموني لحضور المناسبة وتشريفي بهذا الشرف، فأنت، ولا شك، عزيز عليّ، أخاً عزيزاً كريماً، توسمت فيه النجابة منذ صغره، ومنطقته ومدينته عزيزة عليّ، وأهلها أعز.. عندما نذكر الدعوة، نتذكر إمامنا وشيخنا المصلح الكبير الشيخ محمد بن عبدالوهاب، رحمه الله.. أشكر والدنا العزيز وشيخنا الفاضل الشيخ عبدالعزيز بن باز على تكريمنا بحضوره هذا اللقاء.. علماءنا وفقهاءنا الأفاضل.. سماحة المفتي.. أصحاب السمو، أصحاب المعالي، أصحاب الفضيلة.. أخي الدكتور.. معالي وزير ..) ... إلخ مما يضيق المجال عن حصره.

يضاف إلى هذا، وضوحه وصدقه: (... نؤكد لكم أنه ليس عندنا كلام منابر وكلام مجالس خاصة، وإنما عندنا كلام واحد وموقف واضح لا يتبدل). ثم تواضعه: ( ... فأنا لست إلا مواطناً آمن بقدر بلاده، وبدورها في مباشرة مسؤولياتها أمام العالمين الإسلامي والعربي، وبقناعتنا في إقامة أمتن الروابط مع الدول الصديقة، ويشرفني أن أقرر بالمزيد من الفخر والاعتزاز أنني أنتمي في مسلكي، وفي قناعاتي إلى المنهج الذي غرسه فيّ وفي إخواني جلالة الملك الوالد عبدالعزيز آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية.. إنني أقدم شكري لكم جميعاً، ولمن أسهم في هذا العمل، ليس لأنه يحمل اسمي، بل لأنه يخدم هدفاً اجتماعياً خيّراً... إنني والحمد لله وزملائي في مجلس الإدارة، نجد تعاون الجميع، خصوصاً بعدما أثبتت الدارة وجودها، ليس بي أنا، بل بالرجال الذين يعملون في هذه الدارة.. حقيقة يصعب على المرء أن يتحدث بعدما تحدث قبلي من الإخوة الذين هم أوسع مني علماً أو معرفة.. كنت أريد أن أتحدث في كثير من الأمور، لكن سبقني أخونا الكبير الشيخ عبدالعزيز وأخي صالح وبينا ما لكتاب الله من فضل... أنا فرد منكم، أتعاون معكم، وأسعى إلى الخير، إن شاء الله، بالتعاون مع الجميع.. مع تقديري لمن شكرني، أو قال شيئاً في هذا المجال، فأقول وأقولها بصدق: لا أعمل وحدي، أعمل مع رجال فيهم كفاءة ويعملون للخير، ونتعاون على البر والتقوى، وأقول وأكرر: لست وحدي، بل أنا بالله ثم بكم جميعاً).

ثم اعترافه بفضل الآخرين وتقديره لجهدهم: (... إن هذه الثمار التي يقطفها شعب المملكة العربية السعودية كلها من عمل عبدالعزيز ومجهوده، ومن عمل أبناء هذه البلاد الذين آزروه وساعدوه، ونعمنا والحمد لله بالوحدة والطمأنينة والإخاء والتآخي.. ولا يفوتني أن أشكر الدكتور غازي القصيبي، الذي كان هو صاحب الفكرة في هذه الجمعية، وبذل مجهوداً جيداً ممتازاً والحمد لله، وإخواننا الآن وأبناؤنا في الجمعية العمومية وفي مجلس الإدارة يقومون بالواجب.. وهنا أود أن أشكر أيضاً معالي الدكتور عبدالله التركي المستشار بالديوان الملكي، وهو الوزير السابق لهذه الوزارة، لأنه والحق يقال، هو الذي قدم لي هذه الفكرة وذكرني بها، فجزاه الله خيراً.. الشيخ حمد الجاسر كان مرجعاً كبيراً لي شخصياً في كثير من الأمور).

من جانب آخر، لا يفوت الباحث أيضاً إبداء إعجابه ببلاغة سمو ولي العهد وسرعة بديهته: (.. عسير عسيرة إلا على الحق، فهي بيت العرين وعسير عسيرة على كل طامع، عسيرة على كل من يريد شراً لهذه البلاد الحبيبة، لينة بطاعة الله وانقيادها في هذه الدولة للدعوة.. لقد كان مفتاح عسير غير عسير على الأمير خالد. لأنه فتح القلوب بالخير والمحبة، فانفتحت بلين ومحبة.. في هذه الليلة التي نحتفي فيها مع آل إدريس بشيخهم عبدالله بن إدريس، يصعب على الإنسان أن يجد الكلمة في مجتمع الكلمة... أنا كلي أمل في مستشفى الأمل أن يكون نافعاً إن شاء الله.. كان بودي أن أطيل في كلمتي، لكن معهد الإدارة يدعو إلى الانضباط دائماً، فسأنضبط وأتقيد بالوقت المحدد).

وبالطبع، لا يستطيع الإنسان أن يطالع أحاديث سلمان دون أن يدهشه احترامه للوقت وسرعته في اتخاذ القرار عندما تتوافر الشروط المؤاتية، دونما تضييع للفرص وتبديد للوقت. فقد قيل إن نابليون بونابرت وونستون تشرشل، كانا أكثر رجلين عرفا احترام الوقت والحرص على استثماره، إذ كان نابليون يكتب لقادة جيشه: اطلبوا كل شيء إلا الوقت، ولهذا عليكم إنجاز المهمات المطلوبة في الوقت المحدد. أما تشرشل، فقد كان يرفق مع مراسلاته للمسؤولين أثناء الحرب العالمية الثانية قصاصة حمراء، يكتب عليها: انجز المهمة اليوم. غير أنني أجد أن ولي عهدنا سلمان، قد بزَّ الرجلين في استغلال الوقت واتخاذ القرار في لحظة، مادامت مؤاتية، وقد ثبت هذا في أكثر من موضع في كلمات سموه وأحاديثه، واكتفي هنا بما جاء على لسان سموه الكريم في أثناء تشريفه حفل مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر بمناسبة افتتاح مبناها الجديد في 9 /11 /1417هـ: (... قبل أن أختم الحفل، رأيت بصفتي مشرفاً على تسمية أحياء الرياض وشوارعها أن أطلق على هذا الحي المسمّى «حيّ الياسمين» «حي الصحافة» لوجود المؤسسات الصحفية في هذا المكان).

وبعد:

وأنا أطالع خطب سلمان وكلماته الدافقة هذه، المفعمة بكل ما يؤكد للقارئ الكريم أن سموه حقاً شخصية قيادية استثنائية جامعة، تذكرت أبياتاً راسخة في ذهني، من قصيدة طويلة لأحد شعراء عمان، يمدح الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود، يرحمه الله، الذي كان من أحسن الناس كلاماً وأعذبهم لساناً وأجودهم بياناً، يقظاً بعيد الهمة، فيسر الله له من الهيبة عند الأعداء، والحشمة في قلوب رعاياه، ما لم يره أحد من قبله، يقول الشاعر العماني يمدح سعوداً الكبير:

إذا جزت بالسيف تلقاه فارساً

وإن جزت باب العلم تلقاه عالماً

وإن جزت باب الخوف تلقى مخافة

وإن جزت باب السلم تلقى مسالماً

وإن جزت باب الدين تلقى ديانة

وإن جزت باب الحكم تلقاه حاكماً

فهكذا هم قادتنا وولاة أمرنا حفظهم الله ورعاهم، منذ فجر تأسيس هذه الدولة الفتية، مزرعة الخير، قبل ثلاثة قرون إلاّ قليلاً، قدوة في العلم والعمل، وسعاة للخير، وجنوداً مخلصين لخدمتنا، ودروعاً حصينة لحماية وطننا، وضمان أمننا واستقرارنا، وتحقيق رخائنا، ورفعة ديننا وخدمة عقيدتنا، ومنارات شامخة للإسهام في خير البشرية ورفع الضر عنها. فالحمد لله الواحد الأحد، الذي يسّر لنا كل هذا الخير الوفير، وخصّنا بما لم يخص به أحداً غيرنا: بيته الكريم ومسجد رسوله ومثوى نبيه، صلى الله عليه وسلم، وأسأله سبحانه وتعالى أن يعين أبناء هذا الوطن العزيز على أداء واجبهم تجاه ما رتبته عليهم هذه الخصوصية العظيمة، التي هي مصدر فخرنا واعتزازنا، ومبعث شكرنا الدائم لربنا الكريم.

وحقيقة، لا أجد في ختام مقالي هذا، أفضل من دعاء سلمان لأختم به، إذ جاء على لسان سموه الكريم في أحاديثه وكلماته العطرة هذه: (.. أنا أقول في دعائي: الحمد لله، اللهم لا تجعلني ظالماً ولا مظلوماً، ولا شقياً ولا محروماً، وأخرجني من الدنيا معافىً في ديني وفي ذمتي، وأقول: اللهم أجز خيراً من أحسن إليّ واعف عمن ظلمني).. فاللهم آمين.

قراءة في أحاديث سلمان.. دوحة الإحسان
اللواء الركن د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود

اللواء الركن د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة