Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 22/06/2013 Issue 14877 14877 السبت 13 شعبان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الأخيــرة

روى مسلم في صحيحه عنه عليه السلام أنه قال «لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف».

والثورات الشعبية من أشد أنواع فتن الحروب، فلا يتمنى الثورات إلا سفيه أحمق ولا يسعى إليها من غير ضرورة مُلحة إلا مُسترزق خبيث الطوية.

وما ذاك إلا لأن الثوار إذا خرجوا، خرجوا بأهلهم ومالهم في طريق لا عودة فيه، فإما أن تُسحق ثورتهم ويعود الناس إلى ذل ومهانة أسوأ مما كانوا عليه وإما أن يخلعوا النظام الحاكم ولكنهم لن يضمنوا أن تصبح حالهم أفضل مما كانت عليه، والثورات الشعبية عبر التاريخ تثبت هذا.

وقد ضبط عليه الصلاة والسلام أصحابه عن الثورة وقد كانوا أحق الناس بها وقد كانوا والله أهل لها، إلا أنه عليه السلام صبر حتى تتمكن الدعوة فلم يخاطر بها ويُنهك قواها في حرب لا تحقق الهدف الاستراتيجي الأول.

وحول هذا المعنى قول المتنبي وفيه بعض الشاهد «وَصُنِ الحُسامَ وَلا تُذِلهُ فَإِنَّهُ.. يَشكو يَمينَكَ وَالجَماجِمُ تَشهَدُ».

وقد تطول الثورات ويعتاد الناس على مآسيها ومصائبها فلا يعودوا يبالون بشطف عيشهم و»إذا اِعتادَ الفَتى خَوضَ المَنايا.. فَأَهوَنُ ما يَمُرُّ بِهِ الوُحولُ».

وأهل سوريا قد حزموا أمرهم وخرجوا ثائرين على الطغاة والبغاة فليس أمامهم إلا الصبر حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده.

ولم تثر سوريا حتى ضاقت عليها أوطانها وتُمنى الموت و»كَفى بِكَ داءً أَن تَرى المَوتَ شافِيا.. وَحَسبُ المَنايا أَن يَكُنَّ أَمانِيا».

والثورة السورية قامت على رجع امتداد الثورات العربية في تونس وليبيا ومصر، إلا أن الأحوال لم تكن مواتية لها كما كانت في بلاد الربيع العربي.

فالنظام التونسي الحاكم كان قد سئم زين العابدين وكان يطمع في إزالته، فتهاون مع الثوار ليخلع الرئيس على أيديهم ثم ليتقاسم الحزب السلطة دون مخاطرة منه، ولكن ظهور الثورة المصرية ونجاحها في وقت قصير أفسد عليه خطته ونزع الأمر من يده.

ونجاح الثورة المصرية التاريخي في خلع النظام إنما كان بسبب أن الجيش هو الشعب ومن الشعب لحمة ونسبا، فلم يكن من السهل على النظام أن يجعله جزاراً لأهله، على خلاف الجيش السوري.

وأما ليبيا فقد كانت المعارضة موحدة واجتمعت في مدينة واحدة هي بنغازي، ولولا تدخل الغرب السريع لسحق القذافي المعارضة في بنغازي وجعلها أطلالا كأن لم تغن بالأمس، ولا يبالي، في أعظم مجزرة كان التاريخ الحديث سيشهدها لولا لطف الله وتسخيره الغرب للتدخل السريع.

أما الثورة السورية فجيش سوريا ليس من الشعب، والثوار متفرقون بين قلوبهم وفي مدنهم ومناطقهم والنظام الفاشي العلوي أحرص ما يكون على الطاغية.

فالغرب إن لم يتدخل عسكريا فسحق الثورة على يد الجيش الفاشي الطاغي ليس أمرا مستبعدا.

ولو نجحت الثورة في خلع النظام دون تدخل الغرب العسكري لسحق النظام ولترتيب الدولة الجديدة، فسيكون هذا بعد فناء أكثر شباب الثورة إخلاصا وصدقا - على خلاف ما حدث في دول الربيع- فيقطف الثمرة مسترزقة الحروب والخونة وستتنازعهم الدول التي لها مصالح في سوريا ابتداء بإسرائيل وإيران وانتهاء بأمريكا وفرنسا.

سحق الثورة أو نجاحها بعد دمار البلاد وفناء المخلصين من أبناء الثورة سيكون له تبعيات أمنية واقتصادية خطيرة مباشرة على تركيا ولبنان والعراق والأردن، وتبعيات سياسية على السعودية وإيران.

وأمريكا حليف استراتيجي لخمس دول من هذه الدول ومعادية لإيران فماذا ينتظر البيت الأبيض؟ فهيبة أمريكا ومصداقيتها في نصرة حلفائها على المحك اليوم.

ونداءات أمريكا والغرب ومجلس الأمن للجلوس إلى مائدة المفاوضات بين سوريا والطغاة، هي مجرد مناورات سياسية لإجبار المعارضة على التوحد والاتفاق وللضغط من أجل طرد الجهاديين لكي لا تتكرر مأساة أفغانستان وإيران ولأمور استراتيجية تتعلق بأمن إسرائيل والمنطقة، وإلا فالغرب يعلم أن خيار العودة قد قُطع على الثوار وأصبح مستحيلا وأن السوريين لم يثوروا على الظلم ليقعوا فيما هو أسوأ منه فيصبحوا مستعبدين أسرى مقيدين بسلاسل المعاهدات مع الفجرة القتلة الطغاة.

ولم أصلا الثورة ابتدأت؟ «إذا كُنتَ تَرضى أَن تَعيشَ بِذِلَّةٍ.. فَلا تَستَعِدَّنَّ الحُسامَ اليَمانِيا، وَلا تَستَطيلَنَّ الرِماحَ لِغارَةٍ.. وَلا تَستَجيدَنَّ العِتاقَ المَذاكِيا». الثورات الشعبية ليست مغامرة عسكرية تنتهي بانتهاء حرب فاشلة، بل هي إحدى أمرين أحلاهما مر: فإما فناء وطن وإما أمل جديد يصاحبه ألم طويل.

hamzaalsalem@gmail.com
تويتر@hamzaalsalem

المسكوت عنه
الثورات لا تنتهي على مائدة المفاوضات
د. حمزة بن محمد السالم

د. حمزة بن محمد السالم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة