Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناWednesday 03/07/2013 Issue 14888 14888 الاربعاء 24 شعبان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الاقتصادية

ذكرت في المقال السابق أن بين أهم العوامل التي ساعدت الدول الغنية بالموارد الطبيعية الناضبة التي نجحت في إدارة اقتصاداتها هو امتلاكها لنظام مؤسساتي قوي وعالي الكفاءة حد من الفساد، وإلى تمكنها من الحد من تذبذب النشاط الاقتصادي المرتبط بالتقلبات التي تشهدها إيرادات مواردها الطبيعية.

وإلى تحييدها للتأثير السلبي لتدفقات ريع صادراتها من مواردها الطبيعية على أسواق الصرف ومعدلات التضخم.

وحيث إن النرويج وتشيلي مثالان بارزان لبلدان غنية بالموارد الطبيعية الناضبة نجحت في إدارة اقتصاداتها بصورة جنبتها نقمة الموارد التي تعاني منها معظم البلدان الأخرى الغنية بالموارد، فإننا سنستعرض هاتين التجربتين بدءًا بالتجربة النرويجية، بعدها نحاول الخروج ببعض الاستنتاجات المهمة للدول الأخرى التي لم تنجح في تحقيق نجاح مماثل في إدارة اقتصاداتها.

والحقيقة أن من أكثر ما يثير الإعجاب في الطريقة التي أدارت بها النرويج إيرادات مواردها الطبيعية الناضبة أنها ومنذ السبعينات، وحتى قبل أن يُعرف مصطلح المرض الهولندي وبالتالي يصبح هناك إدراك واسع لمخاطر تدفقات النقد الأجنبي على اقتصادات دول الموارد، كانت النرويج واعية تماماً لمخاطر تدفقات إيرادات صادراتها من مواردها الطبيعية على اقتصادها، وحتى تتفادى هذه المخاطر فقد تجنبت النرويج رفع الإنفاق الحكومي بتمويل من تلك الإيرادات، وبدلاً من ذلك وجهت معظم إيراداتها لتسديد ديونها الخارجية.

بعد تسديد ديونها الخارجية واستمرار تدفق إيرادات صادراتها من النفط والغاز وجدت النرويج أنها الآن بحاجة إلى آلية مالية بديلة تساعدها على الحد من التأثير السلبي لتدفق تلك الإيرادات، وقد حققت ذلك من خلال إنشاء صندوق سيادي في عام 1990 اسمته صندوق النفط الحكومي Government Petroleum Fund والذي غير مسماه في عام 2006 إلى صندوق التقاعد الحكومي العالمي Government Pension Fund Global (GPFG)، ويودع في هذا الصندوق كافة إيرادات النرويج من النفط والغاز ولا تذهب هذه الإيرادات إلى الحكومة مباشرة. والسؤال الآن هو: كيف أسهم إنشاء هذا الصندوق في إنجاح إدارة النرويج لاقتصادها وتجنيبها نقمة الموارد؟

النرويج تمكنت من ذلك من خلال تنظيمين رائعين يحكمان عمل هذا الصندوق:

الأول: حددت النرويج سقفاً أعلى لما يمكن استخدامه سنوياً من موارد الصندوق في تمويل الإنفاق الحكومي أو في تخفيض الضرائب، وهذا السقف هو متوسط العائد المتوقع على موارد الصندوق في المدى الطويل، والذي قدر بـ 4 % من القيمة الإجمالية لموجودات الصندوق مقومة بالعملة المحلية. وهذا الإجراء حقق هدفين في غاية الأهمية.

1 - أنه حد من قدرة الحكومة على زيادة الإنفاق تبعاً لزيادة إيرادات الموارد، ما حمى الاقتصاد النرويجي من التأثيرات السلبية للنمو المبالغ فيه في الإنفاق الحكومي،كما أصبحت معدلات هذا الإنفاق مستقلة عن تذبذبات إيرادات النفط بحيث لا تقوم الحكومة بإجراء زيادة كبيرة في هذا الإنفاق عندما ترتفع الإيرادات ولا تجد أنها مضطرة لتخفيضه عند تراجعها.

2 - أن قصر تمويل الإنفاق الحكومي على عوائد استثمارات الصندوق فقط وليس على الإيرادات نفسها، يضمن عدم استهلاك إيرادات النفط بشكل مباشر وأن يكون الاستهلاك لجزء من عوائدها فقط،من خلال تحويل تلك الإيرادات إلى أصول مالية وعقارية ذات عوائد دائمة، وهو ما يسمح بتوفير مصدر تمويل للإنفاق الحكومي لا يتلاشى بنضوب الثروة النفطية كما سيكون الحال عليه عند استخدام إيرادات الموارد في تمويل الإنفاق الحكومي بشكل مباشر كما يحدث الآن في معظم الدول الأخرى الغنية بالموارد.

الثاني: حُظر على الصندوق استثمار أي من موجوداته داخل النرويج وألزم باستثمارها في أصول أجنبية فقط، وهو إجراء في غاية الأهمية أسهم في تحقيق هدفين مهمين أيضًا.

1 - أنه وفر آلية لتعقيم سوق الصرف الأجنبي من تأثير تدفقات إيرادات النفط، فخروج إيرادات الموارد من الاقتصاد المحلي على شكل استثمارات خارجية للصندوق يقابل دخولها إليه على شكل إيرادات ما يسهم في تفادي حدوث ارتفاع في قيمة العملة المحلية أو في معدلات التضخم والذي سيكون حتمياً دون ذلك.

2 - أن قصر استثمارات الصندوق على أصول خارجية يمنع دخول الدولة منافساً على الفرص الاستثمارية المحلية ويحد من تضخم أسعار الأصول محلياً، ما يتيح مجالاً أوسع للقطاع الخاص للعب دور أكبر في النشاط الاقتصادي ويسهم في إنجاح جهود تنويع النشاط الاقتصادي.

وبنهاية النصف الأول من عام 2012 بلغ إجمالي موجودات صندوق التقاعد الحكومي العالمي 3561 مليار كرونا نرويجية أو 595 مليار دولار أمريكي، والذي عادل 117 % من الناتج المحلي النرويجي في ذلك العام، موزعة على استثمارات مالية وعقارية في العديد من الأسواق العالمية.

وللحديث بقية..

alsultan11@gmail.com
أكاديمي وكاتب اقتصادي *** on twitter @alsultanam

كيف تفادت النرويج نقمة الموارد؟
د. عبدالرحمن محمد السلطان

د. عبدالرحمن محمد  السلطان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة