Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 17/06/2013 Issue 14872 14872 الأثنين 08 شعبان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

قاموس حياتنا الاجتماعية لا يزال يمتلئ بصور متشابكة، ومفردات عجيبة، ومعاني تكون أحياناً أليمة، على نحو استحضار صور الموت، إما بصدمته الحقيقية التي تنافي الحياة، أو بمحتواه المعنوي الرمزي الذي لا تخلو ذاكرة الإنسان العربي لا سيما نحن أبناء الجزيرة العربية من وجوده، حتى حينما نصف الجمال فنقول عنه: (موت حمر.. أو أحمر، وأموت فيك!!)، بل نفرد للموت مكانة واسعة في مشاعرنا، ونمنحه حظوة لم ينلها أي شعور إنساني آخر!

كما أن المفردة المحلية حول الموت لا تخلو أبداً من هذه المضامين، حينما نصوره بألوان مختلفة على نحو ما أسلفنا: “موت حمر” أو أحمر أو أسود، يرتبط فيه أمر حداد، أو مأتم قاتم، حتى أنه في حالة الاستبطان والغيبيات على نحو الأحلام والرؤى.. فالعلماء والباحثون يحيلون اللون الأخضر في الرؤيا إلى دلالات ما للموت، فالأمر الشائع أننا نتوجّس من صور الموت في كل شاردة وواردة، رغم أننا نؤمن بقضاء الله وقدره، ومع ذلك فإنهم غالباً ما يسعون إلى ربط الموت بأمور حياتية كثيرة.

أما إن تأملت المشهد المعنوي وثقافة وأدبيات موروثنا الشعبي، فإنك ستلفي الشعر وقد عج بصور الموت، تليه في ذلك القصص الأثيرة، والحكايات القديمة، وجميعها توغل في رسم تفاصيل الموت.. فكلما أمعنت في رسم صوره وفواجعه استحضرناه أكثر، وبات وجوده في الذائقة أعمق، لا لسبب واضح، إلا لأنه تواتر ثقافي في قاموس حياتنا المعني في تفاصيل الموت.. فحتى قصص الحب العربي لا تُعتَّق، أو تخلد ما لم تكن نهايتها مشبعة بمثل هذه الصور.

وكنا نعتقد أن هذه الظاهرة الجنائزية ستختفي مع غياب الجيل القديم الذي ذاق أكثرهم المعانات، وتجرع الآلام، إلا أن الجيل الجديد وبمداعباته للإعلام المتطور والمتلاحق، وتقنيات التواصل لا يتورع عن رسم إيقونات موت، ومشاهد دماء، وعبارات حياة تعسة، وعيون دامعة، وسواد يلف مكونات أي فكرة، رغم غضاضة وبراءة تكوين أكثرها!!

أما الأبعاد الأخرى للعلاقة مع الموت فإنها تتمثل في أن هناك من يحن إلى الموت كمخلص، أو يدعو على من ينغص حياته بالويل والثبور وعظائم الأمور، بل وبدعوة “ملائكة الموت” للإسهام في عقاب من لا يحب، لنتجرع مع شاينا وقهوتنا وأحاديثنا الشيء الكثير من خواطر الموت والحوادث، ولا مشاحة أن نذهب إلى المقابر - وهذه سنّة حسنة - لنعيد مع الذات سيرة من تحب حينما كانوا أحياء، ليس لغرض اللهم إلا أننا نحافظ على تقليد نرتبط فيه بالموت وصوره الحميمة في قلوبنا.

فخلاصة القول إنه لا شك بأن ذكر الموت، وتذكُّر الموتى رحمهم الله جميعاً هو أمر مناسب ومحمود، لأننا حينما نتذكّرهم في مجالسنا وبين أحاديثنا، فإننا حتماً سندعو لهم بالرحمة والمغفرة، وهذا ملمح له ما يبرره، إلا أنه لا يجاري ما نذهب إليه كثقافة وتقليد وارتباط في صور تمثل ثقافة الموت والعيش في أدق تفاصيله!!

hrbda2000@hotmail.com

بين قولين
الموت بمن؟ ولماذا ؟!
عبد الحفيظ الشمري

عبد الحفيظ الشمري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة