بودِّي أن أغيّر الكتابة اليوم عن السياسة والإخوان وسوريا والجهاد والـ ...، لموضوع “قد” يكون مختلفاً!
سمعت هذه القصة أو طالعتها من زمن لا أعرف هل هو قديم أو قريب!
إنها قصة تحكي عن “وكر للأفاعي”، وكر قديم من زمن غير موثق إلاّ في روايات منقولة عبر سلسلة بشرية متوالية لعقود وقرون، حينها كان الوكر صغيراً، لا يعرف عنه أو يفطن له إلاّ قلة قليلة، فيما بقية العالمين لم تعره اهتماماً، أو تستشعر خطره.
مع الزمن وعوامله، تكاثرت الأفاعي بشكل هائل، ودون أن يلحظ القوم انتشرت بشكل غير مسبوق، حتى أصبحت من قوّتها ونفوذها وسطوتها على البشر تختار منهم من تريد، فمنهم من تلتهمه عناداً أو قسوة أو جوعاً، ومنهم من يتمكن من الهرب، ومنهم من يخضع ويقدم الذل والطاعة طلباً في السلامة، ومنهم من يطلب الحياة بفدية أبنائه أو أحفاده قرباناً، ومنهم من يعمل حارساً وخادماً لها، ومنهم من يكتب عنها الأساطير لبث الرعب بين الناس، ومنهم من يعمل خادماً لخدامها!
طبعاً مئات بل الألف - وقيل فوق ذلك - من البشر ذهبت ضحية أطماعها، ولم يكن أمامهم إلاّ الدعاء والصبر والسلوان, لكن حتى الدعاء كان يتم في السر، حتى لا تسمع الأفعى الاعتراض، لأنّ هذا وحده كافٍ لابتلاعهم مرة بعد مرة أباً عن جد.
استطاعت الأفاعي أن تحوّل البلدة إلى وكر كامل بعد أن ابتلعت نصف أهلها، وقيل فوق ذلك، إلاّ أنّ بعضاً ممن استطاعوا الفرار من سطوتها وطغيانها، ولدغاتها وسمومها وعدوانها وجهلها، فكروا بالقضاء على هذه الأفاعي المنتشرة واستعادة البلدة التي تحوّلت لوكر ومصدر للروائح الكريهة ونفثات السموم الشريرة الغبية التي تكتم الأنفاس والعقول والعيون!
بدأ الخبر يصل لسكان البلدة الأصليين همساً وعلى خجل، ثم بلغة محلية خالصة لا تدركها عقول الأفاعي السامة القاصرة، إلاّ أنّ الناس الذين ضاق بهم الذرع من انتظار الموت، استمروا في البحث عن طريقة للتخلص من الأفاعي القاتلة واستعادة البلد وتدمير الوكر، في مهمة محفوفة بالسموم!
حذّر أحدهم: “هذه الأفاعي لو سمعت بالخبر لجمعت هوام الأرض وزواحفها من كل أطراف الدنيا ولجعلتنا من المغضوب عليهم والضالين في الأرض جيلاً بعد جيل”.
وقال آخر “المهمة صعبة فالأفعى لا تموت إلاّ بقطع رأسها، من يقطع كل هذه الرؤوس”
وبعد مداولات استمرت لسنوات وقيل لعقود، جاء رجل هامشي من سكان البلدة، - لكن ليس مؤكد أنّ كان من سكانها الأصليين أو قادم عبث من الصحراء - بالحل الذي لم يكن صعباً كما كان المتخيل، بل من النوع السهل الممتنع متى ما تفتح العقل، إلاّ أن تنفيذه يتطلّب شجاعة وصبراً:
“لنحفر حفرة بالأرض ونضع برميلاً ضخماً وهائلاً تدفن جوانبه تماماً بالرمل،حتى تصبح فتحة البرميل موازية لسطح الأرض، ثم يجمع كل ما توفر من بقايا أكل البلدة كلها لأيام وأسابيع - وقيل لعام كامل - من لحم وسمك - بكميات هائلة تكفي لكل ثعابين الوكر، ثم تقذف مباشرة في بطن البرميل الضخم، وتترك لأيام ثلاثة حتى تزحف لها الثعابين كلها، بل وأتباعها من الهوام والعقارب، ليتحول هذا البرميل الضخم إلى مقبرة أبدية لأعداء البشر، لكنها عملية تحتاج إلى التكرار على فترات زمنية متفرقة “ قال الرجل القادم من الصحراء المنقطع عن الهوية.
“ولكن للأفاعي فائدة أحياناً، لذا ستبقى، لكن المهم أن تبقى في جحورها، حتى تنقرض ربما!..” قال حكيم.