Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 05/07/2013 Issue 14890 14890 الجمعة 26 شعبان 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

إذا كان الدعاء صحيحَ الثبوتِ نصَّاً، أو صحيح المعنى: فإنه شفاء بإذن الله؛ ذلك أن مِن ذِكْر الله، ودعائه، وتلاوةِ كتابه: ما هو مُطلق.. تقوله في أي وقت، وفي حال الرخاء والشِّدة؛ ليحصل لك الأجر، ولتطمئن القلوب.. ولكن التجارِب تُظهر أن الفِعْلَ لعملٍ مباح، والجمع بين نصوص شرعية في سياق واحد: تكون شفاء من داءٍ مُعَيَّن.. مع أنه لم يصدر بيان شرعي بفعل ذلك العمل المباح، ولا بتلاوة النصوص الشرعية بذلك السياق المعيَّن.. ولكن بالله ثم بالتجربة يكون بذلك الجمعِ الذي أسلفته شفاءُ ذلك الداء المعيَّن؛ فذلك هو الدعاء المجرَّب؛ فالأخْذُ به مشروع؛ لأن التجربة برهان؛ ولأنها نوع من الاستنباط الشرعي، ومن ذلك تجرِبة وهب بن منبِّه عفا الله عنه؛ فقد ذكر الإمام الحافظ أبو بكر عبدالرزاق بن همام الصنعاني [126-211هـ] رحمه الله تعالى: أن في كُتب وهب أن تُؤْخذَ سبعُ ورقاتٍ من سدرٍ أخضر؛ فيدقُّه بين حجرين، ثم يضربه في الماء، ويقرأُ فيه آية الكرسي، وذوات (قُل) [يعني سورة الكافرون [الرفع على الحكاية]، وسورة الإخلاص، وسورة الفلق، وسورة الناس]، ثم يحسو منه ثلاث حسوات ويغتسل به؛ فإنه يُذهب عنه كل ما به إن شاء الله.. وهو جيد للرجل إذا حُبس عن أهله [ انظر المصنف 11 / 13 ].. ونقل ذلك شُرَّاح صحيح البخاري ولم يردُّوه [انظر شرح صحيح البخاري لابن بطَّال 7 / 446، وفتح الباري لابن حجر 10 / 233، وعمدة القارئ للعيني 21 / 284 - 285، وإرشاد الساري للقسطلاني 2 / 185، ونور الحق الصبيح للمالكي 9 / 211].. وأضاف العلامة الورع الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى: أن يشرب منه ثلاث مرات، ويغتسل بالباقي.. وإن دعت الحاجة لاستعماله مرتين أو أكثر فلا بأس حتى يزول الداء إن شاء الله.

قال أبو عبدالرحمن: لا ينبغي إنكار ذلك شرعاً وإن كانت تجرِبةُ وهب غير مرفوعة إلى رسول الله (ص)؛ لأن العمل مباح، والتلاوة مشروعة، والقرآن كله شفاء، والسور ذوات (قُل) ذوات خصوص في الاستشفاء بالنص الشرعي، والآيات عن السحر اختيرت للمناسبة، وهي السحر والحسد؛ لأن السحر يصدر عن حسد وتعمُّد إيذاء، وهو فعل جانٍّ، ولأن التجربة برهان علمي، والبرهان العلمي مطلب شرعي؛ فإذا أثبتت التجربةُ صحةَ هذا السياق لعمل مباح وتلاوة مشروعة: كانت التجربة استنباطاً من الشرع، وقد جرَّب غيري ذلك، وجرَّبتُه في بعض أهلي وولدي وإخواني المسلمين فنفع الله به.. ثم إن إقرار علماء المسلمين ذلك -إما بسكوتهم، وإما بممارستهم- يمنح الثقة والاطمئنان؛ لأن الله جعل المسلمين خير أمة أُخرجت للناس؛ ولأن خيرهم علماؤهم وعاملوهم الربانيون.. ومن البرهان التجريبي العلمي لخيرية هذه الأمة أن الله لم يجعلهم دعاة سوء حال غلبة تاريخهم، بل كانت الحِسْبة من أصول دينهم، ولم ينتشر الفساد في الأرض والإلحاد والإباحية على وجه الأرض إلا بفعل غيرهم من الأمم وعلى الرَّغم منهم.. وقد تحقق في هذه التجربة كمال الشروط الشرعية؛ لأن التلاوة مشروعة مطلقاً، والنص القرآني ثابت بالتواتر، ويصح أيضاً ما كان صحيح المعنى بلا تجوُّز.. والتجرِبَةُ اقتضاء، ويُعلَم من أحوال التجربة ما قد يُوجَد من مانع يمنع من تأثير التجرِبة؛ إذ كلُّ نتيجة لا تتحقَّق إلا بوجود المُقتضي وتخلُّفِ المانع.. هذا ما يعلمه البشر من مَـجْرَى العادة، وأما إرادةُ الله جلَّ جلاله فلا يحيط بعلمها أحد؛ فقد تتحقَّق المُقتضياتِ وتتخلَّف الموانع فيما نعلمه من مجرى العادة، ولا تتحقَّق النتيجة؛ لأن إرادة الله المُفاجئة قد تكون ابتلاء للعبد: هل يجزع ويسخط؛ فتكون عاقبته وخيمة.. أو هل يصبر ويشكر؛ فيدَّخر الله له من حُسْن العُقْبَى ما هو أجل وأفضل، ويرحمه ربه بأن يجعل بلواه على قَدْر تحمُّلِه.. وهذه المُجَرَّبات بخلاف الشعوذات التي يُسمُّونها مُجَرَّبات مثل كتاب (عَمَلِيَّات ومُجَرَّبات الإمام الغزَّالي الكبير )، وهو مكذوب على الإمام أبي حامد، وقدره من العلم والدين - وإن كان متسامحاً في إيراد الأحاديث الضعيفة والموضوعة في الوعظ، مع كثير من التصوُّف، وتأرجحات في حياته، ولكنه مُنَزَّهٌ عن الشعوذة والسحر، وَرُجْحان عقله وقوَّةُ إيمانه فوق ذلك -.. وهذا الكتابُ نشرته مؤسسه النور للمطبوعات ببيرو/ الطبعة الأولى عام 1422هـ بتصحيح خالد القصير الذي وصف نفسه بالشيخ، ولكل ضلال شيخ.. ولا عمل لهذا القصير في التصحيح، والتوثيق، وذِكْرِ الأصول الخطيَّة؛ لأن الغرض الترويج للبدع والشعوذات.

قال أبو عبدالرحمن: كما أن التجرِبة تُظْهِر خاصية للدعاء الشرعي؛ فكذلك الأدوية تُظهر التَّجرِبة أن لها خواصَّ في أمراضٍ معيَّنة كالسدر؛ فقد أظهرت التجربة أن الجنِّ تتأذَّى منه إذا شرب منه أو اغْتَسل به ذو المسِّ والمسحور، وله خواص أخرى ذكرها الأطباء القدماء.. وقد ذكر الأطباء خواصَّه العلاجيَّة كابن البيطار في الجامع، وداوود الأنطاكي في التذكرة، وتابعهما ابن قيم الجوزية في زاد المعاد رحمهم الله تعالى.. ومن المجرَّبات ما ذكره الإمام ابن تيمية [ - 728هـ ].. قال رحمه الله تعالى: « ويجوز أن يُكْتب للمصاب وغيره شيئ من كتاب الله وذكره بالمداد المباح، ويُغسل ويُسقى كما نص على ذلك أحمد وغيره.. قال عبدالله بن أحمد: قرأت على أبي: حدثنا يعلى بن عبيد: حدثنا سفيان: عن محمد بن أبي ليلى: عن الحكم: عن سعيد بن جبير: عن ابن عباس [رضي الله عنهم] قال: إذا عسر على المرأة ولادتها فليكتب (بسم الله.. لا إله إلا الله الحليم الكريم.. سبحان الله رب العرش العظيم.. الحمد لله رب العالمين كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [سورة النازعات / 46]. كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35) سورة الأحقاف. قال أبي: حدثنا أسود بن عامر.. بإسناده بمعناه، وقال: يكتب في إناء نظيف فتُسْقى.. قال أبي: وزاد فيه وكيع: فتسقى وينضح ما دون سُرَّتها.. قال عبدالله: رأيت أبي يكتب للمرأة في جام [هو إناء من فضة] أو شيئ نظيف.. وقال أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان الحيري: أنا الحسن بن سفيان النَّسَوِيُّ [يترجَّح أن هذا الأثر من مسنده رحمه الله تعالى]: حدثني عبدالله بن أحمد بن شبويه: ثنا علي بن الحسن بن شقيق: ثنا عبدالله بن المبارك: عن سفيان: عن ابن أبي ليلى: عن الحكم: عن سعيد بن جبير: عن ابن عباس [رضي الله عنهم] قال: إذا عسر على المرأة وِلادُها فليكتب: (بسم الله... لا إله إلا الله العلي العظيم.. لا إله إلا الله الحليم الكريم.. سبحان الله وتعالى رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشيةً أو ضحاها).. (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعةً من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفسقون).. قال علي [هو ابن الحسن بن شقيق] يكتب في كاغدة.. [قال أبوعبدالرحمن: الكاغَدة: ورقة].. قال الزبيدي في تاج العروس 2 / 586: «الكاغد بفتح الغين.. أهله الجوهري، وقال الصاغاني: هو القرطاس فارسي معرب وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله».. قال أبو عبدالرحمن: كلمة (فارسي) من كلام الزبيدي، وهي وصف للقرطاس، وكلمة (معرب) تعود إلى الكاغد، وهي وما بعدها من كلام الزبيدي؛ ولهذا قال عن القرطاس 4 / 315: «وهو الكاغَد.. يُتَّخذ من بَرَدِيٍّ يكون بمصر».. والبردي نبات.. وفي تكملة المعاجم العربية 9 / 106: «كغَّاد وَرَّاق صانع ورق، وجمعها كُغود.. والكغَّاد الورقة التي تصلح ظرفاً.. وكاغِدة وجمعها كواغد ورقة، وجزء من ورقة.. وكاغيد وكاغد كرتاسي [قرطاس]، والجمع كواغيد».

قال أبو عبدالرحمن: والعجيب أنني لم أجدها في كتب المعرَّب عن الفارسية، ولا في معرَّب الجو اليقي، ولا في كتب الدخيل، واكتفى مؤلفو المعجم الوجيز بالقول بأنه معرَّب، وأنه القرطاس، وأنه بفتح الغين وكسرها ص 791، ونص على أنه بالتشكيلين، وأضاف أنه فارسي عبدالله البستاني في الوافي ص 541 والمنجد ص 689، وبطرس البستاني في قطر المحيط ص 521 واكتفى بكلمة (معرَّب)، ولم يذكر أنه فارسي، وهكذا جرمانوس فرحات بتحقيق رُشَيد الدحداح ص 150 اكتفى بمعرب، وبالضبط بالفتح.. ثم قال ابن تيمية: «فيعلق على عضد المرأة.. قال علي وقد جرَّبناه فلم نَرَ شيئاً أعجب منه؛ فإذا وضعتْ تحلُّه سريعاً، ثم تجعله في خرقة أو تحرقه « [مجموع فتاوى ابن تيمية 19 / 64 - 65].

قال أبو عبدالرحمن: مدار الأسانيد التي ذكرها الإمام ابن تيمية على محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلي الأنصاري الكوفي، وقد وَقَفَه على ابن عباس رضي الله عنهما، وفي المتنين اختلاف.. وشيخ الإمام أحمد هو يعلى بن عُبيد بن أبي أمية إلا ياديُّ أو الحنفيُّ ولاء.. ضعَّفه في الرواية عن سفيانَ ابنُ مَعين.

قال أبو عبدالرحمن: إذا ضُعِّف الراوي في الرواية عن شيخ معين، أو بلد معيَّن: فذلك ناتج عن استقراء الأخطاء في الرواية عنهم، ثم تُؤخذ أسباب ذلك من صفة العلاقة بين الراوي والمرويِّ عنه تحمُّلاً وأداء.. قال الإمام أبو عمرو ابن الصلاح رحمه الله تعالى في علوم الحديث - عن رواية يعلى لحديث ( البيِّعان بالخيار) عن سفيان الثوري - ص 91: «والعلة في قوله: (عن عمرو بن دينار).. إنما هو عن عبدالله بن دينار: عن عبدالله بن عمر [رضي الله عنهم]».. هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان عنه؛ فوهم يعلى بن عبيد، وعَدَل عن عبدالله بن دينار إلى عمرو بن دينار، وكلاهما ثقة [رضي الله عنهم]»؛ فالعلة ههنا مخالفته الأئمة من أصحاب سفيان.

ثم أعود إلى يعلى بن عبيد بأنه مُجْمع على توثيقه وصدقه، وشيخه هو الإمام أبو عبدالله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، وشيخه هو الحكم بن عتيبة الكندي ولاء.. قال ابن حبان: كان يدلس [الثقات 4 / 144].. إلا أنه خلط بينه وبين الحكم بن عتيبة بن النَّهَّاس.. انظر تهذيب التهذيب 2 / 390.. وفي معجم الثقات للعجلي بترتيب الهيثمي والعجلي 1 / 313: «وكان فيه تشيُّعٌ لم يظهر منه إلا بعد موته»].. وقال ابن سعد: ثقة ثقة.. وهذا التكرار أعلى مراتب التعديل، والثقة في الاصطلاح من جمع بين العدالة والضبط، وانظر تحشيات شيخي عبدالفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى على كتاب (الرفع والتكميل في الجرح والتعديل ) ص 134 - 135.. وشيخه الإمام سعيد بن جُبير بن هشام الأسدي الوالبي ولاء الكوفي.. وأما ابن حمدان [273 - 356هـ] فإمام حافظ له مجلس إملاء كبير، وألَّف مستخرجاً على البخاري، وكتاباً في الأحاديث التي في مُختصر المزني كما في سير أعلام النبلاء 16 / 193 - 196، وشيخه الإمام الحافظ صاحب المسند المشهور أبو العباس الحسن بن سفيان النَّسَوِيُّ [ - 303هـ]، وشيخه الإمام أبو الحسن أحمد بن محمد بن ثابت ابن شَبُّوْيَة [ - 239هـ ]، وشيخه الإمام الحافظ علي بن الحسن بن شقيق بن دينار العبدي ولاء [137 - 215هـ] سمع أربعة وعشرين كتاباً من كتب ابن المبارك، وعبدالله بن المبارك من أئمة علماء المسلمين المشهورين، وروايته مُرجَّحة على رواية يعلى بن عبيد؛ لأنه أعظم منه إمامة، وأحفظ منه لحديث سفيان؛ ولتجريب علي بن الحسن بن شقيق للأثر رحمهم الله جميعاً.

قال أبو عبدالرحمن: لما صَحَّتْ التجربة مروِيِّة بنص الإمام ابن المبارك - وهو أقوى الطُّرُقِ إليه -: أخذنا به على أنه دعاء مجرب يجوز العمل به، ولا ندري هل أتقن رواية التجربة عن ابن عباس رضي الله عنهما، أو عمَّن دونه في الإسناد، أو عن غيرهما.. وجاز العمل بهذه التجربة، وترجَّح نَفْعُها بدلالتي التصحيح والترجيح؛ فأما دلالة التصحيح فهو أن هذه النصوص صحيحة شرعاً، وقد استُعْمِل العَمَلُ المُـجرَّب في رُقية، وكل ما صح من ذكر الله ودعائه جاز الاسترقاء به، لصحة النص في الرقية، وللنص القرآني الكريم على أن القرآن شفاء؛ ففي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه اجتهادُ أحدِ الصحابة رضي الله عنهم في رقية اللديغ بالفاتحة، وشفاؤه، وإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك.. وقال تعالى: (وننزل من القُرءان ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) [سورة الإسراء / 82]، وقد جاء في القرآن الكريم الإيماء إلى تأثير كلام الله الحسي؛ بأنه لو أُنزل على جبل لتصدَّع، ومن أصدق من الله قليلاً.. والنفث بإطلاق، والنفث في الماء والاغتسال به صحيح شرعاً.. وإلى لقاء عاجل والله المستعان.

- عفا الله عنه -

الدُّعاءُ المُجَرَّبُ مُنْتِج بإذن الله
أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري

أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة