Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 08/07/2013 Issue 14893 14893 الأثنين 29 شعبان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

- تحل بعد أيام، وتحديداً في الخامس من شهر رمضان المبارك، الذكرى الثالثة لرحيل فقيد البلاغة وفارس التنمية، معالي الدكتور/ غازي بن عبدالرحمن القصيبي، تغمده الله برحمته ورضوانه، ومع إطلالة هذا الشهر الكريم، يتجدّد الجرحُ إيلاماً لفقده، وحسرةً على غروب شمس عطائه حباً لهذا الكيان الخالد وبذْلاً في سبيله، ولاءً له ووفاءً.

* * *

- لقد شاهدته مراراً وهو يعاني (سكرات) الألم، فلا يبوحُ بشيء منها لأحد سوى للقليلين جداً ممن يهمهم أمرُه، حباً له وخوفاً عليه من عوادي الزمن وآفاته. كان عملاقاً في صراعه مع المرض إبان وجوده في أمريكا للعلاج خاصة بعد أن كشف له الأطباء هناك (هوية) العدو الرابض في أحشائه، وكنت قبل ذلك أظن ومعي كثيرون أن معاناته قبل وبعد دخوله مستشفى الملك فيصل التخصصي بمدينة الرياض مرتبطة بمشكلة قرحة المعدة وتبعاتها، وهو أمر ظل يشكو منه زمناً طويلاً. وكلما (مسّه) ذلك الألم في ليل أو نهار، تناول ما تيسر من علاج، ليعود إليه بعد زمن قصير أو بعيد!

* * *

- كنت أتابع حالته الصحية بالحضور إلى مقر علاجه في الرياض أو هاتفياً بعد سفره إلى أمريكا، وأحياناً كنت أشرف بحديث مقتضب معه عبر هاتفه الخاص، فأُسمعه آخر الأنباء مما يهمه سماعه، وقد أروي له شيئاً من الطرف المتداولة، فيبتسم لبعضها ابتسامةً تملأ نفسي غبطة وفرحاً، وكلما سألته في ثنايا الحديث الهاتفي عن حالته الصحية، ردّ بإيجاز ينبئ عن الصبر والإيمان والاحتساب قائلاً: (الله كريم)! اليوم أتذكر أبا يارا بقلب مؤمن ووجدان مسلَّمٍ بقضاء رب الكون، داعياً له بفردوس الخلد مقراً له ومقاماً.

* * *

- استقبلت نبأ وفاته رحمه الله عبر اتصال هاتفي مقتضب من صديق مشترك صباح يوم الأحد الخامس من رمضان 1431هـ، بعد زيارتي الأخيرة له في تخصصي الرياض بثلاثة أيام فقط، وكنت في طريقي إلى مكتبي في جدة، وشعرتُ لحظتئذٍ، وكأنّ الأرض قد اهتزت تحت قدمي لأهويَ في تخومها من علٍ وأنا في حالٍ محزن من الإرباك والارتباك والذهول!

* * *

- ذكرت الله كثيراً في تلك اللحظة، وقد تجمَّد الدمع في عينيّ والريقُ في فمي، وتعثّرت خطاي وأنا أدلفُ إلى مكتبي، ثم لُذتُ بأول مقعد فيه وكأني أبثّه ما بي، وشعرتُ بشيءٍ من السلوى حين تقاطر زملاء العمل إلى مكتبي معزّين لي ولأنفسهم في آن!

* * *

- استمرت عاصفة الذهول تموج في خاطري أياماً، وأنا من فرط الأسى لا أكاد أصدق أن غازي قد قضى ورحل إلى فردوس الخلود، بإذن الله، لكن إيماني بالخالق المعبود منحني شيئاً من عزاء وسلوان، ثم دخلت في (هدنة) نفسية مع الأسى حين كتبتُ مرثيةً عنه، ونشرتها في هذه الزاوية الأثيرة على نفسي، وكانت شهادة حب لصديق العمر ورفيق المشوار الطويل غازي، منذ التقينا طلاباً قبل نصف قرن من الزمان في مكتبة جامعة جنوب كاليفورنيا بمدينة لوس انجلوس عبر صديق مشترك، لم أشْكُ منه قط مذ عرفته أذىً يمسُّني ذمةً أو كرامةً أو شعوراً، كان باختصار (مجموعة إنسان) بأدبه المحلَّق، وشاعريته المبدعة، وفكره المتجدد، وقبل هذا وبعده، كان إنساناً ودوداً لا تمل له حديثاً ولا حضوراً ولا (خصاماً) مخضّباً بعطر المحبة حين ينتقد شيئاً، أو يحض على شيء أو يجتهد في النصح بالابتعاد عن شيء!

* * *

“ختاماً، لن أنسَى عبارةً أسمعني إيّاها الفقيد الكبير خلال زيارتي الأخيرة له في “تخصصي الرياض” وهو يستعد للمواجهة النهائية مع المرض، قلت له مجتهداً وأنا أتأمل بألم بالغ وجهه الذابل الذي لم تغادره غيمة الحنان: (مثلك يا غازي لا يستحق ما أنت فيه)، فرد عليّ بحماس المؤمن، وقد شعت عيناه بإشراقة اليقين: (لا تقل هذا يا عبدالرحمن.. فأنا مؤمن مسلَّم بما قضاه الله لي وقدّره)، ولم يزد!

“ثم ودعته قائلاً (في أمان الله)، وانصرفت قبل أن تفجر رعودُ الدمع مشَاعري!

الرئة الثالثة
هكذا ودعت فقيد البلاغة وفارس التنمية.. غازي القصيبي!
عبد الرحمن بن محمد السدحان

عبد الرحمن بن محمد السدحان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة