Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 08/06/2013 Issue 14863 14863 السبت 29 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

** بين قراءتي السطح والعمق مسافةٌ ضوئيةٌ؛ فيسيرٌ أن نرى الحدثَ المجردَ بأنفسنا ونتابعَ تحليله عبر سوانا، ونطمئنَّ إلى إلمامنا بالواقع وتفصيلاته وتعرجاته ونظرة الآخرين إليه ثم نأذنَ لأنفسنا بالتنظير فيه والإفتاء بشأنه، وعسيرٌ أن نسبحَ داخله ونسيحَ في أمواجه ونكتشفَ كينونته ومكوناته.

** يبدو المشهدُ مضاءً بحكاياتٍ انتهت باستعادةِ حدثٍ من جدثه لوجود إضافاتٍ قالها خبيرٌ ولم تبلغنا في حينه فتبدلت الموازنةُ بما حملته معطياتُ المعادلة الجديدة من مدخلاتٍ وتداخلات، وهو ما يعني انصرافنا عن القراءات العاجلةِ التي يفيضُ بها فضاء الإعلام؛ فالصورُ الكاملةُ لم تلتقط بعد.

** تتغيرُ مواقفُ معظمنا بدورانٍ كاملٍ ينقلنا لاتجاهاتٍ متضادةٍ حين نُسلمُ عقولَنا لما يرددُه الشارعُ المتأثرُ باللحظة الصاخبة؛ فقد نثقُ ونتفقُ ونُمضي بتوقيعاتنا ونَمضي بتوقعاتنا انسجامًا مع ما آمنَّا به وَفق الأبعاد المتاحة ثم نرى ظنَّنا دون متكأٍ يسنده فيصير هباءً نستتر من غباره ونستغفرُ من أوزاره.

** بين القائل والمقول صلةٌ عضويةٌ لا تنفصل، ولو احتكمنا لمنهج الجرح والتعديل الذي ائتمَّ به علماءُ الحديث لانتفى كثيرٌ من الهذرِ ونُفي كثيرٌ من الهاذرين ولصار المجروحون وفرةً والثقاتُ ندرة؛ فالعدالة والضبط شرطان لقبول الرواية وهما كذلك شرطان لمن يُقبل منه الحكمُ بالجرحِ والتعديل فلا مكان كما قرر العلماء لرواية “السفيه والفاسق والكذاب وذي الهوى وناقص المروءة” ومماثليهم.

** هنا المقياسُ الحقُّ لشهادة “حسن السيرة والسلوك” التي لو طبقت معاييرُها لسلمنا من تيهِ الروايةِ وميل الكتابة وجنوحِ الأدعياء، ولن تكون عصيةً؛ فنحن لا نقبل التعامل مع “الخمسة” المشار إليهم في أمورنا المعاشيةِ المباشرة ولن نرتضيَهم من ثمَّ في قراءة وتحليل واستنطاق الأحكام على قضايانا العامة.

** لم ينتهِ علم الجرح والتعديل باكتمال رواية الأحاديث الشريفة، بل هو باقٍ كما ينصُّ المختصون بحق أصحاب المقالات ونقلة الأخبار والشخصيات العامة مثلما هو ركنٌ في قضايا المحاكم كالزواج والمنازعات والتعاملات المالية، وهو ما يضاعف تأثيرَ هذه المعايير في مدار تقويم صدقيَّة وموثوقية القائل والناقل.

** الاشتراطاتُ الأخلاقيةُ في علم مصطلح الحديث مرتبطةٌ باشتراطاتٍ معرفيةٍ صارمةٍ تركز على وعي الذاكرة ودقة المعلومة والبراءة من الخلط والوهم والغفلة والأخطاء، وهو ما يجعل هذا العلمَ أنموذجًا متميزًا يتجاوزُ مدارَه المنهجيَّ إلى آفاق الكلمة والفعل في مدارات السياسة والإدارة والمجتمع والثقافة وسواها مصادمًا نظرية “موت المؤلف” كما أصَّل لها “رولان بارت” في المدرسة البنيوية وما بعدها التي نتفق معها في النصوص الإبداعية والنظريات العلمية والبحوث المجردة ونتحفظ عنها فيما عداها، وبخاصةٍ في مجال النشر الإعلاميِّ والنقد الاجتماعي.

** تنسب للجاحظ مقولةٌ مؤداها أن أكثرَ الناس عيوبًا أكثرُهم تعييبًا، وهو ما أكده المتنبي: “إذا ساء فعلُ المرء ساءت ظنونُه”، ولو تحاكمنا لأساسات علم الجرح والتعديل لوجدنا بعض من ينعي الصلاحَ غيرَ صالح ومن يحارب الفساد غيرَ بريء، والمفارقة أن فينا من يستقي الأخبار منهم ويبني الأحكام على ما تلوكه شخوصٌ مجروحة ومعرفاتٌ مستعارة تُحرك الدهماء وتنشر الغوغائية.

** الأمانةُ إنسان.

ibrturkia@gmail.com
t :@abohtoon

جرحُ الكلام
د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي

د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة