Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 04/07/2013 Issue 14889 14889 الخميس 25 شعبان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

الحج أحد أركان الإسلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)، وقد فرض الله علينا الحج عند الاستطاعة فقال سبحانه وتعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} سورة آل عمران(97)، ولرحمة الله بنا فرض الحج علينا مرة واحدة في العمر، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: (يا أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا)، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله، فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- (لو قت نعم لوجبت ولما استطعتم). وثواب الحج عظيم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه).

ولهذا الركن العظيم منزلته الكبيرة في القرآن الكريم، والحديث عنه تارة بالأمر به، وتارة بالأمر بإتمامه، وتارة ببيان مكانته، وأخرى بتطهير هذا المكان، وتارة ببيان زمانه وغير ذلك من الأساليب مما يدل على عناية القرآن بشأن الحج. وقد برزت في آيات القرآن صور هذا الاهتمام بشأنه وإظهار مكانته العظمى، ومن ذلك قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ... } سورة آل عمران(97). وقوله: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ } سورة البقرة (196). أي أن تخلصوهما للعبادة ولا تشوبوهما بشيء من الأغراض الدنيوية.

ولقد كان البيت الحرام مقصد الناس الأول قبل الإسلام وبعده قال تعالى {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} سورة آل عمران(96): {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً} سورة البقرة(125) وقد أخبر النبي (بأن الأنبياء قد قصدوه، فقال: (ما من نبي إلا وقد قصد البيت إلا ما كان من هود وصالح.....).

والبيت هو الكعبة المشرفة الذي ورد الأمر بتطهيره والاهتمام به، وله منزلته في النفوس ومكانته في القلوب، لذا تتجه قلوب العباد إليه، وهممهم تتعلق به فهو قبلتهم يتوجهون إليه في صلاتهم. وقد ورد في دعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} سورة إبراهيم(37) فاستجاب الله دعاءه. ولا شك أن هذا من شرف هذا البيت حيث أمر الناس بقصده والتوجه إليه.

ولقد أمر الله بوجوب تهيئة هذا البيت لقاصديه حتى يتمكنوا من أداء نسكهم، قال تعالى {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} سورة البقرة (125)، وأمر الله بتطهير البيت عاماً للدلالة على وجوب تهيئته وصيانته من كل ما من شأنه أن يعطل أداء النسك من حجاج طواف أو مقيمين أو مصلين.

ولقد تتابعت صيانة وعمارة المسجد الحرام عبر الزمان لتهيئته لقاصديه، ولما كان هذا العصر وكثرت أعداد الحجاج حتى أضحت القاصدة له تقدر بالملايين وضاق عليهم الحرم قامت المملكة بما عليها من واجب وتمت توسعة المسجد أكثر من مرة، وفي هذا العهد الميمون عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدلله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- يتم الآن توسعة كبرى للحرم الشريف والمطاف حتى يتسنى للحجاج والعمار أداء مناسكهم في يسر وسهولة بعيداً عن الأخطار الناتجة عن الزحام، ولا شك أن أعمال التوسعة للحرم ومنها توسعة المطاف تتطلب أعمال هدم وبناء مما قد يعرض أرواح الحجاج والمعتمرين للخطر ويسبب الازدحام مما حدا بالمملكة العربية السعودية إلى مناشدة الدول الإسلامية تخفيض عدد الحجاج والمعتمرين حفاظاً على أرواحهم وتيسيراً لأعمال التوسعة، وهي أمر ضروري لتيسير أعمال الحج مستقبلاً حافظاً على أرواح الحجاج والمعتمرين، وقد لاقى قرار المملكة تخفيض عدد الحجاج والمعتمرين ردود أفعال إيجابية، فالأكثرية في الداخل والخارج يؤيدون القرار. وحتى يتضح الأمر ويجلى للناظر ولمن كان لديه أدنى شك نعرض هنا للمشروع وكونه ضرورة ثم نبنِ الحكم الشرعي للقرار.

تعد مشاريع التوسعية التي تنفذ حالياً من أكبر التوسعات التي طرأت على المسجد الحرام منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب في العام السابع عشر للهجرة، حيث لم تتجاوز التوسعة مساحة 500 متر مربع، حيث يبلغ مساحة المشروع في حال اكتماله أكثر من 750 ألف متر مربع، وتبلغ قيمتها أكثر من 80 مليار ريال.

ووضع لمشروع التوسعة ثلاثة محاور رئيسة، التوسعة ذاتها للحرم المكي، ليتسع بعد التوسعة لمليوني مصلٍّ، ثم الساحات الخارجية، وهي تحوي دورات المياه والممرات والأنفاق والمرافق الأخرى المساندة التي تعمل على انسيابية الحركة في الدخول والخروج للمصلين، بعد ذلك تأتي منطقة الخدمات والتكييف ومحطات الكهرباء ومحطات المياه وغيرها.

وتشتمل التوسعة على توفير أحدث وأرقى النظم الكهربائية والميكانيكية ومباني التوسعة والساحات المحيطة وجسور لتفريغ الحشود ترتبط بمصاطب متدرجة. وتلبي هذه التوسعة الاحتياجات والتجهيزات والخدمات كافة التي يتطلبها الزائر مثل توفير مياه الشرب والأنظمة الحديثة للتخلص من النفايات وأنظمة المراقبة الأمنية، كما تشتمل تظليل الساحات الشمالية. وترتبط هذه التوسعة بالتوسعة السعودية الأولى والمسعى من خلال جسور متعددة لإيجاد التواصل الحركي المأمون من حيث تنظيم حركة الحشود، وستؤمن منظومة متكاملة من عناصر الحركة الرأسية، إذ تشمل سلالم متحركة وثابتة ومصاعد قد روعي فيها أدق معايير الاستدامة من خلال توفير استهلاك الطاقة والموارد الطبيعية، وتم اعتماد أفضل أنظمة التكييف والإضاءة التي تراعي ذلك. وسوف تستوعب التوسعة بعد اكتمالها أكثر من مليون ومائتي ألف مصل تقريباً. وتعمل الشركة المنفذة لمشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتوسعة المسجد الحرام الساحات الشمالية والشمالية الغربية على مدار الساعة ليتم الانتهاء من هذا المشروع الذي يعد أكبر توسعة في تاريخ المسجد الحرام في الموعد المحدد بإذن الله تعالى.

ولم يكتف خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- بتنفيذ هذه المشاريع التوسعية على المسجد الحرام بل فاجأ العالم بأوامره بتنفيذ مشروع توسعة المطاف، التي بدأ العمل فيه منذ عدة شهور، ومن المتوقع الانتهاء منه في غضون العامين المقبلين، وهذا سيحدث نقلة كبيرة في إلغاء ظاهرة ازدحام الطائفين حول الكعبة المشرفة.

وتهدف توسعة المطاف إلى زيادة الطاقة الاستيعابية للطواف، من 48 ألف طائف في الساعة الواحدة، إلى 105 ألف طائف بعد التوسعة، وهو ما سيقضي -بإذن الله- بشكل نهائي على الزحام في مواسم الحج والعمرة.

كما ستؤدي أعمال التوسعة بعد انتهائها إلى زيادة في الطاقة الاستيعابية لجسر الجمرات 300 ألف رام في الساعة، بغرض تخفيف الزحام على المسجد الحرام.

وبناء على ذلك اضطرت المملكة العربية السعودية إلى تقليص حصة كل دولة إسلامية من تأشيرات الحج بنسبة 20% وتخفيض نسبة حجاج الداخل إلى 50% ضماناً لسلامة الحجاج والمعتمرين وحفاظاً على أرواحهم، وقد ألزمت أشغال التوسعة الجانب السعودي باعتماد خطة متنقلة لتوجيه حشود المعتمرين والحجاج في مناطق توسعة صحن الطواف تفادياً لحدوث تدافع بعد أن تقلصت المساحة خصوصاً في وقت الذروة، علماً أن عدد المسلمين يتزايد بنسبة 2 في المائة سنوياً.

الحكم الشرعي لقرار المملكة بتقليص أعداد الحجاج:

بناء على ما تقدم من ضرورة توسعة الحرم المكي والمطاف خاصة لتهيئة الحرم لقاصديه من الحجاج والمعتمرين، فإن قرار المملكة العربية السعودية يأتي لمراعاة مصلحة الحجاج والحفاظ على أرواحهم، فمن المقاصد الشرعية المعتبرة حفظ النفس وعدم الإلقاء بها إلى التهلكة، وأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، لذلك وجب التقيد بالأمر.

كما أن القرار لم يمنع الحج كلية وإنما خفض أعداد القادمين إليه في فترة زمنية محددة والحج واجب مرة في العمر لمن استطاع إليه سبيلاً فقط، وتحديد النسبة لكل بلد يجعل من لم يكن ضمن النسبة المقررة فاقداً لشرط الاستطاعة فما بالك بمن كان حجه تطوعاً، كما أن بعض الفقهاء يرون أن الحج لا يجب على الفورية بل يجب على التراخي، وقولهم معتبر وأدلتهم قوية، فقد ذهب الشافعية إلى جواز تأخير الحج مع توافر الاستطاعة، وقد استدلوا بجملة من الأدلة نوردها كي نطمئن من توافر له أسباب الحج وقام بالتأجيل بناء على القرار.

الدليل الأول:

قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } (97) سورة آل عمران).

وجه دلالة الآية على جواز التراخي في أداء الحج:

الله أمر بالحج مطلقاً عن الوقت فتقييده بالفور تقييد للمطلق بلا مقيد، ولا يجوز تقييد المطلق إلا بدليل، ولو أراد الشرع تقييده لقيده، فلما سكت عن تقييده فلا يجوز لأحد أن يقيده، فوقته ممتد ولذا يجوز تأخيره.

الدليل الثاني:

قول النبي صلى الله عليه وسلم: أيها الناس: (إن الله كتب عليكم الحج فحجوا).

وجه دلالة الحديث على جواز التراخي في أداء الحج:

أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج بصيغة الأمر، وصيغة الأمر لا تقتضي الفور، فالأمر نفسه يدل على مجرد طلب الفعل والغرض من الأمر إيجاد الفعل من غير اختصاص بزمن.

الدليل الثالث:

القياس على الصلاة في الوقت، فالشخص له أن يصليها في أول الوقت، وله أن يصلها في آخره، والعمر هو وقت الحج، فإن شئت حج أول العمر، وإن شئت آخره، لجواز تأخير الصلاة لآخر وقتها فإن قيل وقت الصلاة قصير، وذلك وسع فيها نقول قصر الوقت ليس شرطاً في جواز التأخير فالموت يأتي بغتة، وغالب الناس تموت إما لم تؤد الصلاة ولم تنو أداءها، وإما تموت ولم تؤد الصلاة ولكن نوت أداءها، فمن منا سمع عن شخص مات وهو مؤد للصلاة، وكم سمعنا عن أناس سألوا عن شخص مات وقت صلاة من الصلاة فلم يصلها فهل يجوز أن نصلي عنه؟

الدليل الرابع:

القياس على قضاء الصيام في الوقت فيجوز التراخي في قضاء رمضان، فقد قالت عائشة: كان يكون عليّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكم سمعنا عن أناس ماتوا وكان عليهم صيام فكان أهلهم يسألون هل يجوز الصيام عنهم؟

وبعد فيجب على خطباء المساجد وأئمتها والدعاة إلى الله ومراكز الدعوة ومكاتب الدعوة وتوعية الجاليات في داخل المملكة والمراكز الإسلامية في الخارج توعية الناس بهذا القرار وأبعاده وكونه أمراً مشروعاً دعت إليه الضرورة، وأن الحج والعمرة من الفرائض التي يجوز تأجيلها لا سيما والحال كما ذكر وما سيترتب على ذلك من مفاسد وفوات مصالح، وهو من التعاون على البر والتقوى لما فيه خير المسلمين في حاضرهم ومستقبلهم.

وأن يهيبوا بمن قام بأداء الفريضة من قبل بتأجيل حجه وعمرته في فترة سريان القرار حتى يتيح لمن لم يؤد الفريضة أن يؤديها.

وفي النهاية أقول: إن قرار تقليص عدد الحجاج والمعتمرين يعود لمصلحة المسلمين قاطبة لما قد يواجهونه من الهلاك والمشقة في ظل ضيق المساحات وتدافع الكتل البشرية أثناء أداء مناسكهم، وولي الأمر هو من يحدد المصلحة في هذا الإطار، ويقدر مصلحة المسلمين. وكل ما يخص المملكة ويدخل في سيادتها يعد من صلاحيات ولي الأمر بما فيها أمور الحرمين الشريفين كون المملكة راعية لهما، وفية بارة بحقهما وحق زوارهما، باذلة الغالي والنفيس لخدمتهما وخدمة المسلمين، يشهد بذلك الواقع والتاريخ، والقاصي والداني، يقول ابن قدامه (فعل الإمام كمحكم الحاكم - أي القاضي- في نفاذه بالأمور المجتهد بها).

أن تقليص عدد حجاج الداخل والخارج من شأنه توفير حج آمن لحجاج بيت الله الحرام، وهي خطوة ضرورية، ولو لم تصدر من ولي الأمر لكان مطالباً بها.

فأي أمر متعب وشاق على المسلمين ستتبعه راحة كبيرة، وتقليص العدد هذا العام أمر ضروري، ومن لم يستطع الحج هذا العام بإمكانه الحج في الأعوام المقبلة من أجل تحقيق مصلحة عامة.

وينبغي أن تكون هناك جدية في التعامل مع حجاج ومعتمري الداخل الذين تبلغ أعدادهم أضعاف حجاج الخارج بأن يتم تقليص أعدادهم قدر المستطاع، وخاصة لمن سبق وأدى فريضة الحج، وأن نتواصل ونعمل جميعاً على التوعية في ذلك احتساباً للأجر ورحمة بأنفسنا وإخواننا الحجاج والعمار، وهو واجب على الجميع، مؤسسات وأفراد وعلماء ومثقفين ودعاة وإعلاميين وأكاديميين، فالكل مطالب بدوره بتطبيق القرار على نفسه ومن تحت ولايته أولاً ثم التوعية والنصيحة للآخرين.

فقرار المملكة بتخفيض أعداد الحجاج لفترة مؤقتة قرار اقتضته ضرورة شرعية وإنسانية، ويأتي ضمن حقوقها بل واجبها في اتخاذ أي تدابير أو إجراءات استثنائية حفاظاً على تلك المشاعر وتحقيقاً للمصلحة العليا للمسلمين، فهو لم يخرج إلا بعد دراسة متأنية، وجاء منسجماً مع روح الشريعة ومقاصدها.

وكيل وزارة الشؤون الإسلامية لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد - أستاذ الدراسات العليا

تخفيض أعداد الحجاج والعُمّار ضرورة شرعية ونسانية
د. توفيق عبدالعزيز السديري

د. توفيق عبدالعزيز السديري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة