Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناWednesday 03/07/2013 Issue 14888 14888 الاربعاء 24 شعبان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

تتنازع العالم العربي اليوم عدَّة أصوات وعدة توجُّهات وعدة مصائر أخشى ما نخشاه أن يكون صوت الجنون فيها أعلى من صوت العقل وتوجُّهات الهاوية فيها أوضح من توجه الجادة ومصائر الهلاك أقرب من مصير السَّلامة. فليس الواقع في مصر ولا في تونس أو ليبيا ولبنان والأطراف

النائمة أو المتظاهرة بالنَّوم بأحسن من الواقع في سوريا إلا إذا استخدمنا النسبية بكثير من الإسراف. كما أن ليس ما يجري اليوم من جرائم فادحة في حقِّ الشعب السوري وغيلة أطفال بلاد الشام نهارًا جهارًا على رؤوس الأشهاد وتطاير لحمهم حيًّا من الشاشات إلا صورة كافرة مكرّرة لما جرى ويجري على أرض العراق منذ الحرب الأمريكيَّة على العراق. وليس كل هذا النفخ الطائفي والسعار المذهبي والاحتراب التعصبي بين أفراد الأسرة الواحدة من منافذ الوتساب إلى الحواري والأزقة والزنقات بما يرافقه من يتقدمه ويزيد عليه من تشظي جغرافي وسياسي إلا إعادة إنتاج لن تفاجئونا كما فاجأت آباؤنا وأجدادنا صحيفة البرفدا السوفيتية قبل ما يقارب قرن من الزَّمَان بتقسيم الوطن العربي بين قوى الهيمنة آنذاك.

وفي قلب هذا الوضع الخطير تتنازعنا اليوم تجاه ما يجري عدَّة مواقف أخشى ما يخشى منها أن يكون موقف الجبن فيها أعم من موقف الشجاعة، وموقف التهاون والهوان أقوى من موقف الكرامة والاهتمام. وتتعمق الخشية حين يتَحوَّلَ الواقع والمواقف إلى حالة من التشتت بين الضبابية الضائعة والتعصبات العمياء والانكفاءات الكسيحة والتخبط بين ادعاء الحياد والتورط الإدماني أو المجاني.

هذا فيما تندر مع ما يلحق بها من تندر وتبدد ونبذ تلك المواقف المبدئية القادرة أو على الأقل التي تملك شرف محاولة إضاءة شمعة العقل والضَّمير بدل الولوغ في مختلف مزالق الظَّلام.

وفي هذا نكاد ننسى أنّه عندما أطل الربيع العربي قبل عامين كان حلم المواطن العادي الذي لم يكن قد جرب أيّ معنى للمواطنة منذ تأسيس ما سمي بالدَّوْلة الوطنيَّة المعاصرة إلا الطاعة العمياء والمشي منحنيًّا بمحاذات الجدار، حلمًا إِنسانيًّا بسيطًا وهو الخروج على حالة التخلف الاجتماعي والبؤس الحضاري والتحنط السياسي التي جعلت الوطن مقابر مطبَّقة على أصحاب الحق فيه وأرضًا مشاعًا لأصحاب المطامع من القوى المحليَّة والخارجيَّة معًا. فكيف تحوّل حلم المواطن بالحرِّية والكرامة واللقمة النَّظِيفة الحلال واستقلال الأوطان إلى هذا الكابوس المرعب الذي أصبحنا نعيشه في اللَّيل والنهار وكأن المقصود بالمصحات العقلية التي تناولها فوكو ليفكك تركيبة الهيمنة الرأسماليَّة هي أوطان بأكملها وليس مُجرَّد المؤسسة السياسيَّة المسيطرة. والسُّؤال الذي يغيب بذهول العقل مما يجري وصدمة الضَّمير هو: لماذا وبمن ولصالح من يتَحوَّلَ الحلم البسيط بالحرِّية إلى كابوس بواح يُهدِّد بتدمير كل شيء بداية بتدمير حلم الحُرِّية نفسه ونهاية بتحطيم الإِنسان الذي تجرأ على هذا الحلم البسيط والذهاب بعيدًا إلى محو الأوطان التي اجترح الحلم من أجلها. هل خاننا الحلم أم خاننا التأويل أو خانتنا الفراسة أم نحن من خان الحلم بقلة الصَّبر على تجربة التحوّل من الحلم إلى الحقيقة ومن الخضوع المطلق إلى الحرية؟!

ليس المقصود بالسُّؤال البحث عن إجابات تبتاع الوقت للاستمرار في جنون الحاضر بمقارنات تاريخية خاطئة وخارج السياقات والأنساق للثورة الفرنسية أو الثورة الروسية. كما ليس المقصود بالسُّؤال استعارة أجوبة جاهزة كتلك التي تقول بأننا شعوب مقموعة لا تعرف كيف تتعلم تجربة الحُرِّية أو بأن المنطقة لا تحتاج إلى حكم ديموقراطي، بل إلى حكم المستبد العادل (لو كان هذا التنويع الميكافلي ممكنًا) أو تلك التي تنحي باللائمة على هذا الطرف أو ذاك من أطراف الصراع السياسي والايدولوجي على السلطة. فكل المتصارعين على السلطة اليوم، كما المثال المصري لا يستطيعون أن يخفوا أظلاف الذئب وأنياب الضباع مهما نتفوا من ريش الشعب أو نسلوا من وبر الغزلان ليغطوا سوءات شهواتهم في الاستفراد السياسي بالسلطة. إنما المقصود بالسُّؤال محاولة الحفاظ على شعرة عقل في لحظة نسقط فيها إلى حالة غير مسبوقة من صلع الجنون، كما أن المقصود شرعنة السُّؤال بعد أن صرنا لا نعيش إلا تحريم الأسئلة، حيث لِكُلِّ فريق من فرقاء التناحر مفتيه ومطبليه وأزلامه وقتلته وقواه الخارجيَّة ومثاله التاريخي، أما الضحايا فهي المشترك الشعبي الوحيد في الأوطان المختطفة. ونختم هذا المقال المقدود من قلق العقل والضَّمير بسؤال: أليس من شعب رشيد يوقف جنون الصراع السياسي بما يحمله من خطر التعصب والتقسيم والمحو بأيدينا وأيدي سوانا معًا؟

Fowziyaat@hotmail.com
Twitter: F@abukhalid

أليس بشعب رشيد أمام جنون الصراع؟
د.فوزية عبدالله أبو خالد

د.فوزية عبدالله أبو خالد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة