Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناWednesday 03/07/2013 Issue 14888 14888 الاربعاء 24 شعبان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

عزيزتـي الجزيرة

(طَنَجْها) المُباركة

رجوع

رحم الله زبن بن عُمير البَرَّاقُ، فقد كان شاعراً مُلْهماً، وشاعريته لا تحتاج إلى شهادتي.. على أنه هجاني بقصيدة يائية هجاءً مُوْجعاً أبكاني قبل أن يراني ويعرفني بتحريض من بعض مشايخي رحمهم الله جميعاً، وإنني أُجَدِّدُ اليوم ما سبق لي من إباحته؛ فأقول: اللهم اغفر له وارحمه وسامحه وأَبِحْهُ عني؛ فلا حرج في قلبي عليه ألبتة.. وقد أحسن بنوه إذْ لم ينشروا هجائيَّته إيَّايَ في ديوانه سِتْراً عليَّ؛ فجزاهم الله خيراً.. وحرصاً مني على (القَفَشات) التي أجد فيها فرصة للسخرية الوُدِّيَّة اللاذعة، فقد ذَكَّرتني جريدة الجزيرة في عددها 14880 في 16-8-1434هـ ص 29 بمعارضة زبن للسديري رحمهما الله تعالى بقول زبن: (يزوم نفس ما عرفنا طنجها)؛ فقلت في نفسي: (ليس من مأثور ثقافتي العامية أي معنى لطنج، وليس من حصيلتي في الفصحى معنى ذلك؛ لأنني إذا أردت مُجَرَّد الثقافة اللغوية غيرَ قاصدِ الاستقصاء اكتفيتُ بالصحاح للجوهري ومقاييس اللغة لابن فارس، وقد أهملا مادة (طنج) كما أنّ تركيب الطاء المهملة مع الجيم نادر في الفصحى)، ولكنَّ فرصةَ التنكيت فاتتني عندما شغلتُ نفسي بالتقصِّي؛ فوجدتُ (زبناً) وارثاً معنى عربياً فصيحاً؛ فزادت حسرتي: (أن عَلِمَ زبنٌ من لغة العرب ما لم أعلم)؛ فالمعنى الأهداف، والأهداف صُنوف، وهذا معنى المادة.. ولكنَّ بحثي المسألة كان مباركاً؛ لأنه أَرْضِيَّة لتحقيق مسألة تاريخية، وإليكم البيان: رأى أَدِّي شير في الألفاظ الفارسية المُعَرَّبة ص 113: « أن الطُّنُوج بمعنى الصُّنوف يُـحْتَمل أن تكون فارسية مُعَرَّبة من (تَنْك) بمعنى العِدْل، أو من (تَنْه) بمعنى الجسم والجُثَّة.. وذكر (رينهارت دوزي) في تكملة المعاجم العربية 7/82: (أن الطُّنْجِيَّة وعاء أو إناء [هما لفظان ترادفت إحدى معانيهما على معنى واحد]، وعزا ذلك إلى كتاب (دومب ص 192 dombay, grammatica linguae mauro arabicae /فيينة 1800).. وأما في استعمال الفصحاء فقد نقل الأزهري في تهذيب اللغة 10/334 عن نوادر الأعراب أن (طنج) بمعنى تَنوَّع في الكلام، وتطنَّج إذا أخذ في فنون شتى) .

قال أبو عبدالرحمن: يظهر لي أن المراد بنوادر الأعراب (النوادر الكبير) لأبي زيد الذي ذكره الأزهري في مقدمته، وهو غير النوادر الموجز المطبوع، وكلاهما ثقة، وما دام اللفظ بهذا المعنى عند الأعراب قبل فساد السليقة فالمحقَّق أن اللفظ ومعناه من لغة العرب العاربة البائدة في جزيرة العرب ورثه الفصحاء قبل أن يُعَرِّب الفرس أو غيرهم معناه المجازي كالإناء بصفته يضمُّ صنوفاً من الأشياء المودعة فيه، والطروس بصفتها تضمُّ فنوناً من القول.. وهكذا ذكر معانيه (ومنهم من أشار إلى إهماله عند بعض اللغويين) الصاحبُ بن عباد في كتابه المحيط 7/35، وابن سيده في المُحْكم 7/217، وذكر أن الطنوج الكراريس [ووجه المجاز أنها تحوي صنوفاً من القول]، والصَّغاني في التكملة 1-463.. ولا معنى لإنكار الزبيدي على الفيروزآبادي رحمهما الله تعالى في تاج العروس 6-85 استعمال (طبَّج) بالباء ذات الواحدة بهذا المعنى، فكلاهما من كلام العرب.

قال أبو عبدالرحمن: دَبَّج بالدال المهملة والباء ذات الواحدة من تحت لتحسين صنوف القول؛ أَخْذاً من الديباج الذي هو للزينة، وطبج بالطاء المهملة والباء من تحت للتَّفنُّن في القول، وبالنون لصنوف القول وغيره .

وأما الفائدة اللغوية فهي ما رواه أبو الفتح عثمان بن جني رحمه الله تعالى بهذا الإسناد في كتابه الخصائص 1/388: «أَخبرنا أَبو صالح السَّلِيل بن أَحمد بن عيسى بن الشيخ.. قال: حدثنا أَبو عبد الله محمد بن العباس اليزيدي.. قال: حدثنا الخليل بن أَسد النُّوشَجاني.. قال: حدثني محمد بن يزيد بن ربان.. قال: أَخبرني رجل: عن حمَّادٍ الراوية.. قال: أَمر النعمان فنُسِخت له أَشعارُ العرب في الطُّنُوج.. قال: وهي الكَراريس، ثم دَفَنها في قصره الأَبيض؛ فلما كان المختار بن أَبي عُبَيْد قيل له: إِن تحت القصر كنزاً؛ فاحتفَرَه فأَخرج تلك الأَشعار؛ فَمِن ثَمَّ أَهلُ الكوفة أَعلم بالشعر من أَهل البصرة.. وهذا ونحوه مما يدلّك على تنقُّل الأحوال بهذه اللغة، واعتراض الأحداث عليها، وكثرةِ تَغَوُّلِـها وتغيُّرها؛ فإذا كان الأمر كذلك لم نقطع على الفصيح يُسمَع منه ما يخالف الجمهور بالخطإ ما وُجِد طريقٌ إلى تقبُّل ما يورِده إذا كان القياس يعاضده؛ فإن لم يكن القياس مُسوِّغاً له كرفع المفعول، وجرّ الفاعل، ورفع المضاف إليه؛ فينبغي أن يُردَّ.. وذلك لأنه جاء مخالفاً للقياس والسماع جميعاً، فلم يبقَ له عِصْمة تُضيفه، ولا مُسْكة تجمع شعاعه».

قال أبو عبدالرحمن: ابن جني ثقة، وشيخه ثقة، وتجد الإحالة إلى مصادر ترجمته في المؤتلِف والمُختلِف للدار قطني 3/1403، ونسب ابن حجر في تبصير المُنْتبه 2/689 جده عيسى؛ فقال: (صاحب آمد)، وشيخُه ابو عبدالله اليزيدي ثقة، وأكاد أجزم أن الإسناد إلى كتابه (النوادر في اللغة) الذي قال عنه ابن مكتوم: (إنه في جزئين لطيفين كبير الفائدة، وهو عندي والحمد لله) -كما في تعليق محقق إنْباه الرواة للقفطي 3/199-، وما بعد ذلك فالرواة غير معروفة حالهم، ولم أجد لهم ترجمة، ويكفي أن في الإسناد رجلاً مجهولاً عن حماد الراوية، ولو صح عن حماد (وهو لا يصحُّ) فلا يُحْتَجُّ بما انفرد به، وقد عُلِم وضعه الشعر.. وبعد هذا فالمتن مُحالٌ واقعاً، وإنما هو من آثار التعصُّب للمذاهب النحوية، ولو صحَّ هذا الكنز الذي استخرجه الشرطي المختار بن أبي عبيد!! وهو لا يصح) لكان مصدراً متواتراً عند العلماء يغترفون منه بالإحالة تارة، وبالإسناد تارة؛ فأين النقل عن هذا الكنز الثمين؟!.. وأما مفردة (الطنوج) فثابتة بنقل أهل اللغة.. وأهل اللغة يستعملون القياس في غير معناه اللغوي، بل يريدون به خلاف ما خرج عن القاعدة الثابتة بالاستقراء سماعاً؛ فالقياس عندهم ما شملته القاعدة، وما دخل أسلوب العرب بشرطه كالمجاز الذي يَسْتَجِدُّ؛ فالمآل إذن إلى ما دخل في القاعدة، والقياس عندهم ما لم يخرج عن القاعدة المُسْتَقْرأة بأصولها من كلام العرب أهل السليقة كنصب الفاعل إلا أن يكون الخارج عن القاعدة لهجةً مثلَ (إن أباها وأبا أباها بلغا في المجد غايتاها)، أو كان داخلاً في قاعدة بسماع آخر.. وكنز المختار نموذج لادِّعاءات الكَذَبة في توليد الأخبار ككنز ابن الكلبي عن الغساسنة، وكنز الكتب المنسوبة إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عند وهب بن مُنَبِّه، وكأغلب مصادر الهَمَداني - بالدال المُهْملة -؛ فكل هذه كنوز لم يَطَّلع عليها غيرهم !!.. وفي أول بحثٍ قدَّمتُه لمجمع اللغة بمصر لما انتُخِبْتُ عضواً فيه - وهو البحث الأوَّل والآخِر - أقمتُ البراهين على أن في لغة العامة كثيراً من اللغة العربية التي لم تُدَوَّن وجُعِلت من المُهمل، أو دَوَّنت المادة ولم تَذكر مجاز العامة الذي هو صحيح يقيناً في الأسلوب العربي، وقد يكون من استعمال الفصحاء بعينه.. ومتون كُتب اللغة لا تشمل كل مسموع، ولا كلَّ مجازٍ لغوي، وليس من منهجها تسجيل المجاز الأدبي؛ فلما لم أجد إلا الشكر منلمجمع دون تفعيلٍ لما طرحته بتحقيقٍ علميٍّ قاطعتُ المجمع إلى الأبد.. وهذا الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أنكر عليه بعض العلماء كالإمام محمد بن داوود الظاهري كلماتٍ، وقالوا: إنها غير مسموعة عن العرب، وهو قد طاف في بادية الحجاز، وأثبت سماعَه عنهم؛ فانْبَرى العلماء كالإمام ابن فارس والإمام أبي بكر البيهقي يوردون نقله عن العرب بشواهده، ثم وجدنا معانيه في مأثور عاميتنا.. وإلى لقاء عاجل إن شاء الله، والله المستعان، وعليه الاتكال.

- أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة