Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 28/06/2013 Issue 14883 14883 الجمعة 19 شعبان 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

تختلف اهتمامات كل جيل عمن سبقه وتتغير حتى المسميات والسلوك والمظاهر، تتغير الألفاظ والتعابير الدالة، لكن الأهم هو في رؤية الناس لبعضها وأدوات حكمها أو تقييمها.

المطوع و(الزكرت) في مجتمعنا قبل خمسين عام أصبحا اليوم صحوياً وليبرالياً، وطبعا يتفرع الصحوي إلى جامي وسروري وإخواني وسلفي ورباني ومسميات أخرى كثيرة،

ويماثله الليبرالي في تفرعه بين علماني وانحلالي وتغريبي وقومي ويساري ومسميات أخرى أيضا كثيرة، ولا يقف هذا التمايز والتباين بين الاثنين على الفكر والسلوك فقط بل يمتد ذلك إلى المظهر واللبس، فلا تجد صحوي يلبس العقال ولا ليبرالي يقصر الثوب، هذا التمايز والتباين بين رجلين في مجتمع واحد وربما أسرة واحدة يمتد ليميز أسلوب التربية والتنشئة، لكن لأن للحياة والخبرات المكتسبة من الاحتكاك والمخالطة مع الآخرين أثرها أيضا فقد يظهر (زكرت) في بيت مطوع والعكس صحيح أيضا، وهنا قد تجد مشهد (كوميدي) أو ربما (تراجيدي) حسب الأسلوب الذي يتم اتباعه في كلا البيتين، فالمختلف في بيت المطوع ربما عد (داشر) وهو وصف يماثل وصف الصعلوك في أزمان أقدم أطلق على أعلام خلدهم التاريخ لعل أشهرهم الشاعر طرفة بن العبد الذي قال في معلقته:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة

على المرء من وقع الحسام المهند

أما المختلف في بيت الزكرت فهو شيخ أو ملتزم، وطبعا الفرق في استخدام الوصف في كلا الحالتين يرجع إلى طبيعة الاختلاف بين الاثنين المطوع (والزكرت)، وفي اعتقادي أن هذا الاختلاف لا يرجع دائماً إلى أسباب دينية بقدر ما يعبر عن اختلاف في الرؤية في التفاعل الدنيوي، تباين وتمايز يصل حتى التخصص في الدراسات الجامعية، فهناك كليات بل جامعات أصبحت شبة مخصصة لخدمة هذا التباين والتمايز وكأننا في حاجة لمصارحة مع الذات قبل الآخر كي نقف على بعض تناقضاتنا العجيبة، ابتداء من المظهر الذي صار يشكل العنوان فيما بيننا، فما الذي يجعل لبس العقال مثلا أو عدم لبسه بمثابة وثيقة تعريف مظهرية دالة أكثر من دلالة السلوك على مستوى الوعي؟ ونفس الحال يقال حول، قصر الثوب أو طوله، مظاهر كثيرة تعد بمثابة فصل بين الذكور سلباً وإيجاباً فما بالك بالنساء والحديث في حقوقهن وحرياتهن ذا شجون، أحد المنتسبين لفئة (مطوع) يرفض اختلاط النساء بالرجال لكنه كرجل اختلط بالنساء دون حرج، وحين اعترض (الزكرت) على هذا التناقض برر ذلك بأنهن أي تلك النسوة من القواعد، فلا تدري هل يبرر لنفسه أم يسفه عقول الآخرين، وآخر ينقل محتوى كتاب إحدى الأديبات ويبرر ذلك بأنه يعتبرها مثل بنته، وكأنه يستند إلى مقولة أنتي وما تملكين لأبيك، وثالث يدعو للجهاد من أحد مساجد مصر ثم ينتقل هو وأسرته لقضاء إجازة الصيف في لندن، ومثل هذه الصور تتكرر في أكثر من مشهد اجتماعي يجعل حالة التناقض مدقعة في السخرية.

وهذا الاستخدام لحالة التصنيف المبني على المظهر ليس اختراعاً محلياً بل يوجد مثله في كل مجتمع وإن بأشكال مختلفة تتناغم وتنسجم في النهاية مع الموروث المترسب في الوجدان، فصناعة التمايز والتباين صناعة اجتماعية قديمة جدا، وموجودة حتى في المجتمعات الأوروبية وغيرها، ولم تبدأ تتوارى في تلك المجتمعات إلا بعد أن ظهرت ثقافة حقوق الإنسان ومبادئ حرية الأفراد وأصبح السلوك أو الفعل أو المضمون هو الحاكم وليس الشكل أو المظهر، هذه الحقوق وهذه المبادئ هي بمثابة الدستور الذي به يحكم على سلوك الأفراد فيما بينهم، وما يثير العجب أن هذه الحقوق وهذه المبادئ موجودة لدينا أصلا ولسنا في حاجة لاستيراد أو تقليد، لكن كيف نحتكم لهذه القواعد التي تضبط السلوك ونحن نعلم أن الفكر والوعي العام الذي يفرز و يلون هذا السلوك لا يزال مرتبك؟

والشاهد في القول إن هذا التماحك في الرؤية والتقييم يترجم حالة عراك فكري وكأنه بمثابة الطريق الذي يسلكه المجتمع نحو المستقبل، فهو ارتقى من (مطوع وزكرت) إلى (صحوي وليبرالي) عبر الأجيال بفعل ارتقاء الوعي والفكر، وكلما بدا هذا التماحك حاداً ومتعاكساً فإنه ليس إلا التواء أو وعورة في الطريق ويبقى الزمن هو الوحيد المتكفل بتحسين أمن وسلامة هذا الطريق عبر تحول الأجيال، وإذا أضفنا لعامل الزمن انتشار وسائل الاتصال فإن التحول أو التغير يصبح أنشط وأسرع كلما أحسسنا بأهميته، وبالتالي فهي ليست قضية حقيقية بقدر ما هي عرقلة طبيعية تؤخر عجلة التطور والرقي، كلما خرجنا من أفقها الضيق إلى رحاب البعد في الرؤية للأمور بمساحة أوسع كلما تجاوزنا خلخلتها وعرقلتها وتناغمنا مع حركة الزمن وتغير عصوره.

Hassan-Alyemni@hotmail.com
Twitter: @HassanAlyemni

من صور الانحباس في الشكليات
حسن اليمني

حسن اليمني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة