Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناWednesday 26/06/2013 Issue 14881 14881 الاربعاء 17 شعبان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

منوعـات

منذ الأزل والمنع هو أهم أدوات السلطة والحكم، فقدرة وسطوة السلطان تقاس بجبروت المنع الذي يتمتع به، فيمنع الناس بصورة عامة من ممارسة نشاطات محددة أو يمنع فئة محددة من ممارسة طقوس وعبادات، أو يمنع شخصاً أو مجموعة من ممارسة نشاطات خاصة، وفي كل الحالات يمثل المنع حماية لجانب السلطة وهيبتها وإشعار الناس بقدرة السلطان على التحكم بحياتهم، فيمنع الطقوس التي لا تتفق ومعتقدات من يمثلهم، ويمنع الاجتماعات بين الطوائف والجماعات، ويمنع الحديث والكتابة وخصوصا عندما تمثل تلك تهديداً لهيبة السلطان أو سطوته، وحيث كانت قدرات الناس محدودة بما يتمتعون به من مهارات وسمات فردية، فقد كان المنع شخصياً مباشراً، فيمنع من يخشى تأثيره إما بالحبس الجسدي في السجن، أو يحبس من الاتصال بالناس والتأثير عليهم، واليوم عندما أصبح الإنسان ممكّناً بالتقنية والعلوم التطبيقة الحديثة، أصبحت قدرات الإنسان تتعدى محيطه الشخصي، وباتت الاتصالات بكافة صورها هي الممكِّن للإنسان من التأثير، إما بصورة مباشرة بإدارة أو تنفيذ مهام عن بعد أو بصورة غير مباشرة في التأثير على من يقوم بذلك، لذا تغيرت مجالات المنع وباتت تتمثل في سلب ذلك التمكين التقني والمعرفي.

العالم اليوم يعيش في زمن باتت السلطات المطلقة والمسيطرة مهددة بقدرات الأفراد المتزايدة، وباتت السلطات تتخلى عن ممارسات المنع في ظل تنامي الحريات الشخصية والجماعية، وبات الممنوع محدوداً بما هو ضار ضرر مباشر للأمن العام أو المصلحة الوطنية، فلم يعد هناك حماية لهيبة السلطان ولا تقديراً لجبروته، وأصبح السلطان بما يمثله من إدارة للشؤون العامة للأمة هدفاً للنقد عند ما لا تحسن الإدارة خدمة الناس وفي بعض البلدان وصل الأمر إلى الاستخفاف بالوالي أو الحاكم، والمطالبة بالتغيير عندما تسوء أحوال البلاد الاقتصادية أو الأمنية، ومع ذلك بقي للسلطان أداة المنع التي يمارسها من خلال القوانين والأنظمة، وكثير ما يجابه منع السلطان بمعارضات قانونية وحقوقية إنسانية.

عقلية المنع التي سادت فيما مضى من العصور تواجه اليوم في كثير من دول العالم دعوات متزايدة بتحجيمها وقصرها في حدود ضيقة، فالفكر الحديث والداعي لتحرير الإنسان من كل القيود، أصبح يجد آذاناً صاغية حتى عند ذوي السلطان، فالدعوة لتحرير الإنسان من القيود تنطلق من فلسفة أن الانسان بطبعه وغرائزه يميل لاكتساب الأمن والبقاء، وأن الجنوح للجريمة ومقارعة السلطات هو في سبيل تحقيق تلك الطبيعة، فالسلطان يحتكر الحريات ليتفوق على غيره من الناس وهو بذلك يستأثر بشعور أكثر من الآخرين بالأمن والبقاء، حيث يسيطر على الموارد الأساسية للحياة ويمارس سلطة حكر تلك الموارد لحقيقة ندرتها أو استلزامها جهداً لتحقيقها، هذه الفلسفة تفترض أن الموارد ستكون كافية والجهد في تحقيقها أقل من خلال الاستفادة من التقنية الحديثة وعلومها وبالتالي سيجعل الرغبة في الاستئثار أقل وسيحد من التسلط ويصبح الناس سواسية في الحقوق والجهود، هذه الفلسفة التي تدفع لتقليص سلطات المنع تقوم على رؤيا تطلعية في تأسيس مؤسسات اقتصادية مشاعة الملكية هي ما سيحقق ديموقراطية حقيقية للإنسان، بحيث ينتفي الحاجة للثراء الفاحش وينتهي الفقر المدقع ويصبح الناس في طبقة واحدة.

هذا المقال يمكن أن يكون أطول مما رسم له، ولكن العبرة فيه أننا نرى اليوم أن عقلية المنع في العالم باتت تتسرب من جديد ومن خلال مؤسسات تقنية، فأصبح لدينا تقنيات تحقق المنع بصورة عامة وتحرم الناس من السعي في الاتجاه الصحيح نحو تحسين واقعهم المعيشي، فهناك تضييق على حرية التعبير وحرية الاتصال وحرية الحركة، وهذا النحو هو إعاقة مؤقتة للمسيرة البشرية تجاه العدالة المطلقة التي ينشدها البشر عدالة المساواة في حق المتعة بالحياة.

mindsbeat@mail.com
Twitter @mmabalkhail

نبض الخاطر
عقلية المنع إعاقة للمسيرة
محمد المهنا ابا الخيل

محمد المهنا ابا الخيل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة