Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 11/06/2013 Issue 14866 14866 الثلاثاء 02 شعبان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

حادثتان لطلاب سعوديين في ولاية ميزوري لا يفصل بينهما إلا بضعة أشهر:إحداهما تتعلق بتهمة وجهت لطالب سعودي بتحريض زميله على قتل صاحب حانة، والذي وجه التهمة للطالب السعودي شخص تقول عنه زوجته، حسب صحيفة يو أس تودي، أنه كذاب متمرس،

واستغربت الصحيفة أيضا رفع القاضي لمبلغ كفالة الإفراج المشروط عن الطالب إلى مليوني دولار، مبلغ يستحيل على طالب جامعي دفعه، وعندما تقدمت السفارة لدفع الكفالة رفض القاضي الإفراج عنه، فالقاضي في المحكمة الأمريكيية بيده كل شيء؛ والأخرى حدثت قبل أيام و تتلخص في أن شابين يدرسان على حسابهما الخاص، استدرجا فتاة مخمورة من مرقص، وأركباها تاكسي، وذهبا بها لمقر اقامتهم، فاتصل صاحب التاكسي بالشرطة، وهو أمر غير معتاد تماما، وقد يحمل بعدا عنصريا أو خلافه، فاقتحم البوليس مقر إقامتهم، وأخرج الفتاة التي ادعت أنهما سحباها بالقوة، وتحول الموضوع لقضية قانونية خطيرة.

فالشابان قد لا تكون لديهما نزعة إجرامية بالضرورة، ولكن الغريزة المندفعة، وتأثير أجواء المرقص، والجهل بالعواقب أوقعتهما في هذه الورطة الكبيرة. ويتردد أن ولاية ميزوري وحدها تكررت فيها حوادث أخرى.

ويبدو أن المخالفات القانونية التي يقع فيها السعوديون هي ذاتها، ولم تتغير لعقود طويلة، وتتركز في معظمها في جانب العلاقات الأسرية، أو علاقة الشباب السعودي بمحيطهم المنفتح اجتماعيا وجنسيا على الجنس الآخر. فهم في أغلب الأحوال، وحسب ما يذكر بعض المطلعين، إما يدانون بالعنف الأسري أو قضايا التحرش الجنسي. و بعض القضايا المتعلقة بالتحرش تتعلق بممارسات جنسية مع فتيات هن دون السن القانونية، بالرغم من وجود حالات قليلة جدا لها علاقة بممارسات مثلية. وهذه المخالفات النزوية قد تتسبب في تدمير مستقبل الطالب، كما أنها تكلف السفارة مبالغ قضائية طائلة. ولذلك فقد يجدر بنا إعادة النظر في توعية شبابنا بأمور الأنظمة الأمريكية بشكل أكثر تفصيلا، لأن التباس القوانين قد يكون أخطر بكثير من الجهل بها، فالالتباس يوحي للطالب أنه يعرف القوانين بينما هو في الواقع يجهلها.

والولايات المتحدة الأمريكية التي هي من أكثر بلدان الغرب انفتاحا هي بالمقابل أكثر الدول تعقيدا وصرامة من النواحي القانونية حيث تفوق شدة القانون في أمريكا أي دولة غربية أخرى وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالمقيمين والأجانب. فالقانون في أمريكا يوفر كثيرا من ضمانات الحريات ولكنه بالمقابل الأشد قمعا لمن يتجاوز عليها أو على حريات الآخرين؛ وهو قانون لا يرحم ولا يكترث بما يحصل لحياة المواطن فيما بعد سواء كان أمريكيا أو مقيما، كما أن المصاريف القضائية باهظة جدا. ويرتبط بالسجل القانوني للفرد كثير من الأمور مثل القبول في الوظائف، أو الاقتراض أو حتى الاستئجار. والسجون الأمريكية تعد من الأسوأ في العالم.

ويقع الأجانب عادة في المخالفات القانونية في أمريكا بشكل سريع نتيجة لإغراءات الحرية المتاحة لهم فيها، و للوجود غير المنظور للجهات القانونية وبعدها عن التدخل المباشر في حياة الأفراد، غير أن الأمر يتغير كليًا في حالة الاشتباه بالفرد فيحاصره البوليس من كل اتجاه، وعندما يقع الفرد في مخالفة قانونية يفاجأ بقساوة وصرامة الأحكام التي توقع بحقه. وُيتهم النظام الأمني الأمريكي عادة، بكافة شرائحة، بقبوله للتوجيه والاستغلال من النافذين في السلطة التنفيذية، ومن أصحاب السلطة الحقيقية في أمريكا، سلطة المال. فالمال في أمريكا هو الحاكم الحقيقي، و يملك الذراع الأطول والأكثر تأثيرا في المجتمع الأمريكي، الإعلام.

وللمملكة العربية السعودية ثاني أكبر بعثة طلابية في أمريكا بعد الصين، حيث يتجاوز عدد المبتعثين المئة ألف، ويضاف لهم أعداد أخرى من المرافقين والمقيمين. والملحقية الثقافية السعودية هي الأكبر حجما في العاصمة، والأكثر تنظيما في الولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك ولكثرة الطلاب في أمريكا لا بد وأن يقع بعض الطلاب أو مرافقيهم في مخالفات مع القانون الأمريكي، ويكون ذلك غالبا بسبب الجهل، وعدم تقدير العواقب. وفي كلتا الحالتين فإن مشاكلهم التي يخالونها صغيرة، نتيجة لتنشئتهم في بيئة تختلف من حيث التشريع والتطبيق، تأخذ أحيانا بعداً كبيراً ومضخما في النظام القضائي الأمريكي، وكذلك في الإعلام. فالخيوط الفاصلة بين الحرية الشخصية وما يعد في أمريكا مخالفات قانونية رفيعة جدا يصعب فهمها حتى على الأمريكيين أنفسهم وليس السعوديين فقط، ونخص هنا تلك المتعلقة بالعلاقات بين الأفراد وخاصة بين أفراد العائلات، أو بين الجنسين. وهنا تتجلى الفروق الثقافية بين البيئتين الأمريكية والسعودية.

وتدفع الحكومة السعودية ممثلة في السفارة، والملحقية الثقافية جهودا ضخمة جدا، وتصرف ملايين الدولارات من المصاريف القانونية لعلاج بعض الأخطاء التي يقع فيه بعض السعوديين، كما خصصت الملحقية الثقافية أرقام طوارئ تعمل على مدار الساعة لمساعدة الطلاب وتجنيبهم الدخول في إشكاليات مع القوانين في أمريكا. إلا أنه وبطبيعة الحال، قد تكون هناك ممارسات بعيدة عن الملحقية يقع فيها بعض الشباب المندفع والمتعطش لأمور كثيرة يجدها في حريات المجتمع الأمريكي، وبعضها أوقعهم حتما في مخالفات بعضها كارثي.

الحكومة -رعاها الله- تحرص على توعية الطلاب قبل ابتعاثهم، وتقدم لهم دورات لرفع وعيهم باختلاف المجتمعات التي سيتم أيفادهم لها عن مجتمعنا المحافظ، ولكن هذه الدورات تهدف في الأعم الأغلب لرفع وازعهم الديني، ووعظهم بعدم الوقوع في المحرمات، والحرص على حسن تمثيلهم لبلادهم، وقد لا تأخذ بعين الاعتبار أن إغراء الحرية في أمريكا سيجعل بعضهم حتمًا عرضة للاندماج في المجتمع بكافة إشكاله، وهو أمر متوقع. ولذا فقد يستحسن أن تشمل التوعية أيضا كيفية تجنب الوقوع في المخالفات القانونية في حال قرر بعض الشباب العيش كأمريكيين منفتحين وليس كسعوديين محافظين، وكذلك توعيتهم بصرامة النظام في حالات العنف الأسري كالأعتداء الجسدي أو اللفظي على الزوجة أو الأبناء. بحيث يكون للتوعية بعد آخر يأخذ بعين الاعتبار أن كثيرا من شبابنا سيقدمون على الانخراط في أجواء الحرية المتاحة لهم، وأن بعضهم لن يجدي الوعظ معهم، وهنا تجب توعيتهم على الأقل بالمخاطر القانونية التي قد تترتب على ممارساتهم. فيجب أن يعرف، على سبيل المثال، أن استدراج القاصر، أو فاقد الوعي جريمة كبرى في نظر القانون هنا.

وقد يجدر بنا أن نرصد مخالفات مواطنينا في الخارج، وخاصة في أمريكا، بهدف دراستها وتحليلها، ومعرفة الأسباب التي تكمن وراءها، ثم نبني برامج توعية مبنية على وقائع حقيقية لا مواعظ افتراضية. ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن شبابنا وشاباتنا، ليسوا معصومين، وأنهم كسائر شباب العالم قد تغريهم أجواء الحرية في الخارج، ولذلك تجب توعيتهم بكيفية السلوك القويم في المجتمعات التي سيقيمون فيها، وحسب الظروف المعيشية فيها، لا أن نتوقع من الجميع أن يتقوقع في مجتمع مصغر يكون كمجتمعه في الخارج. ويجب أن يشرك في جوانب التوعية من لهم خبرة في القوانين والأنظمة الأمريكية، فقضايا الطلاب ورعاياهم يمكن أن تكون مادة تعليمية وتدريبية ذات قيمة عالية جدا لشبابنا الذين يدرسون القانون في الخارج، كما يمكن أن نستفيد من الشباب السابقين لتثقيف الشباب اللاحقين، فالشاب يصغي ويسمع لأقرانه من الشباب أكثر من غيرهم. وعلى العموم فإننا نحمد الله على قلة مشاكل شبابنا في الخارج مقارنة باعدادهم الكبيرة ولا شك أن للتنشئة الأسرية والمجتمعية دورا كبيرا في ذلك.

latifmohammed@hotmail.com
Twitter @drmalabdullatif- أستاذ في جامعة الملك سعود

طلاب الخارج والتوعية
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة